الثنائيات الرجالية والكوميديا.. خاطر وكريم وهشام وشيكو على طريق إسماعيل ياسين والقصري ولوريل وهاردي
أتابع مسلسل (البيت بيتي) من كرسي الباحث عن التسلية والضحك، وكتابة الأعمال الضاحكة مهمة صعبة بلا شك؛ فخلال السنوات الماضية أصبح الاستظراف وثقل الظل والحبكات الرديئة هي مواد الكوميديا الأكثر رواجًا. لا يخلو (البيت بيتي) من بعض العثرات والتكرار ومط المشاهد لكنه ينجح في الوصول إلى هدفه في نهاية كل حلقة؛ يقف السيناريو والإخراج في طريق أي محاولات للاسترسال في استسهال ما يُقدم على الشاشة. أبرز عوامل نجاح المسلسل هو تركيبة الثنائية الرجالية في البطولة؛ هذه التركيبة التي قدمتها السينما عشرات المرات في أعمال "لوريل وهاردي" و"آبوت وكوستيلو" و"سمعة والقصري"، هي تركيبة ناجحة ولا تخيب لو توفرت لها العناصر الكيميائية الصحيحة.
بينو وكراكيري!
نجح مسلسل (البيت بيتي) في الموسم الأول في جذب قطاع كبير من المتفرجين وصنع قاعدة جماهيرية مهدت الطريق لتقديم جزء ثانِ؛ قدم العمل حبكة درامية تجمع بين الرعب والكوميديا وهو مزيج غير مألوف الدراما التليفزيونية السائدة. تنوعت الأحداث والشخصيات وكانت الكيمياء بين "كريم محمود عبد العزيز" و"مصطفى خاطر" هي قوة انطلاق المسلسل الأكبر؛ إذا رسم الشخصيات بملامح كاريكاتورية مثيرة للضحك، بشكل خاص في ردود فعل الخوف من الظواهر الغامضة التي تحيطهما في القصر الغامض الذي ورثاه.
في الجزء الثاني تراجعت الحبكة قليلًا وأصبحت ردود فعل الثنائي الكاريكاتوري؛ بينو "مصطفى خاطر" وكراكيري "كريم محمود عبد العزيز" هي الأبرز في على الشاشة؛ حتى إن الشخصيات الأخرى تراجعت دراميًا بصورة كبيرة، وأصبح ظهورها مُرتبطًا بظهور الشخصيات الرئيسية، ومن النادر جدًا أن نُتابع مشهد طويل في المسلسل دون وجود "بينو وكراكيري".
العَلاقة بين الشخصيتين قامت على تناقض الخلفية الثقافية؛ فشخصية بينو ثري مُدلل يتصف بعدم النُضج، اضطرته الظروف المادية المتعثرة للتعامل مع إرث غامض تحوم حوله الأشباح حرفيًا، وشخصية كراكيري من أصول شعبية ويجد نفسه دون قصد داخل مُغامرة الشاب المُدلل المذعور دائمًا.
هذا التناقض في الصفات والشكل يصنع التكامل بين الشخصيتين؛ الذكي والساذج، النحيل والبدين، الجريء والجبان، كل هذه الصفات المتنافرة تدعم العَلاقة بين الشخصيات وتصنع مفارقات درامية مرحة؛ أنت كمُشاهد تبحث عن زميل الممثل الآخر كلما ظهر على الشاشة؛ لتستمع بحواراتهما وردود أفعالهما الغير مُتوقعة.
كيمياء مُشتركة!
التناغم بين "خاطر وكريم" دعم السرد الدرامي ورسم الشخصيات؛ فنحن نتعرف إلى نُقَط قوة وضعف الشخصيات بواسطة تفاعلهما مع بعضهما البعض ومع الآخرين، وقد نجح ثنائي التأليف "أحمد عبد الوهاب" و"كريم سامي" في تقديم نسخة مُعاصرة من ثنائيات رجالية تواجه الأشباح؛ سبق وقدم "إسماعيل يس" و"عبد الفتاح القصري" نفس التركيبة في أفلام مثل (حرام عليك) 1954 و(في متحف الشمع) عام 1955.
عالميًا قدم الثنائي الأمريكي "آبوت وكوستيلو" نفس الثنائية في عدد من أفلام الرعب الكوميدي، انتشرت في الأربعينيات، وهي مرجعية الأفلام التي اعتمدت عليها الدراما المصرية في بعض أفلام "إسماعيل يس" وفي "البيت بيتي" أيضًا؛ من هذه الأفلام (امسك هذا الشبح) ""Hold That Ghost و(آبوت وكوستيلو يقابلان المومياء) "Abbott and Costello Meet the Mummy"وهو فيلم تدور أحداثه في القاهرة وفيلم (آبوت وكوستيلو يقابلان فرانكشتين) "Abbott and Costello Meet Frankenstein"، إنتاج 1948 وهذا الفيلم هو النسخة التي تمصيرها في فيلم (حرام عليك) بصورة شبه حرفية.
نجاح (البيت بيتي) تتويج لنجاح أعمال ثنائيات رجالية أخرى؛ مسلسل (اللعبة) بأجزاءه، بطولة الثنائي "شيكو وهشام ماجد"، مسلسل (خالد نور وولده نور خالد) بطولة الثنائي "شيكو وكريم محمود عبد العزيز"، وغيرها من الأعمال التي اعتمدت على الكيمياء المشتركة بين الثنائيات الرجالية، وعلى فكرة درامية مُختلفة عن النمط السائد.
تهميش البطولة النسائية!
في عالم الثنائيات الرجالية يتراجع الظهور النسائي؛ فرغم وجود "ميرنا جميل" كبطلة نسائية لمسلسل (البيت بيتي) إلا أن حضورها ثانوي تقريبًا، ودورها لا يخرج عن إطار الزوجة المزعجة، وهذا لا يختلف كثيرًا عن الأدوار النسائية في الأعمال التي تقوم على بطولة رجالية في الأساس؛ فحضور "شيكو" و"هشام ماجد" في المسلسل الكوميدي (خالد نور وولده نور خالد) طغى على حضور بطلات المسلسل "آية سماحة" و"دنيا ماهر"، نفس الأمر نراه في (اللعبة) الذي يطغى فيه حضور "شيكو وهشام ماجد" على حضور أدوار "ميرنا جميل" و"مي كساب" رغم اجتهادهما الملحوظ، ولكنهما لا يستطيعان تغيير حقيقة أن هذا النوع من الأعمال الدرامية لا تمنح مساحة كبيرة للأدوار النسائية، وتقف هذا الأدوار عند حدود دعم الخيوط الدرامية للثنائي الرجالي.
البطولات النسائية لم تنجح في ترسيخ فكرة ثنائي نسائي كوميدي، هناك بلا شك تجارِب قليلة ناجحة؛ منها ثنائية "سهير البابلي واسعاد يونس" الناجحة في مسلسل وفيلم (بكيزة وزغلول)، و"دنيا وإيمي سمير غانم" في مسلسل (نيللي وشيريهان)، هناك محاولات أخرى عدّة لم تُحقق نجاح كبير؛ مؤخرًا قدمتا "يسرا ونيللي كريم" ثنائية كوميدية في مسلسل (روز وليلى)، والعمل عن مُحققة خاصة تُساعدها ثرية مُدللة تُعاني ظروف مادية مُتعثرة، كما جمع مسلسل (رانيا وسكينة) بين "مى عمر" و"روبي" في مغامرة ثنائية تعتمد على التناقض بين الفتاة الثرية المُدللة والفتاة الشعبية المسترجلة.
تحتاج البطولات النسائية إلى اقتناع المُمثلات بفكرة التعاون، ووجود كيمياء حقيقية بين الشخصيتين، والأهم بالطبع كتابة أعمال مُختلفة وجذابة ومُلائمة للثنائيات النسائية.
الصور من حسابات أبطال المسلسلات على انستجرام.