خاص "هي"- فيلم "أحلام العصر" للأخوين قُدُس.. كيف تغيرت السينما السعودية في 3 سنوات؟
لم يكن الفيلم الكوميدي السعودي ”شمس المعارف“ (2020) مجرد فيلم عابر من الأفلام السعودية، بل يمكن القول إنه الشرارة الأولى لإمكانية صناعة فيلم محلي، يحقق نجاحًا جيدًا في شباك التذاكر السعودي. ”شمس المعارف“ كان العمل الطويل الأول للأخوين قُدُس، فارس مخرجًا ومؤلفًا وصهيب مؤلفًا أيضًا ومشاركًا في البطولة. كان الفيلم متماسكًا، وبه شيء طازج وأصيل، ينتمي لبيئته جدًا رغم أحلام بطله بصناعة أفلام شبيهة بأفلام هوليوود، ولهذا نجح الفيلم تجاريًا في السعودية، وخارجها عندما انطلقت عروضه على المنصات.
هكذا كان من الطبيعي انتظار الفيلم الثاني للأخوين قدس ”أحلام العصر“، والذي عرض للمرة الأولى عالميًا خلال مهرجان البحر الأحمر، ويصبح أطول فيلم سعودي في المهرجان، وربما أطول الأفلام السعودية على الإطلاق، إذ يمتد إلى أكثر من 3 ساعات بقليل. من خلال هذا العمل يمكن أن نقف على التغير السريع والكبير الذي طرأ على صناعة السينما في السعودية خلال 3 أعوام فقط مرت بين الفيلمين.
تدور أحداث الفيلم الذي كتبه الأخوين قدس مع نجم وعمر باهبري، عن لاعب الكرة المتقاعد سيئ السمعة عبد الصمد (صهيب) وابنته صانعة المحتوى أحلام (نجم)، اللذان يعملان مع إحدى الشركات التي توظف مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي في الإعلانات مقابل هامش ربح، لكن بمرور الوقت نكتشف أن الأمر أكبر من مجرد شركة لتقديم المحتوى.
يضم ”أحلام العصر“ مجموعة من أبرز الوجوه السعودية حاليًا، بداية من صهيب وبراء عالم وإسماعيل الحسن المشاركون في الفيلم السابق، وينضم إليهم الممثلة الشابة نجم وفاطمة البنوي وحكيم جمعة وآخرين. جميع الممثلين تقريبًا من الوجوه المألوفة للمشاهد السعودي، ولديهم رصيد جيد من المتابعة. على عكس الفيلم الأول الذي كانت أغلب أبطاله ليسوا معروفين خارج حدود اليوتيوب أو البرامج الكوميدية، فإن أغلب الأسماء المشاركة في "أحلام العصر" لها رصيد من الأعمال، وأصبحت مألوفة أكثر لدى مشاهدي السينما أو المسلسلات، وهو يدل على الحراك الفني الحادث في هذه الفترة القصيرة.
ملاحظة أخرى يجب التوقف عندها، هي جرأة تناول الكثير من الأفكار داخل المجتمع السعودي، والتي ربما كان مجرد التفكير فيها يعد مبالغة. بينما قدم الفيلم السابق الفساد الإداري داخل أروقة المدارس، فإننا في "شمس المعارف" نشاهد عملية نصب ضخمة تستغل مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي لجمع الملايين. لكن هذا ليس الخط الأحمر المقصود. في هذا الفيلم نشاهد عبد الصمد مخمورًا أغلب الوقت، بل ويستخدم صاحب شركة الدعاية حب عبد الصمد للخمر، ويهديه عدة زجاجات ليستغله. هذا التعامل مع الأمور المحرّمة داخل المجتمع بالتأكيد لم يكن أمرًا سهلًا من قبل، خاصة عندما نتحدث عن فيلم تجاري سيعرض بشكل كبير في دور العرض لاحقًا.
الأمر نفسه ينطبق على الحفلات الصاخبة والعلاقات بين الأولاد والبنات. في الفيلم السابق كانت مجرد مشاهدة فتاة بالنسبة للفتيان داخل المدرسة هو حدث جلل (لمجرد كونها فتاة وليس لأنها دخلت مدرسة للفتيان)، بينما في هذا الفيلم نشاهد الكثير من العلاقات العاطفية بين عدة شخصيات.
وصولًا إلى الأسلوب الخاص بفارس قدس، فإن الفيلم يضم الكثير من الجينات التي ميزته "شمس المعارف" استخدام لقطات التحريك، والرجوع الواضح لجيل التسعينيات والأفكار التي تخصه، وفي هذا الفيلم يقدم لقطات من المباريات القديمة ليعرض لنا ماضي عبد الصمد وفترة تألقه، وهناك أيضًا النقد الذكي للأسرة، والذي يمنحه هنا مساحة أكبر بالتأكيد من خلال العلاقة المضطربة بين عبد الصمد وابنته أحلام. لهذا سنجد أن أول فصول هذا الفيلم هو أقواها، خاصة الافتتاحية التي تسرد فيها أحلام أنواع مؤثري مواقع التواصل، على خلفيات ملونة تتحرك بشكل جذاب مع تعليقات أحلام الساخرة، التي لا يمكن أن ينكر دقتها حتى المؤثرين أنفسهم. بينما يتراجع الفيلم تدريجيًا فصلًا وراء الآخر وصولًا إلى الفصلين الأخيرين (من أصل ستة فصول) اللذان كانا الأضعف والأبعد عن أسلوب فارس المميز.
يبدو أن صناع الفيلم قد مالا إلى تقديم الكثير من الأفكار، وخاصة مع يظهر على الفيلم من توافر الإنتاج الكبير الذي يتيح تنفيذ عمل أضخم من سابقه، لكن النتيجة كانت مشتتة إلى حد كبير، فربما لو كان الفيلم اكتفى بالتركيز على علاقة الأب وابنته، وتأثير مواقع التواصل على حياتنا اليومية، لكنا شاهدنا عملًا أكثر تماسكًا مما قُدم بالفعل. لا يمكن أن نقول إن مدة الفيلم الطويلة هي عيب في حد ذاتها ولكنها كانت عيب هنا لوجود الكثير من التفاصيل الفرعية والمشاهد وربما الفصول الكاملة التي يمكن الاستغناء عنها، ليس فقط كونها لا تضيف بشكل قوي إلى الحبكة الرئيسية، ولكن لأنها لم تقدم الجديد الذي ميز بداية الفيلم، فتتابعات الأكشن في النهاية، هي مجرد تتابعات أكشن شاهدنا مثلها الكثير من قبل.
"أحلام العصر" شاهدٌ على تطور مهم في السينما السعودية، ويستكمل طموح الأخوين قُدُس اللذين أثق أن لهما مشروعًا سينمائيًا لم يتكشف بأكمله بعد، وإن كان الفيلم في حد ذاته لم يكن على المستوى المطلوب، وربما كان طموح صناعه أكبر مما يتحمله الفيلم نفسه.