في عيد ميلاده الـ68 توم هانكس يعود إلى سن المُراهَقة!
في بداية الشهر الجاري صدر الفيلم السويسري (كاتب السيناريو الأخير) "The Last Screenwriter"، قصة الفيلم عن كاتب سيناريو يشعر أن موهبته تخبو ومعاناته مع قفلة الكاتب تتزايد؛ فيبدأ في كتابة سيناريو فيلمه الجديد بمُساعدة برنامَج شات جي بي تي "ChatGPT"، تكيف البرنامَج الآلي مع مهارات الكاتب وأساليبه ثم صقلها وأنتج سيناريو مُبهر للغاية، تحول دور شات جي بي تي من مُجرد مُساعد ذكي إلى مؤلف أصيل أكثر براعة من الكاتب البشري. يضيف البرنامَج للحبكة ويقترح خيوط تتناقض مع أفكار الكاتب واقتراحاته والنتيجة النهائية بديعة وجذابة للغاية. كتب شات جي بي تي سيناريو الفيلم بالكامل وبعد تنفيذه وعرضه حقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر.
سيناريو شات جي بي تي!
واجه فيلم (كاتب السيناريو الأخير) هجومًا شديدًا من الجُمهور ورواد السوشيال ميديا في الواقع الحقيقي؛ والسبب أن سيناريو الفيلم من تأليف برنامَج شات جي بي تي فعلًا؛ الحبكة والشخصيات والحوار وتقطيع المشاهد من تأليف الذكاء الصناعي، لم يتدخل صُناع الفيلم في كتابة السيناريو والحوار باستثناء تقصير بعض المشاهد ولمسات بسيطة أخرى.
رفض قطاع كبير من الجُمهور استبدال عقل الكاتب البشري بذكاء آلة تفتقر الشعور واللمسات الإنسانية، وتأثر بالهجوم قطاعات سينمائية كثيرة؛ فرفضت شركات توزيع الأفلام عرضه، وأُلغيت عروضه المُقررة سلفًا في بعض المهرجانات السينمائية، واضطر مخرج ومنتج الفيلم "بيتر لويزي" إلى عرض نسخة الفيلم كاملة على اليوتيوب بالإضافة إلى الموقع الخاص بالفيلم الذي احتوى على نسخة السيناريو كاملة وملفات تضم تفاصيل إعداد الفيلم وخُطوات تنفيذه لمن يرغب في الاستفادة من التجربة.
تخشى السينما أن يكتب الذكاء الصناعي الأفلام والمسلسلات مُستقبلًا وأن يحل التزييف العميق محل الممثل الحقيقي؛ البعض يرى المستقبل مُربكًا كما في حلقة ""Joan Is Awful (جوان البغيضة) من مسلسل "Black Mirror" (مرآة سوداء)؛ إذ باعت الممثلة "سلمى حايك" - التي جسدت شخصيتها الحقيقية - حقوق استخدام شخصيتها في أفلام ومسلسلات مصنوعة بتقنية التزييف العميق والذكاء الصناعي، صُدمت لاحقًا بمشاهد بغيضة ترفض أن تُنسب إليها حتى لو كانت من أداء الذكاء الصناعي.
كعكة هانكس!
رفض كثير من النجوم استخدام أصواتهم وصورهم في برامج الذكاء الصناعي دون إذن منهم، تتيح بعض مواقع إنتاج الأصوات من نصوص مكتوبة استخدام أصوات "سكارليت جوهانسون" و"مورجان فريمان" و"توم هانكس" وغيرهم كأصوات تتلو عروض ترويجية في فيديوهات دعائية أو تنطق بأي كلام فارغ في فيديوهات ساخرة.
حذر الممثل "توم هانكس" مُعجبيه من اعلانات احتيالية تستخدم نسخة مزيفة منه، لكنه سمح لصديقه المخرج "روبرت زيميكيس" بتزييف هيئته وملامحه في فيلمهما الجديد. وقف هانكس للمرة الخامسة أمام كاميرا المخرج "روبرت زيميكس"؛ المرة الأولى في عام 1994 في فيلم (فورست جامب) "Forrest Gump"، وقتها بلغ عمر هانكس 38 عامًا وكان مُلائمًا لأداء دور الشاب محدود الذكاء "فورست جامب"، قصة الفيلم تستعرض عقود من حياته بداية من حِقْبَة الخمسينيات حتى بداية حِقْبَة الثمانينيات، خلال مراحل حياة جامب أدّى الماكياج دورًا كبيرًا في تصوير المراحل العمرية للشخصية، من مرحلة الشباب حتى مرحلة مُنتصف العمر.
ثلاثون عامًا مرت على عرض (فورست جامب)، بلغ عُمر "توم هانكس" 68 عامًا في التاسع من الشهر الجاري، احتفل بذكرى ميلاده مُتأملًا واقع اقترابه من العقد الثامن من عمره، انتهى من تصوير شخصية ريتشارد يونج في أحدث أفلامه (هنا) "Here" وصدر تريلر الفيلم وظهر في كثير من مشاهده صغير السن؛ تستعرض قصة الفيلم حياة ريتشارد "توم هانكس" من مرحلة المراهقة والشباب حتى مرحلة الكهولة. تساءلت بعد مُشاهدة الإعلان اللطيف: "لماذا لم يختر المخرج روبرت زيميكس نجم شاب لأداء أدوار البطولة؟".
إكسير الشباب!
صنع "روبرت زيميكيس" مسيرته السينمائية بواسطة أفكاره السينمائية الخيالية الجامحة وبراعته في ابتكار المؤثرات البصرية التي تُقدم للمُتفرج تجرِبة بصرية ساحرة؛ تنقل بين المستقبل والماضي في سلسلة أفلام (العودة إلى المستقبل) "Back to the Future"، وجمع بين شخصيات الرسوم المُتحركة والواقع في فيلم (من ورط الأرنب روجرز؟) "Who Framed Roger Rabbit"، وقدم العديد من الأعمال الجذابة للجمهور في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات ولا زال في جَعبة المخرج الذي تجاوز عمره السبعين أفكار وخيال شاب.
التزييف العميق والذكاء الصناعي تقنيات حديثة تتطور بسرعة يصعب ملاحقتها، هذا النوع من الألعاب الحديثة جذب "روبرت زيميكس" وهو يصنع فيلمه (هنا) بطولة "توم هانكس" و"روبن رايت"؛ بإمكانه إعادة أبطاله إلى سن الشباب دون حاجة إلى مساحيق وساعات من التحضير، لقد فعلها قبل خمس سنوات صديقه المخرج "مارتن سكورسيزي" في فيلمه الملحمي (الرجل الأيرلندي) "The Irishman"، قدم "روبرت دي نيرو" و"آل باتشينو" و"جو بيشي" وغيرهم شبابًا في مشاهد فلاش باك بواسطة تقنية التزييف العميق.
جسدت السينما أمنية الشباب الدائم في العديد من الأفلام، من أبرزها فيلم (الموت حليفها) "Death Becomes Her"؛ حيث تتناول "جولدي هون" و"ميريل ستريب" عقّار الشباب الدائم، الشرط الوحيد للحفاظ على أثر العقّار هو الحفاظ على جسديهما من أي إصابة أو تلف، وبدلًا من ذلك تدخلان في حرب انتقام عبثية دموية دون أن تموت أي منهما، فقط يتشوه جسد كل منهما ويُجبر "بروس ويليس" طبيب التجميل الفاشل الذي يعمل في تجميل الجثث من أجل مراسم الوداع على إصلاح أعطاب جسد زوجته وصديقتها.
نجوم رقمية!
التزييف العميق أصبح تجسيدًا خياليًا لإكسير الشباب الذي تناولته الحواديت القديمة، تصويرًا بالصور المُتحركة على الشاشة لأمنية البشر في العيش الأبدي بصحة جيدة وجسد رياضي وملامح بلا تجاعيد، قد يُعاني نجوم التمثيل من عبث هذه التقنية بطيفهم على الشاشة، ووضعهم في مواقف تمثيلية مُزيفة لا تلائم أخلاقهم وأفكارهم.
الواقع يقول أن التزييف العميق سيصبح موضة السينما القادمة وقد يتجاوز مُحاكاة صورة النجوم البشر ويبدأ في ابتكار نجوم جُدد بالذكاء الصناعي؛ تنبأت هوليوود بهذا المصير في فيلم S1m0ne"" إنتاج 2002، وفيه حكاية المخرج فيكتور تارانسكي "آل باتشينو" الذي يُحاول إنقاذ مسيرته بإسناد بطولة فيلمه الجديد إلى بطلة مصنوعة بالكمبيوتر أطلق عليها اسم سيمون بعد رفض نجمة شهيرة بطولة الفيلم وتخوف المنتجين من فشل الفيلم، لا يعرف أحد أن نجمة الفيلم خيال رقمي، يسطع نجمها أكثر من المُخرج، ويغار هو من شهرتها ويُتلف البرنامَج الذي يصنع فيديوهات لها؛ وفي مُفارقة يتبادل الخيال والواقع المقاعد، وتشك الشرطة أنه خلف اختفاء سيمون الغامض وأنه ربما قتلها!
صور فيلم Here من الموقع الرسمي للفيلم