فيلم "Migration".. حبكة عائلية جذابة وعودة لطيفة للدوبلاج المصري!
الحكايات التي تسرد قصص عائلية بسيطة وبعيدة عن التكلف تنجح غالبًا في جذب الجُمهور؛ وربما هذا هو سبب رئيس للاستقبال الحماسي لفيلم الأنيميشن "Migration" (هجرة) في مصر والوطن العربي، بعد توفر نُسخته على الإنترنت وبعض منصات البث الرقمي مثل منصة "آبل".
لدى جَمهور السوشيال ميديا وسائل مُختلفة للتعبير عن الإعجاب بالعمل؛ لا يكاد يمر يوم دون ظهور عدد من منشورات الكوميكس على مواقع التواصل الاجتماعي، تقتبس بعض لقطات الفيلم المرحة، وجمل الحُوَار المُدبلج باللهجة المصرية، وهذا أمر لم يحدث منذ زمن بعيد، ويذكرنا بالكوميكس الخالدة، المقتبسة من أفلام الأنيميشن؛ مثل "Monsters, Inc." (شركة المرعبين المحدودة) و "The Lion King" (الأسد الملك)، نسخة الرسوم المتحركة.
الهجرة من المُستنقع!
الفيلم إنتاج شركة "إليمونيشن للترفيه"، المُتخصصة في أفلام الأنيميشن، وهي تابعة لاستوديوهات "يونيفرسال"؛ ومن أشهر شخصياتها الكائنات الصفراء "Minions" "منيون"، التي ظهرت في سلسلة أفلام "أنا الحقير" "Despicable Me"، وأنتجت فيلم "الحياة السريّة للحيوانات الأليفة" "The Secret Life of Pets"، وعدد آخر من الأفلام التي تُنافس أعمال بيكسار وديزني الشهيرة.
خلف الحماس الجماهيري والإعجاب كثير من الأسباب؛ منها الرسوم المُعبرة والألوان الجذابة، والمضمون العائلي اللطيف لعائلة من البط ترغب في الانتقال من موقعها الآمن بجوار بركة مغمورة إلى مناطق بعيدة أجمل، وبالطبع تتطلب الرحلة كثير من المغامرة والتعرف على أشخاص آخرين، ومواجهة ضريبة المُغامرة، وصراع الخير والشر، وبالطبع تفاصيل عَلاقة أفراد عائلة البط الذي يشبه كثيرًا شخصيات أغلب العائلات العادية في أي مكان في العالم.
هناك كثير من حبكات الأفلام قدمت نفس التيمة بتنويعات مُختلفة؛ حتى أننا يُمكن أن نجد رابطًا بين فكرة فيلم (هجرة) وفيلم الدراما المصري (بيت الروبي) مثلًا؛ نفس حبكة العائلة المُنغلقة المُنعزلة، التي تذهب إلى المدينة؛ فتواجه المخاطر، وتواجه مخاوفها وأشباحها، وتُنضح التجربة شخصياتها، مع فارق المُعالجة بالطبع.
الفكرة تقليدية، والحبكة مُتوقعة؛ إننا نعرف من البداية أن البط سيخوض رحلة صعبة، وسيتغلب على الأزمات، وستهزم قيم الترابط العائلي والمحبة والتعاطف لديه كل صور الأنانية والشر السائدة في العالم خارج البركة، وسينتهي الفيلم بنهاية سعيدة؛ تؤكد أن الحياة الإيجابية هي مُغامرة، ومُواجهة الأخطار والمصاعب جزء أصيل من أي مغامرة.
تفاصيل عائلية!
يُقدم الفيلم قصة عائلة من البط تخوض مُغامرة الانتقال من مستنقع خامل إلى أماكن جديدة؛ أو بصورة أعمق، الانتقال من حياة الاستقرار المملة إلى أماكن أكثر حيوية، رحلة محفوفة بالمخاطر؛ على النقيض من المستنقع وشخصياته المُسالمة المعروفة، تتعرض العائلة خلال رحلتها إلى نوعيات جديدة من الطيور والبشر؛ بعضها ليس مُسالمًا، وسلوكه يميل إلى الشر، وبعض هذا الشر وسيلة للتعايش وَسْط صخب المدينة وتجاهلها.
شرير الفيلم هو شيف، حاد الملامح، غريب الأطوار، يُقدم في مطعمه أطباق البط، ولديه تعاقدات مع مزرعة تسمين وتربية البط، وعلى الرغم من أن الشيف والمُزارع شخصيات ستبدو عادية في أي فيلم تدور أحداثه بين البشر؛ إلا أن منظور عائلة البط وباقي الطيور في الفيلم يعرض الشخصيات بملامح شريرة للغاية؛ المُزارع المُخادع وزوجته شخصيات لطيفة في الظاهر، حيث يظن بط المزرعة أنهم يعيشون في نعيم أرضي برعاية زوج من البشر اللطيف، لا يدركون أن نهاية عالمهم اللطيف في مطبخ مطعم الشيف المهووس، الذي لا يتورع عن مُطاردة البط الهارب بمروحية ومُعدات مُعقدة.
عائلة البط مالارد تضم أبُ وأم مُتحابان على الرغْم من اختلافاتهما؛ الأم مُحبة للمغامرة ومُتفائلة، الأبُ يميل إلى الحذر والمُبالغة في حماية أفراد عائلته، وابن صغير يسعى إلى اكتشاف الحياة، والحصول على دور أهم في عائلته، وابنة صغيرة عاطفية، تعتقد أن العناق يحل كل المشاكل ويمحو الحزن والكآبة، وعم عجوز كسلان لديه مخاوف دائمة من الغُرباء؛ هذه العائلة النمطية تعيش حياة بلا مُغامرات، والأب ماك يحمي عائلته، ويجد المستنقع المكان الآمن للعيش، ويرفض أي أفكار للهجرة منها، أو الرحيل إلى أماكن أخرى.
السر في الدوبلاج!
استخدام اللهجة العامية المصرية في دوبلاج الأصوات ساهم في منح الفيلم حالة من المرح والحيوية؛ فالحوارات العائلية بين البط استخدمت كثير من المُصطلحات الشعبية والمرادفات اللغوية المُضحكة، والعامية المصرية تحتوي على الكثير من المرادفات الكوميدية الساخرة، وهي جزء من أدوات الأعمال الكوميدية المصرية؛ وتوظيف ذلك في صياغة حوار الفيلم منحه قدر كبير من الجاذبية؛ فمثلًا شخصية البطة الصغيرة البريئة جوين من أبرز شخصيات الفيلم المحبوبة، وحوارها بالعامية المصرية بث حالة من التلقائية والمرح الطفولي في الشخصية.
جودة الدوبلاج أضافت حيوية للشخصيات؛ ودفعت بالمغامرة التقليدية إلى آفاق أكثر أُلفة للمشاهد العربي، وصنعت حالة من المرح والكوميديا في المواقف المُتنوعة، وجعلت المواقف بين الشخصيات تبدو كما لو كانت حكاية تستلهم روح عائلة شرقية، وهذا نجاح للقصة وفريق الدوبلاج المصري.
الأجواء العامة والرسومات جيدة عمومًا؛ ينتقل المُشاهد بصريًا من أجواء المُستنقع الخاملة، إلى المدينة الصاخبة، ثم الغابة ذات المشاهد الطبيعية المُلونة، خلال الرحلة تبرز شخصيات الآخرين غامضة ومُثيرة للريبة؛ عصابات الحمام في المدينة، والطيور الأنيقة المُهاجرة، وأبو قردان في المُستنقع؛ كلها شخصيات مُختلفة في عيون عائلة البط، وتكتشف حقيقتها مع أول خطوة خارج عالم المُستنقع المُسالم.
رسائل الفيلم!
الحبكة ربما تبدو تقليدية وأحداثها مُتوقعة، وبساطتها جزء من أسباب جاذبيتها؛ فهي تعتمد على روح الدُعابة والحس الكوميدي في رسم الشخصيات وردود أفعالها مع المواقف المُختلفة؛ تناول الفيلم كثير من الأفكار المُتعلقة بالعائلة والترابط، والعلاقات بالغرباء، وجزء من حبكة الفيلم يتعمق في التناقضات بين أفراد العائلة الواحدة؛ فالأم تحملت تردد الأبُ ومخاوفه من ترك البركة.
الرحلة فرصة الأبُ لُيراجع أفكاره المُنغلقة والانطوائية، ويُخفف من قيوده التي يفرضها على عائلته؛ بغرض حمايتهم من العالم الخارجي؛ الابن يرغب في الانتقال من مرحلة الطفولة إلى عالم الناضجين، ويرفض قيود الأبُ، والبطة الصغيرة تُحاول مُجاراة عالم الكبار بمنطق طفولي ينجح غالبًا في إنهاء خلافات الناضجين.
على الرغْم من المواعظ التي تخرج من أفواه البط، إلا أننا أمام فيلم لطيف، رسائله بسيطة، ومصنوع بغرض التسلية والضحك، وقد نجح في مهمته البسيطة، وأضاف الدوبلاج المصري طبقات من المرح الخاص للجمهور العربي، الذي ينتظر نسخة قادمة من الأنيميشن، المُدبلج باللجة المصرية، مع فيلم (جارفيلد) Garfield، القط الكسلان، التي يؤدي صوته الممثل "أكرم حسني".
الصور من حسابات Illumination الشركة المنتجة على مواقع التواصل الاجتماعي.