مسلسل Presumed Innocent... البحث عن البراءة ودراما مُحاكمات أضعفتها بعض التويستات الدرامية!
تُحقق الأعمال البوليسية ودراما المُحاكمات كثير من المُتعة للمُتفرج؛ فهي تضع أمامه ألغاز غامضة وحقائق مُتناثرة تحتاج إلى من يربط بينها ويصل إلى حقيقة دوافع الجريمة ومن فعلها، يستغل هذا النوع من الأعمال الفضول البشري وحُب الجُمهور لحل الألغاز ومباراة التوقعات ومُتابعة تفاصيل الإجراءات الجنائية والتحقيقات الشُرطية وكشف الفضائح. ينتمي المسلسل القصير Presumed Innocent (البريء المُفترض)، الذي بدأت منصة "آبل" بثه مؤخرًا إلى هذه النوعية الجذابة من الدراما البوليسية وهي لا تكتفي بالألغاز المُشوقة والأحداث الغامضة والأحداث المُسلية، بل تضع كل ذلك إطارًا لحكاية درامية ترسم لوحة مُلونة للنفوس البشرية والعلاقات الإنسانية المتشابكة شديدة التعقيد.
البريء المُفترض!
كتب "سكوت تورو" روايته الأولى Presumed Innocent (البريء المُفترض) عام 1987، بعد ترك منصبه كمُساعد للمُدعي العام في شيكاغو وأطلق على بطل روايته اسم رستي سابيج وهو مُدعي عام مُتهم بقتل زميلته في العمل. بعد ثلاث سنوات من ظهور الرواية اقتبستها هوليوود في فيلم شهير حمل نفس الاسم، إنتاج شركة باراماونت واخراج "آلان جيه. باكولا" وجسد "هاريسون فورد" شخصية رستي سابيج؛ المدعي العام البارع ورب العائلة المحبوب. بعد 34 عامًا من عرض الفيلم شاركت باراماونت في انتاج مسلسل قصير مُقتبس عن الرواية، بطولة "جاك جلينهال" وعُرض العمل مؤخرًا على منصة "آبل".
المسلسل سار على نهج مُتلاعب في رسم شخصية البطل؛ فهو شخص مُتهم بجريمة قتل زميلته التي ربطته بها عَلاقة غرامية سابقًا، وانتهت بعد اعترافه لزوجته بكل شيء، وقبل تكليفه بملف قضية قتلها على الرغْم علمه أن هناك تضارب مصالح يمنعه من ذلك. لا يوجد دليل حاسم يُدينه ورغم ذلك موقفه القانوني سيء للغاية؛ بسبب كثرة المُلابسات التي تجعل منه مُشتبهًا به مثاليًا.
تلعب الحبكة مع المُتفرج ألعاب الغموض والتشويق؛ البطل يواجه مُنافسيه وكارهيه في مُحاكمة تُحركها الحساسية والغيرة الفاضحة من فريق الادعاء المُنافس. هذه المشاعر الدرامية تدفع المُتلقي إلى التعاطف مع البطل مُنذ البداية، في الوقت ذاته رستي ليس شخصًا تام النقاء، هو يُجيد الكذب والتلاعب وكلها أمور مُربكة وتكشف تدريجيًا تناقضه.
شخصيات في مأزق!
تحتاج الأعمال التي تنتمي إلى نوعية (دراما المُحاكمات) إلى نوعية خاصة من المُمثلين؛ إذ أقل خلل في التعبير قد يُفسد المشهد ويؤثر على العمل بِرُمَّته. أجاد "جاك جلينهال" تجسيد شخصية رستي سابيتش في نسختها المُعاصرة، إذ قدم بورتريه تتنافس فيه أضواء الرجل الصالح مع ظلال قاتمة تكشف أبعاد أخرى قبيحة لشخصيته، هناك لحظات مُفعمة بالعواطف الصادقة بينه وبين أبنائه، ولحظات أخرى مليئة بالمُراوغة والأكاذيب بينه وبين زوجته ومحاميه، امرأة عليها دعم زوج خائن في مُحاكمة قد تنتهي بسجنه مدى الحياة وذلك من أجل الحفاظ على ما تبقى من روابط عائلتها.
عَلاقة البطل بابنيه خلقت بعدًا شخصيًا آخر لشخصيته؛ ارتباط ابنه المُراهق وابنته الشابة به وتعاطفهما على الرغْم من مرارة خيانته للأم تعبير عن قوة تعلقهما به، وهما جزء من تركيبة حبكة المسلسل وإضافة من السيناريو لا توجد في الرواية أو فيلم "باكولا".
الأداء التمثيلي من عناصر قوة المسلسل، إذا أضفنا إلى "جلينهال" الممثلين "بيتر سارسجارد" في دور المُدعي العام الحقود تومي مولتو، و"روث نيجا" في دور زوجة سابيتش التي تواجه عاصفة مُحاكمة زوجها بتُهمة القتل وتتحمل ألم معرفة تفاصيل خيانته لها مع الضحية خلال المُحاكمة.
أجادت شخصيات أخرى في أدوار مُساعدة؛ منها محامي البطل ورئيسه السابق ريموند هورجان "بيل كامب"؛ هو رجل قانون نزيه يدافع عن صديقه وهو يعي تعقيدات شخصية رستي وسوء موقفه الدفاعي، وأيضًا القاضية ليتل "نوما دومزويني"؛ شخصية قوية تسعى إلى إدارة مُحاكمة بعيدة عن معارك تصفية الحسابات بين المُتهم ومحاميه وفريق الادعاء، وهي تعي الحساسيات المِهنية والسياسية بين الفريقين.
البحث عن المفاجآت!
المساحة الزمنية للمسلسل سمحت برسم تفاصيل الشخصيات الأساسية بشكل جيد، باستثناء شخصية تومي مولتو الذي لم يُوفق السيناريو في توضيح تفاصيل أكثر عن تركيبة شخصيته المُعقدة؛ هو زميل رستي سابيج ومنافسه سابقًا والآن هو المُدعي العام المُكلف بمُحاكمته وإرساله السجن. خلفية الشخصيات التي بناها السيناريو ساهمت في خلق كثير من التفاصيل الدرامية والتشابكات؛ مما أدى إلى تعقيد الجريمة وزاد من عدد المُشتبه بهم وهو أمر زاد صعوبة مُهمة تومي مولتو.
اعتمد السيناريو على مُفاجأة المتفرج بتويست درامي في نهاية كل حلقة وهذا عامل جذب مُسلي لمُحب هذا النوع من الأعمال، وقد أجل كثيرًا جلسات المُحاكمة حتى الحَلْقات الأخيرة، وقد وقع السيناريو في فخ تقديم العديد من التويستات حتى أخر دقيقة، وربما أسوأ هذه التويستات هو الكشف عن المُتهم في نهاية الحَلْقات، وقد خالف السيناريو النص الروائي من أجل تقديم تويست مُبهر وغير مُتوقع، وجاء ذلك على حساب كثير من التفاصيل الدرامية والنفسية للشخصية المُلائمة أكثر لارتكاب الجريمة.
من الشخصيات التي سعى السيناريو إلى إعادة صياغتها بصورة تختلف عن الرواية شخصية الضحية، محامية الادعاء الشابة الطموحة كارولين بوليموس "ريناتي رينسف" التي بدت في المسلسل أقل شرًا وفجاجه، وأيضًا محامي البطل "بيل كامب"؛ لم تبد شخصيته قوية في المحكمة، وتعرض خطه الدرامي إلى التهوين وهو أحد ضحايا كثرة التويستات الدرامية.
الصور من حساب منصة "آبل" على موقع "X".