خاص "هي"- مهرجان البحر الأحمر 2023: "هجان".. عودة لأفلام المسابقات الرياضية تنقصها الدهشة!
منذ الإعلان عن تفاصيل فيلم "هجّان"، وهناك حالة من الترقب لهذا العمل لأسباب عدة: أولها أن الفيلم هو الروائي الطويل الثاني للمخرج أبو بكر شوقي الذي شارك فيلمه الأول "يوم الدين" في مسابقة مهرجان كان (2018)، ونال استحسان النقاد والكثير من الجمهور أيضًا، وثاني هذه الأسباب أن "هجّان" هو فيلم تدور أحداثه بالكامل في السعودية، وحتى تزداد المغامرة صعوبة، فإن مسرح الأحداث ليس إحدى المدن الحديثة، ولكن في إحدى المدن البدوية في بيئة صحراوية تمامًا، وقد صُورت بعض مشاهد الفيلم في الأردن. هذه التركيبة بالتأكيد مُغرية للمشاهدة، خاصة إذا أضفنا إليها أن قصة الفيلم تدور في عالم سباق الهجن، وهو نوع من الجمال السريعة، وربما هو الفيلم الأول من نوعه الذي يتابع مثل هذه الرياضة.
تتابع أحداث الفيلم الطفل/المراهق مطر (عمر العطوي) والذي يسعى للفوز بسباق الهجن ليحافظ على حياة ناقته "حفيرة" المهددة بالذبح في حالة لم يفز بالسباق. تبدو قصة الفيلم بسيطة، لكن الأمر يعتمد على كيفية معالجة هذه البساطة! سيناريو الفيلم لكلٍ من عمر شامة ومفرج المجفل، بمشاركة أبو بكر شوقي، بينما كتب القصة أحمد زغبي وزينب غريب، وفي الحقيقة من الغريب أن جميع هذه الأسماء شاركت في الكتابة بشكل أو بآخر، بينما خرج السيناريو بهذا الشكل المتواضع.
لا يخفى على أي مشاهد متابع لنوع الأفلام التي تدور في حلبات السباق أو المنافسات الرياضية، أن النهاية -على الأرجح- تكون بفوز البطل، وفي بعض الأحيان يتحايل صناع الأفلام، فلا يفوز البطل بمباراته الأخيرة، ولكنه يفوز بدرس ما لحياته، أو ربما يتنازل عن الفوز بإرادته الحرة ليثبت لنفسه شيئًا. رغم هذا الوضوح، فإننا لا زلنا نستمتع بمشاهدة هذه الأفلام.
لا يختلف الوضع كثيرًا في "هجان" إذ ندرك منذ البداية أن مطر سيفوز بمراده في نهاية الفيلم، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في كل ما بين مشاهد البداية وتتابعات النهاية، إذ يُمكن من المّشاهد الأولى استنتاج قصة الفيلم بالكامل، من سيموت ومن سيعيش، من سيفوز ومن سيخسر، وللأسف لا يحاول الفيلم أن يبذل أي مجهود لصناعة اختلاف ما أو إدهاشنا من خلال شخصية بعينها، بل إن بعض الشخصيات تظهر وتختفي فجأة بلا أسباب منطقية.. لن نجد أبعادًا مختلفة أو حتى دوافع مُقنعة للشخصية الشريرة جاسر (عبد المحسن النمر)، بل إن وصف "شخصية شريرة" هنا يصبح مثاليًا جدًا إذ أن جاسر كتابة وأداء لا يعدو أكثر من الأشرار التقليديين الذين يعيثون فسادًا ويفلتون من العقاب بلا مبرر، ولكن -لحسن الحظ- يُهزمون في النهاية.
الطريف أن الفيلم تخلى عن بعض التفاصيل المعتادة في الأعمال المشابهة، ربما لمحاولة الاختلاف، لكن النتيجة لم تكن مرضية إلى حد كبير مقارنة باتباع الأسلوب التقليدي، والمثال الأبرز هو مراحل التدريب المختلفة التي نشاهدها للبطل عادة، فمطر يصبح بطلًا منذ سباقه الأول، يكفي أن يغني تهويدته السحرية لناقته، لتصبح في المركز الأول!
رغم هذه المآخذ، فإنه يمكن تصور أن الفيلم ينجح في مخاطبة جمهوره الموجه له، إذا تجاوز المشاهد السعودي مشكلة اللهجة، فبإمكانه أن يستمتع بعمل سينمائي غير مسبوق عن البيئة السعودية، وبخلاف مشاهدي المملكة فإن محبو الأفلام الرياضية سيسمتعون بمشاهد المنافسة التي ربما تعتبر أكثر المشاهد إمتاعًا.
كذلك من الناحية التقنية، يقدم "هجان" الكثير منذ اللقطات الأولى، يصور أبو بكر شوقي البيئة الصحراوية بطريقة أخاذة، ويبدو أنه كان مستمتعًا بالتصوير في هذه المناطق الخالية إذ يحاول في كل مشهد أن يصنع تكوينات ملفتة، مستعينًا بإضاءة مدير التصوير جيري فاسبنتر. تبلغ ذروة إبداع شوقي في مشاهد السباقات، كما ذكرنا ، حتى يمكن فصلها عن الفيلم والاستمتاع بمشاهدتها، خاصة مع ما تضيفه موسيقى أمين بو حافة لهذه المشاهد من جاذبية وإثارة. ربما لم يسمع الكثيرون عن سباق الهجن، ولكن بالتأكيد سيجذبهم الفيلم للبحث عنها أو متابعتها، وهو في هذا ربما قد أحرز القليل من رغبات صناعه.
فيلم "هجان" بطولة عبد المحسن النمر وشيماء الطيب وعمر العطاوي وإبراهيم الحساوي، وهو تجربة حاولت الإخلاص لبعض العناصر، ونجحت في ذلك، ولكنها لم توفق في الحفاظ على بعض التفاصيل المهمة الأخرى.