الرجال يتصدرون.. غياب النجمات عن شباك التذاكر أزمة أفكار أم إقصاء متعمدة؟!
في زمن وُصف بالجمال في كل تفاصيله وحتى بداية الألفينات من القرن الحالي، برزت أسماء لامعة لنجمات استطعن أن يقدمن لتاريخ السينما أفلاما حققت نجاحا جماهيريا كبيرا.
نجمات تصدرت أفيشات وشاشات السينما
قيامهن بالبطولة لم يكن أمرا نادرا أو مستبعدا حينها.. فصورهن وأسمائهن على الأفيشات طالما جذبت أعداد هائلة من محبي الشاشة الساحرة، الذين منحوا بفيض حبهم وتقديرهم ألقاب لهؤلاء الفنانات أبرزهن فاتن حمامة "سيدة الشاشة العربية"، وسعاد حسني، "سندريلا الشاشة"، ونبيلة عبيد، التي عُرفت بكونها نجمة مصر الأولى، ونادية الجندي، نجمة الجماهير.
شاهدن أفلاما لم يكتفي صناعها بمنح بطولتها لشخصيات نسائية، لكن تم إطلاق أسمائهن الحقيقية أيضًا على عناويها، على سبيل المثال وليس الحصر، الفنانة ليلى مراد التي قدمت أفلاما سميت كالآتي: "ليلى بنت الأغنياء" 1946، "ليلى بنت الفقراء" 1945، "ليلى في الظلام" 1944، "ليلى" 1942، "ليلى بنت الريف" 1941، "ليلى بنت مدارس" 1941، هذا بخلاف باقي أفلامها التي حملة صفة نسائية من بينها "بنت الأكابر" 1953، "سيدة القطار" 1952، "المجنونة" 1949.
تراجع سبب ذائقة الجمهور
لكن مع تقدم الزمن، تراجعت نسبة تقديم الفنانات لبطولات الأفلام السينمائية، مقابل هيمنة النجوم الرجال أكثر على شباك التذاكر، والسبب فسره الناقد الفني أندرو محسن، في تصريحاته لمجلة "هي"، حيث قال إنه يعتقد بأن جزء من الأمر يرجع إلى نجاح أعمال بعينها في السنوات الأخيرة، أو ربما لاختلاف ذائقة الجمهور الذي أصبح يميل ويركز على نوعيات محددة من الأعمال مثل أعمال الكوميديا والأكشن والإثارة.
فيما أكد الناقد الفني محمد عبد الرحمن، في تصريحاته لمجلة "هي"، أن النجاح في شباك التذاكر له علاقة بالمضمون، إذ أن أعمال الأكشن والكوميديا هي التي تمتلك نصيب الأسد من شعبية الجمهور، لافتا إلى أنه قلما نجد فنانات يقدمت هذه النوعيات لذا عادة ما يتجنب المنتجين المخاطرة بإيراداتهم في السينما من خلال اختيارهم لبطولات الرجال.
تصدر الدراما التلفزيونية بعيدا عن مُخاطرة السينما
في نفس السياق، قال "عبد الرحمن" إن الفرق كبير بين المخاطرة في السينما وبين نجمة يمكن أن يُقبل عليها الجمهور في التلفزيون، لذا ذكر الفترة التي حققت فيها أفلام النجمتين ياسمين عبد العزيز، ومي عز الدين، نجاحا ملموسا، حيث قال إنهما أتقنتا تقديم الكوميديا وهذا جعل من نجاحهما أمرا طبيعيا، إلا تراجع ذلك النجاح شيئا فشيئا كما شهدنا مؤخرا هو ما دفعهما للاتجاه للدراما التلفزيونية.
تركيز النجمات على تقديم الكثير من المشاركات ضمن الدراما التلفزيونية، يمكن أن نعتبره جانبا آمنا بالنسبة لهن أيضًا، حيث شهدت السنوات الأخيرة نجاح أعمالا كثيرة بفضل مناقشاتها لقضايا هامة تخص المرأة، لعل خير مثال على ذلك مسلسل "تحت الوصاية" للمخرج أحمد شاكر خضير، والمؤلف خالد دياب، والذي استعرضت الفنانة منى زكي، من خلال القيام ببطولته ضمن موسم رمضان 2023، جانبا سوداويا من قانون لأسرة الذي يحول بين المرأة والوصاية على أبنائها في بعض الحالات مما عرضها للعديد من المواقف الحرجة خلال الأحداث، وهو ما أثار ضجة وجدلا واسعا امتد صداه لأشهر طويلة بعد عرضه تلفزيونيا، والسبب في ذلك أنه لمس معاناة الكثير من نساء المجتمع المصري.
نفس الأمر هو ما تكرر مع مسلسل "خلي بالك من زيزي"، للمخرج كريم الشناوي، والكاتبة مريم نعوم، حيث جسدت الفنانة أمينة خليل من خلال القيام ببطولته عام 2021، دور الزوجة التي تمر بمواقف صعبة في حياتها نتيجة طباعها المنفرة وشخصيتها التي يجد البعض صعوبة في التعامل معها، ليتضح في النهاية أن تصرفاتها خارج إرادتها نتيجة إصابتها بمرض "اضطراب فرط الحركة"، ورغم أنه مرض معروف على المستوى الطبي، إلا أن هذا المسلسل وسع مدارك الجمهور بشأنه، وليس هذا فقط، بل ودفع الكثير من المشاهير وغيرهم للإفصاح عن معاناتهم من الإصابة به.
ذلك النجاح الذي شهدته الأعمال النسائية في الدراما، ربما دفع البعض للتساؤل عن سبب انصراف المنتجين عن الاستعانة بأبرز النجمات ليتصدرن شباك تذاكر السينما مثلما تصدرن شاشات التلفاز، وهذا ما أجاب عنه "محسن"، قائلا إن الأعمال الناجحة التي تم تقديمها تلفزيونيا من قِبل فنانات مثل نيللي كريم، منى زكي، منة شلبي، دنيا سمير غانم، وغيرهم، هي موضوعات نادرا ما يتم عرضها سينمائيا، لذا يلجأ أغلب المنتجون للمضمون والذي عادة ما يكون بعيدا عن النوعيات التي تقدمها النجمات في التلفزيون.
تحيز يطال نجمات هوليوود
في الجانب الآخر من العالم، إذا ما قارننا وضع النجمات العربيات بغيرهن في هوليوود، نجد أن الوضع لم يختلف كثيرا، حيث أوضحت مجلة "فرايتي" أن الإحصائية التي أدرجت في تقرير أعده مركز دراسات المرأة في السينما والتلفزيون بجامعة ولاية سان دييجو، بشأن أفضل 100 فيلم محلي، كشفت أن مشاركة النساء كأبطال شكلت نسبة 33% خلال عام 2022، لافتة إلى أن هذه النسبة هي أزيد بدرجتين مئويتين مقارنة بعام 2021، بالإضافة إلى أن نسبة النساء شكلت 37% من جميع الشخصيات الناطقة في عام 2022، وهي نسبة أعلى بثلاث درجات من عام 2021.
فيما لفت موقع " forbes" إلى أن نفس التقرير الصادر عن ذلك المركز، قد أفاد بأن النجاح الساحق لفيلم "باربي" ربما ساعد على تدعيم المشاركة النسائية في السينما، لكن على النقيض أشار إلى أنه عادة ما يتم تقليص مشاركة الشخصيات النسائية بمجرد وصلهن لسن الأربعين، وهذا ما علقت عليه الدكتور مارثا لوزين، المؤسسة والمديرة التنفيذية لمركز دراسة المرأة في السينما والتلفزيون، قائلة إن تحديد عمر الشخصيات النسائية يحد أيضًا من قدرتها على التقدم في السن بالعديد من المناصب، فيما قالت إن ما يعزي قلة ظهور النساء على الشاشة يعود لقلة الكاتبات والمخرجات، موضحة أن الأفلام التي كانت تحتوي على مخرجة أو كاتبة واحدة على الأقل أكثر عرضة لإبراز نسب أعلى من مشاركة النساء في أدوار بطولة وأخرى هامة.
السيناريو ليس السبب بل الجودة
من جانبه، كشف المخرج كريم العدل، الذي أخرج في صيف 2023 فيلم "العميل صفر" بطولة الفنان أكرم حسني، عن وجهة نظره في هذا الشأن، حيث قال إن السينما تعتمد طوال الوقت على السيناريو، لذا إما أن يكون السيناريو جيدا أم لا، وحينما يتم العثور على السيناريو المناسب يتم تنفيذ سواء كان خاص بالرجل أو المرأة.
أيد الناقد الفني أندرو محسن، رأي "العدل" حيث قال إن أغلب البطولات النسائية في السينما خلال السنوات الأخيرة لم تنجح باستثناء فيلم لياسمين عبد العزيز، لذا فإنه في اعتقادي أن السبب أزمة سيناريو، إذ لا يوجد اهتماما كافيا بكتابة الأدوار النسائية الخاصة بالبطولة، حتى في الأدوار الثانية حينما شاركت الفنانة منة شلبي، والتي تعد إحدى أبرز وأهم نجمات جيلها، في فيلم "الإنس والنمس" كان دورها هزيلا للغاية.
ويعد فيلم "مقسوم" للمخرجة كوثر يونس، والذي قام ببطولته كل من ليلى علوي، وشيرين رضا، وسماء إبراهيم، إحدى التجارب النسائية البارزة، التي تم طرحها بالسينمات بدايات هذا العام، إلا أنها كانت مخيبة للآمال ولم تحقق النجاح المنتظر، فوفقا لعناوين الأخبار فإنه كان قد خرج من المنافسة على شباك التذاكر بعد 3 أسابيع من عرضه، بعد أن حقق إيرادات بقيمة مليون و750 ألف جنيه.
أزمة جديدة تواجه المنتجين في الأعمال النسائية
تطرق الناقد الفني، لجانبا آخر يمكن أن يصنف على أن مشكلة تواجه النساء في مجال التمثيل، حيث قال إنه إذ قرر صانع العمل أن يبقى في الجانب الآمن باختيار سيناريو كوميدي وإسناد بطولته لفنانة بارزة يمكن أن يواجه صعوبة بالغة في العثور على ممثل يصلح للمثيل أمامها، مما يضطره ربما لأن يستعين بفنان أقل نجومية مما ينعكس بالتأكيد على جودة العمل.
وأكد "عبد الرحمن" أن قلة الإنتاجات السينمائية للنساء حاليا، ليس إقصاء لهن كما يعتقد البعض، وإنما الأمر يتعلق بالإيرادات وبمدى إقبال الجمهور، فإذا تم العثور على الفنانة التي ستجذب آلاف المشاهدين، فإن أعمالها ستتصدر الشاشة بالتأكيد.
الرجال يتصدرون
في مقابل ذلك نجد أن قاعات السينما تنتظر خلال أيام عيد الفطر المبارك طرح 3 أفلام جديدة، جميعها تشارك فيها المرأة كدور ثان بجانب البطل الرئيسي للعمل، مما يشير إلى أن أزمة البطولات النسائية في السينما ما زال أمامها وقت لحلها، والأفلام المنتظرة هي كالآتي: "فاصل من اللحظات اللذيذة"، بطولة هشام ماجد وهنا الزاهد ومحمد ثروت، وإخراج أحمد الجندي، وتأليف شريف نجيب، وفيلم "عالماشي" وهو بطولة علي ربيع، كريم عفيفي، صلاح عبد الله، آية سماحة محمد رضوان، وإخراج محمد حمدي الخبيري، وتأليف أحمد عبد الوهاب.
هذا بجانب فيلم "شقو"، الذي يعود من خلاله الفنان محمد ممدوح، لأدوار الأكشن والإثارة، ويشاركه البطولة كل من عمرو يوسف، يسرا، دينا الشربيني، أمينة خليل، عباس أبو الحسن، وغيرهم من ضيوف الشرف، هو من إخراج كريم السبكي، وتأليف وسام صبري.
مصدر الصور من حسابات النجوم على انستغرام.