المطربة سمية بعلبكي لـ"هي": نشأتي الفنية صعّبت المهمة عليّ وأرفض التعصب للهجات في عالم الغناء
صوت غنائي ذو خلفية فكرية وثقافية تأسست بعائلة فنية بامتياز مُنذ نعومة أظافرها بعمر السابعة ليكون واجبها اليومي حفظ أغنيات أم كلثوم وفيروز وعظماء الغناء بمصر ولبنان والوطن العربي، كل هذا شكل شخصيتها الموسيقية وصنع مشروع غنائي خاص وفريد من نوعه حتى أنها تتعامل مع الفن كرسالة وضميرها دائما ينبض بقضايا لبنان والوطن العربي وتعتز وتفتخر كثيرا بذلك وترفض التفرقة وتصف أوطاننا العربية بأنه يجمعها الكثير ويُفرقها القليل .. هي المطربة اللبنانية سمية بعلبكي التي تتحدث لـ"هي" عن نشأتها وتأسيس والدها لها في الموسيقى حيث كان يرى فيها استكمال مسيرة عظماء الغناء، وعن أغنياتها الجديدة وتأثرها بالكلاسيكيات الغنائية، وتألقها مؤخرا بحفل "ليالي الأنس" وقد سبق وشاركت بمهرجانات بعلبك الدولية بظروف صعبة وقسرية وهذا التحدي مازال مُستمر إلى الآن وسط ما طرأ على الموسيقى والذوق العام، كما توضح موقفها من الغناء باللهجة المصرية.
في البداية .. كيف تكونت خلفيتك الثقافية والغنائية مع الاحتفاظ بالرصانة الموسيقية لتُصبحي صوت متميز في الكلاسيكيات وأغنيات السيدة أم كلثوم ونجوم ونجمات الجيل الذهبي بالإضافة لمشروعك الغنائي الخاص في ظل التغيرات التي طرأت على الساحة ما بين عقود وأخرى لتحتفظين بشخصية خاصة جدا؟
مسيرتي كانت طويلة حيث بدأت في السابعة من عمري ونشأت بعائلة فنية حيث والدي الفنان التشكيلي فهو رسام وشاعر وأديب وتربيت في جو ثقافي وسط عائلتي وخصوصا والدي وكان هناك تشجيع دائما لي من والدي ووالدتي، فوالدي هو الأكبر بالعمر وفي عائلتي هناك مجموعة فنانين معروفين في لبنان الوطن العربي من بينهم رسامين وموسيقيين، وهذا الجو هو ما أسس الطريق الذي اتخذته، فلقد عشت هذه الأجواء منذ طفولتي وتشربت هذا الشئ، واعتبر ذلك درب تم رسمه لي قبل أن أختاره، فبحكم أن والدي فنان تشكيلي ومعروف فكان ذواق للموسيقى وكان يدلني على الطريق بالاستماع يوميا وحفظ أغنيات للسيدة أم كلثوم وأسمهان وكبار نجوم الزمن الجميل أو الذهبي، ووالدي هو من أسس شخصيتي الغنائية منذ البدايات.
لكن هذا الجو الذي نشأتِ فيه بالتأكيد وضع على عاتقك مسئولية كبيرة في الوصول لشخصية موسيقية تخصك وكذلك العمل بفكر المشروع الغنائي؟
هذا الجو الذي حادثتك عنه يدل على أن عائلتي وتربيتي ومنزلي أخذوا الفن بنظرة رفيعة، وكان لديه ثوابت يجعلني أستمع إليها من الأغاني الطربية والكلاسيكية رغم طفولتي، وفي الوقت الذي نشأت به لم يكن الفن وقتها طريق للكسب بل كان رسالة حيث كان الجو المحيط لديه نظره تحمل القيمة والجدية والاحترام، فرغم مُعارضة بعض العائلات دخول أبنائهم مجال الفن في هذا الوقت إلا أن والدي كانت لديه نظرة وتأسيس من البداية أن أسير على درب العظماء من نجمات ونجوم الطرب حيث فيروز وأم كلثوم وأسمهان وأسماء كبيرة لا أريد أن أنسى أحد وكانت هذه الأسماء مُحببة أن أكون على طريقهن .. "صعب علي المهمة بصراحة" .. ومن خلال ذلك أستطيع أن أختصر الموضوع أن بداياتي كانت تأثير البيئة والتربية التي نشأت بها ومن ثم أصبح الأمر خيار أنا اتخذته في طبيعة الموسيقى التي أهتم بها وأُقدمها للجمهور.
ما بين النشأة بعائلة فنية وتأسيسك على موسيقى الزمن الجميل واختلاف السوق الغنائي وكذلك ذوق الجمهور خصوصا فئة الشباب والمراهقين حيث الأغنيات السريعة والموسيقى الغير مُعتادة حاليا .. كيف تعاملتِ مع هذا التناقض الذي أحادثك عنه؟
دائما كنت أقول منذ سنوات أن الفن حتى أيام الحقبة التي نُسميها المرحلة الذهبية للفن منذ 1940 وحتى الألفية الجديدة كانت هناك فنون وأغنيات خفيفة وأشكال موسيقية مختلفة ومن الفنانين، لكن الفارق وقتها الكل كان يندرج تحت الفن الراقي وبقية الأعمال الغير مألوفة لم تكن عليها تسليط ضوء كما يحدث الآن، لكن تغيرت الظروف ودائما أقول أن الأمم أو البلدان التي تكون بمرحلة ازدهار اجتماعيا واقتصاديا يحدث فيها ازدهار في الفن لأن بالنسبة لي الفن رسالة ومرآة الشعوب، ومصر طوال عمرها كانت لديها الريادة في هذا المجال ولبنان وسوريا والعراق، لكن هذه البلدان مر عليها ظروف اجتماعية واقتصادية كلنا نعرفها وهذا له تأثير على الفن حيث الاهتمام الكافي وخصوصا أن الفن ليس فقط للترفيه رغم أنني لست ضد ذلك ولكن لا تكون الأغلبية للترفيه بل لرسالة، ما زلت مُصرة أن الجمهور تغير ولكن ليس لأنه لا يُحب الأغاني الحلوة أو الطربية بالعكس لأنها قليلة التقديم، وعلى سبيل المثال لابد أن ننظر للجيل الذهبي والظروف التي نشأت فيها هذه الأعمال التراثية الخالدة إلى الآن، فما تغير هو أن الأعمال العظيمة اختفت لأنها لم تجد الراعي أو المنتج الذي يهتم بها.
بذكر الأغاني الكلاسيكية والفترة الذهبية للفن فلقد قدمتِ مؤخرا حفل غنائي ناجح بعنوان "ليالي الأنس" في لبنان وشهد حضورا كبيرا لجيل المراهقين والشباب وهذا في حد ذاته تناقض كبير على فكرة تغير ذوق الجمهور، فهل تفاجأتِ من تلك الشرائح العمرية المُهتمة بحفلات التراث الغنائي؟
أعتبر نفسي متميزة بخانة الأغاني الكلاسيكية وليس فقط في إعادة غناء اغنيات أم كلثوم والنجوم العظماء ولكن بأغنياتي الجديدة وهذا كان الهدف منه وضع عنوان لشخصيتي الغنائية، لكن في حفل "ليالي الأنس" كانت الأغاني طربية وكلاسيكية لنجوم الفترة الذهبية، لم يكن مفاجئ الأمر بالنسبة لي بحضور الشباب والمراهقين لكن هذه الشريحة العمرية لديها اهتمام بالفعل مع هذه الأغنيات ولذلك حضروا حيث منهم من يُحب أغنيات وردة وآخرين أم كلثوم وفيروز وعبدالحليم وعبدالوهاب على سبيل المثال وهكذا شاهدت التفاعل مع كل أغنية في هذا الحفل.
هل تقصدين أن هذا الجيل يحتاج لإعادة توزيع الأغنيات القديمة أو كيف يُمكن استقطابهم للموسيقى الطربية الكلاسيكية من أجل الارتقاء بالذوق العام؟
ليس فقط في إعادة توزيع الأغنيات لكن أحيانا يتم تقديم الأعمال القديمة بشكل مُسئ أو استقطاع جزء من أغاني السيدة أم كلثوم أو غيرها من النجوم والنجمات ووضعها في أغنيات كمقاطع غير لائقة وتكون مُسيئة لهذا التراث، فلابد لوجود منتجين ورعاة واعيين للاهتمام بهذه النوعية من الأغنيات وتقديم أعمال على غرارها، فأنا لست ضد الاستعانة بالأغنيات القديمة أو غناء الكلاسيكيات لكن مع الطريقة الصحيحة التي يتم تقديم هذه الأعمال بها والحفاظ على رصانتها دون نشاز على المسرح أو بإضافة كلمات غير لائقة وأقول هذا الكلام خصوصا مع دعوة البعض لعدم الاقتراب من كلاسيكيات الغناء.
شاركتِ منذ أعوام بحفلة افتتاح "مهرجانات بعلبك الدولية" في وقت صعب نفسيا عليكِ وبظروف اقتصادية صعبة عاشتها لبنان، وقالت وسائل الإعلام حينها بأنكِ قاومتِ الاحباط بالموسيقى .. دعينا نتذكر هذه الظروف الصعبة وعلاقة الموسيقى بها خصوصا مع تأثرك بقضايا لبنان والوطن العربي؟
كانت فترة صعبة للغاية بالنسب لي وللبنان حيث فترة الكورونا وتوقف المهرجانات وانفجار بيروت، والعودة على مهرجانات بعلبك مع أوركسترا مؤلفة من حوالي 50 عازف، فكانت الرغبة وقتها أن نستعيد ليالي بعلبك العريقة حيث غنت في المهرجان أم كلثوم وفيروز وصباح وكل العظماء اللذين مروا من هنا، وكان من الصعب تقديم عمل بهذا الضخامة، لكن هذا التحدي الذي قمت به وقتها مازال مستمر الى الآن وأعيشه وجزء من ايماني بأن الفن لا يستعيد عافيته إلا إذا أوطاننا استعادت هذه العافية اجتماعيا واقتصاديا وبكل النواحي، وأنا أقول أنني لبنانية عربية وأفتخر بعروبتي ولبنانيتي وهذا الشئ بداخلي كإنسانة وينعكس على شخصيتي بالفن، وأنا أقول أنني بنت المدرسة المصرية مع العظماء مع الفن المصري العظيم، يوما ما كنا نحلم بالوحدة التي تجمعنا كوطن عربي واحد مع خصوصية كل وطن وشعبه وخصوصية كل شخص، فنجحن أمة يجمعها الكثير ويفرقها القليل، والفن بالنسبة لي به كل هذه المعاني التي أحادثك عنها .. مع الأسف حتى في الموسيقى نستمع لأصوات كثيرة وتعصب للفن حيث التفرقة بين اللهجات في الغناء، فأنا أعرف أن كل شئ له خصوصيته لكن هذا الكلام يحزنني كثيرا وأي شئ أشعر بأنه يحمل تقسيم أحزن بسببه، فالفن لكل البشر.
ماذا عن تقديم أغنيات باللهجة المصرية وهل تكتفين بالغناء الطربي لأم كلثوم والموسيقى القديمة بمصر فقط؟
غوصت كثيرا في بحور أغنيات أم كلثوم ونجاة ووردة وأسمهان وكل الأسماء الكبيرة، فالموضوع ليس محصور خاصة بهذا الجيل باسم واحد، فأنا تأثرت للغاية بأسمهان وهذا معروف وكنت دائما أقوله، لكن أم كلثوم كانت المدرسة في الغناء وليس فقط في ذلك بل في قيمة الفنان وكيف يمكن أن تصبح فنان عظيم، فمسيرتها العظيمة كانت بالنسبة لي هدف أتطلع له دائما وبشكل كبير، لكن لم أكتفي بذلك القدر وهناك الكثير من الأسماء الكبيرة التي أثرت الموسيقى العربية وغنيت كثيرا لأسماء معروفة وجزء من شخصيتي أن أُقدم هذه الاعمال بنكهة جديدة وبشخصيتي وطريقتي الغنائية وهذا الشئ يثري صوتي وروحي الفنية، وأنا عيني على الأعمال الجديدة وكانت لي تجربة باللهجة المصرية مع الاستاذ أمجد العطافي في أغنيات وللأسف لم ينتشروا كثيرا ولكنني أعتز بهذه الأعمال، ولدي تجربة مع الملحن الشاب محمد الصاوي وعلى أمل التعاون مع ملحنين شباب ومبدعين من مصر، ولكن نعود لنحكي عن فرصة انتاج التي كانت بمصر وللأسف لم تكن بالشكل الذي أطمح له.
وفي النهاية .. من هي الأصوات اللبنانية والمصرية المعاصرة اللذين تحبين الاستماع للموسيقى خاصتهم؟
ليس هناك اسم معين من بين الأصوات العربية في العموم، فهناك أسماء ليس مُنتشرة كثيرا ولكن لديهم امكانيات كبيرة، وأنا من الناس اللذين يستمعون للأصوات الكبيرة والقديمة، ولكن هناك أعمال واصوات تفرض نفسها ولا أريد أن أحصر الأمر في بعض الأسماء في الوقت الذي أنا معجبه فيه بمطربين كثيرين على الساحة العربية وبألوان غنائية مختلفة.