فيلم "The Fall Guy"... المجازفون والأكشن وتحطيم الحبكة الدرامية!
شاهدت فيديوهات الحيل الدعائية لفيلم "The Fall Guy" (كبش الفداء) وكانت طريفة فعلًا؛ في حفلات الافتتاح يقف أبطال الفيلم بصحبة المجازفين أمام الجُمهور والصحافة، وفجأة يطير المجازفون في الهواء ويُحطمون الجدار الصناعي الخلفي، ويقف بطل الفيلم "ريان جوزلينج" مُتباهيًا؛ فقد جسد في الفيلم شخصية المُجازف كولت سيفر، وهي شخصية خيالية ترمز لألاف من المجازفين الذين يعملون في هوليوود دون أن يعرفهم أحد؛ يؤدون كل الحيل الخطرة نيابة عن نجم الفيلم، هناك أربعة بُدلاء نفذوا المشاهد الخطرة نيابة عن "ريان جوزلينج"، وصفق الجُمهور في النهاية للنجم المشهور.
الدوبلير الطيب!
أفلام قليلة للغاية وضعت شخصية المُجازف بطلًا أمام الكاميرا ليحكي حكايته بنفسه، وفيلم The Fall Guy ليس أولها، وقدمت السينما المصرية مثلًا فيلم (إبن الحتة) عام 1968، وهو عمل يحتفي بشهامة ورجولة شخصية عاشور مؤدي الحركات الصعبة؛ بديل نجم السينما "فريد شوقي" الذي جسد شخصيته الحقيقية وشخصية بديله في مشاهد الأكشن. الفيلم يُصور "فريد شوقي" الحقيقي سكيرًا يتصرف برعونة ونزق، حتى أنه يموت نتيجة قيادته تحت تأثير شرب الخمر، ويُحاول المخرج "محمود المليجي" إنقاذ الفيلم وتكملة الفيلم سرًا بالتعاون مع الدوبلير الطيب، ابن البلد الشهم الذي يوافق على تزييف وفاته ويعيش على أنه نجم أفلام الأكشن المعروف "فريد شوقي".
المُدهش أن حبكة الفيلم المصري السطحية للغاية تتلاقى بعض الشيء مع حبكة "The Fall Guy" في بعض النِقَاط السطحية أيضًا؛ إذ يقوم المجازف كولت سيفر "جوزلينج" بأداء دور بطل الفيلم الحقيقي بعد اختفائه المُفاجىء؛ في محاولة لإنقاذ إنتاج فيلم خيالي ملحمي، ويظهر المُجازف طيب القلب وشهم على عكس نجم الفيلم المغرور الذي تورط في جريمة.
عدد قليل للغاية من المُجازفين نجح في الوصول إلى مرتبة البطولة والنجومية دون مشكلات "فريد شوقي" و"ريان جوزلينج"؛ منهم مثلًا "جاكي شان" الذي بدأ مسيرته السينمائية في أفلام الحركة كبديل لبعض نجوم الأكشن في الصين واليابان.
أكشن خلف الكاميرا!
الإفراط الدرامي في رسم شخصية المُجازف بصفات النبل والشهامة في فيلم "The Fall Guy" وضعه في مرتبة تقترب من السوبر هيرو الطيب، ونزع عن الشخصية أية أبعاد أخرى؛ فهو يحترق أمام الكاميرا ويقفز من السيارات المُسرعة ويتعرض للصدمات، وحوله فريق إعداد مشاهد المُجازفات لحمايته من الإصابات. بعيدًا عن الكاميرا، يؤدي مُخاطرات لا تقل صعوبة خلال مُواجهات غير مُتكافئة مع عصابة مُسلحة لا تتورع عن القتل. الفيلم يكسر الحاجز بين مشاهد المُجازفات المصنوعة بتقنيات السينما الحديثة ومهارات المجازفين وبين الواقع الذي يتعرض له رجل المُجازفات الذي يواجه مواقف عُنف عشوائية بعيدًا عن إمكانات استوديوهات التصوير والفرق الفنية المُتخصصة.
يؤدي المجازف المشاهد الخطرة بعد تجهيزات دقيقة وصارمة لضمان سلامته، ومهارات رجل المُجازفات أمام الكاميرا لا تعني بالضرورة أنه مُقاتل قادر على مواجهة العنف الحقيقي في الواقع، في السينما يُعاد المشهد عشرات المرات بغية الوصول إلى أفضل لقطة ممكنة، ولكن عُنف الواقع لحظي ولا فرصة للإعادة والتجويد، ومن أجل الإثارة يكسر فيلم "The Fall Guy" هذه القاعدة؛ فنرى البطل المُجازف يطارد عصابة لا تتورع عن القتل وإطلاق الرّصاص ومُطاردات السيارات بتهور في الشوارع المُزدحمة.
مشاهد الأكشن في الفيلم مُسلية ومُبهرة بصريًا على شاشة السينما، وهي مُصممة بشكل مُتقن وبراق ورغم ذلك ينقصها الترابط والحبكة القوية؛ فالفيلم استخدم المؤثرات البصرية ومشاهد الأكشن بإفراط في المشاهد الواقعة؛ فإذا كان مقبولًا بعض المُبالغة في مشاهد شخصية "ريان جوزلينج" كبديل المشاهد الخطرة أمام الكاميرا فالأمر يختلف في حياة رجل المُجازفات اليومية العادية؛ سيحتاج إلى كثير من التخطيط والتجهيز لمواجهات قائمة على الارتجال والعشوائية ومن غير المنطقي أن يظل محظوظًا في هذه المواجهات كأنها مصنوعة أمام الكاميرات وبمعاون عشرات المساعدين.
على المستوى الدرامي لم تتطور حبكة مؤامرة توريط البطل في جريمة قتل، ولم تكن جذابة في حد ذاتها؛ هي مجرد حكاية هامشية تُبرر لتصوير كثير من مشاهد الأكشن.
إيميلي وجوزلينج!
منح السيناريو الفيلم خيط رومانسي لطيف عن عَلاقة مديرة التصوير جودي "إيميلي بلانت" والمُجازف كولت؛ هذه العَلاقة تتعرض لضرر شديد بعد انسحاب المُجازف من عالم السينما إثر إصابته، طوال زمن الفيلم يحاول السيناريو علاج الجرح الذي تسبب فيه البطل للبطلة، وتُحاول هي التعافي من هذا الجرح والاهتمام بأول أعمالها كمخرجة، وهذا الخيط الدرامي الناعم يفقد دفئه ورومانسيته بعد سيطرة حبكة المؤامرة ومشاهد الأكشن الاستعراضية التي تحتل أغلب مساحة الفيلم.
الكاريزما بين "إيميلي بلانت" و"ريان جوزلينج" العامل الأكثر جاذبية في الفيلم، دون وجود الإثنين سيفقد الفيلم الكثير من متعة المشاهدة، خاصة أن حبكة الفيلم والأحداث مُتوقعة، ولا تحتوي على عناصر مفاجئة، وكثير من شخصيات الفيلم الثانوية هشة ولم تتطور، وبشكل خاصة خيوط شخصيات توم رايدر "آرون تايلور جونسون" وجيل المنتجة "هانا وادينجهام".
احتوى الفيلم على كثير من الاحتفاء بمشاهد أكشن أيقونية من أفلام سابقة شهيرة، بالإضافة إلى ظهور خاص لبعض نجوم مسلسلات وأفلام الأكشن من حقب السبعينيات والثمانينيات، ورغم ثراء العناصر المختلفة في التمثيل والحركة والتصوير والموسيقى لم يصل الفيلم إلى تركيبة قوية، وخرج العمل مُشتت دراميًا ومشوش إخراجيًا.
قدم "ريان جوزلينج" عام 2011 شخصية البديل سابقًا في فيلم بعنوان "Drive" وهو مأخوذ عن رواية بنفس الإسم للكاتب "جيمس ساليس"، والفيلم عن مُجازف يعمل سائقًا لمصلحة شخص ويتورط في عملية سرقة تجعله مُطاردًا من أفراد عصابة للجريمة المُنظمة، واعتمد الفيلم على كثير من مشاهد الأكشن ومُطاردات السيارات ولم يُغفل على الرغْم من ذلك تماسك الحبكة.
قد يُساهم فيلم ""The Fall Guy في حملة منح المجازفين فئة في جوائز الأوسكار؛ فهو اقرب لعمل دعائي ثري بصريًا عن مهارات المجازفين مع قليل جدًا من الدراما والرومانسية.
الصور من صفحات الفيلم على انستجرام ولقطات التريلر.