خاص "هي"- "مندوب الليل" عن الرياض وليلها الذي لا نعرفه ..هل هو أفضل فيلم سعودي في 2023؟
منذ عرضه في مهرجان تورنتو للمرة الأولى، وهناك الكثير من الأصداء الإيجابية عن فيلم علي الكلثمي الطويل الأول "مندوب الليل"، قبل أن يعرض الفيلم في بلد إنتاجه المملكة العربية السعودية، ضمن قسم روائع عربية في الدورة الثالثة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.
فيلم "مندوب الليل"
الفيلم الذي شارك في كتابته الكلثمي مع محمد القرعاوي تتابع أحداثه فهد (محمد الدوخي) الشاب في منتصف الثلاثينيات، المثقل بالديون ووالده المريض، ويبحث عن ذاته وعن حل في شوارع الرياض، التي يعمل بها ليلًا في توصيل الطلبات. بالنسبة لمن لم يزر الرياض (عاصمة المملكة) من قبل فعلى الأرجح الصورة الذهنية لها ستكون عبارة عن مبانٍ فخمة، وفيلات أنيقة، وسيارات باهظة الثمن، لا فقراء في هذه المدينة، وبالتأكيد هناك قدر من الالتزام الديني. من الأفضل أن نترك هذه الصورة الذهنية جانبًا قبل الفيلم لأن ما سنشاهده يختلف تمامًا عن هذا التصور.
فهد يشعر بالضآلة وبأنه مظلوم، لم يتحقق لا ماديًا ولا عاطفيًا، يُفصل من عمله في بداية الفيلم، ولكنه يواصل العمل مندوبًا للتوصيل ليلًا من خلال تطبيق "مندوبك"، لكنه يشعر بالخجل من هذا العمل، يضاف إلى مشاكله الخاصة والده الذي لا يستطيع الحركة بمفرده ويحتاج إلى رعاية مستمرة، وأخته المطلقة التي تعيش مع طفلتها معهم، وتحاول أن تصنع مشروعها الخاص.
هذه الأسرة الصغيرة تختلف إلى حد كبير عن الصورة الذهنية التي ذكرناها، فهم لا يعانون من الفقر، لكنهم بالتأكيد يرغبون في تأمين وضعهم المادي بشكل أفضل. فهد ليس عاطلًا تمامًا، لكنه لا يشعر بالتحقق، وأخته سارة (هاجر الشمري) ليست المرأة التي لا يشغلها سوى البحث عن العطور والملابس، فهي تشعر بكامل المسؤولية عن طفلتها ووالدها، وعن أخيها أيضًا في بعض المشاهد.
يختار الكلثمي أن يكون فيلمه مُساقًا عن طريق الشخصية، وليس عن طريق الحبكة نفسها، في البداية سنبحث عن الأزمة الحقيقية للبطل وكيف سيخرج من مشاكله، ولكننا بعد عدة مشاهد سنكتفي بمتابعة فهد والتعرف على المدينة من خلال عينيه. من خلال هذا الاختيار، واختيار مهنة التوصيل تحديدًا، نكتشف عالمًا ليليًا لم نكن نعرف عنه شيئًا في الرياض، حيث الحفلات الصاخبة والتجارة السرية لبعض المشروبات، هكذا نجد أن "مندوب الليل" يقدم لنا شخصيات وأماكن ليست مألوفة في الرياض.
إذ تدور أغلب أحداث الفيلم في الليل، فإن المخرج يختارطابعًا بصريًا، يعتمد على الإضاءة النيون ذات اللون الأخضر الهادئ، والتي تضيف المزيد إلى وحدة البطل في الكثير من المشاهد. يذكرنا الطابع البصري والسردي للفيلم برائعة سكورسيزي "Taxi Driver" (سائق التاكسي) (1976)، التي قدمت البطل المهمش الحانق على المجتمع بأكمله ويبحث عن وسيلة ليقول "أنا هنا معكم".
وفي هذا يجب أن نقول إن سيناريو الفيلم كان يحتاج إلى المزيد من العمل في تحديد الأزمة الحقيقية للبطل، ففي "سائق التاكسي" كانت أزمة البطل واضحة، مع المجتمع الفاسد الضاغط الذي لا يشعر بالبشر. بينما عندما نبحث عن أزمة فهد منذ البداية فإننا سنجد صعوبة نسبيًا في الوقوف على شيء محدد، فالبحث عن العمل ليس أزمته الحقيقية، والديون يبدو أن لها حلول، وحتى عندما يدخل العالم الليلي، فلا يمكن القول إنه وجد ضالة ما في هذا العالم العجيب، أو أنه كان يرغب بشكل آو آخر أن ينتمي إليه. ربما كانت حالة تشتت البطل بين ما يريده بشكل حقيقي أمرًا مقصودًا يعكس حالة التيه لديه بالأساس، ولكنها على الشاشة كانت تحتاج إلى ربط أكثر قوة داخل شخصية فهد، وقد كان لهذا تأثير على بعض أجزاء الفيلم التي بدت أطول نسبيًا من الفصول الأخرى، وخاصة الفصل الأخير.
لا يجب أن ننسى في النهاية أننا أمام مخرج يقدم عمله الطويل الأول، وهو ما يسمح بهامش من المآخذ، وإن كان يمكننا أن نجد أن ما شاهدناه أفضل بكثير من مجرد عمل أول، بل ويجعلنا في انتظار لما يمكن أن يقدمه الكلثمي عن مدينته في أعماله القادمة.