نَدَبَة أسفل ذقن آلان ديلون.. الوجه الآخر لأيقونة السينما الفرنسية
الوسامة هي الوسيلة الأسرع للوقوف أمام كاميرات السينما؛ تعشق الشاشة الوجوه الجميلة الجذابة ونجم السينما الفرنسية الراحل "آلان ديلون" واحد من هؤلاء الذين دخلوا عالم الشهرة والفن من بوابة الوسامة، وربما ساعدته أيضًا في تجاوز محطات بائسة في حياته. لم يكن التمثيل حلمه واستمر به من أجل إبهار الجميلات؛ جاء هذا الاعتراف في صفحات مُذكراته التي حملت عنوان (آلان ديلون، قصص حبّ وذكريات) ونشرها قبل خمس سنوات وعمره 84 عامًا. سعى في بداياته السينمائية إلى تكريس صورة النجم الأفضل والأجمل والأقوى.
الفتى الشقي في الأسطول!
نعرف "آلان ديلون" الممثل الوسيم صاحب الملامح الهادئة المائلة إلى البرود والاعتزاز الشديد بالنفس، وهي صورة صاغتها السينما ولا تُعبر عن حقيقة الشاب الشقي صاحب الحياة الصاخبة لا تخلو من فقر وحزن وسلوك إجرامي؛ مزقت طفولته البائسة سلامه النفسي، لم يتقبل صدمة انفصال والديه وإرساله للعيش مع عائلة بديلة، وأصبح فتى عدواني مُثير للمشاكل في مرحلة الدراسة؛ فتم طرده من ست مدارس التحق بها، وتخلى عن الدراسة نهائيًا في عمر 14 عامًا، وفي مرحلة الشباب أصبح شخص مُتقلب المِزَاج سريع الغضب يتشاجر طوال الوقت.
وسامته وملامح وجهه البريء كانت نعمة ونقمة؛ إذ ظنه الأشقياء مجرد شاب ناعم يُمكن تحطيمه بسهولة وسبب له هذا العديد من المشاكل ودفعه لمصاحبة بعض الأشقياء من العصابات، ورغم ذلك لم يُمانع أن يظهر وسيمًا ناعمًا أمام النساء؛ إذ ساعده ذلك على تجاوز بعض أيام الفقر والفلس في بداية مرحلة الشباب، لم يُمانع أن تُنفق عليه حبيباته وبعض البغايا المفتونات به.
التحاقه بالخدمة العسكرية في سن 17 عامًا لم يُغير سلوكياته كثيرًا؛ فاتهم بسرقة مُعدات عسكرية وسرقة وإتلاف سيارة جيب وحُكم عليه بالسجن قُرابة 11 شهرًا في أثناء اشتراكه في الحرب في شبه جزيرة الهند الصينية، بالإضافة إلى تمديد خدمته العسكرية في سلاح البحرية الفرنسية ثلاث سنوات، واحتفل بعيد ميلاده رَقْم 20 داخل زنزانة سجن عسكرية.
حياة البطالة!
عاد بعد إنهاء خدمته العسكرية إلى حياة الصعلكة والبطالة، عمل نادلًا بمطعم وعامل شحن وتفريغ وكان طموحه أن يمتلك محل جزارة مثل والده بالتبني. جمعته عَلاقة غرامية بالفتاة "يولاندا"، جارته في الفندق وهي فتاة مصرية المولد، من أصول إيطالية، جاءت إلى باريس بحثًا عن الشهرة بعد عدة أدوار صغيرة قدمتها في السينما المصرية، عُرفت الفتاة لاحقًا باسم الشهرة "داليدا"، وبعد سنوات قليلة أصبح كلا منهما مشهورًا، وقدما معًا دويتو غنائي بعنوان "Paroles, Paroles".
تأثر "آلان ديلون" بعالم باريس السفلي، تعرف إلى شخصيات تُمارس مهن وضيعة ومنبوذة واندمج في تفاصيل حياة الليل السرية وأعجبته قيم الصداقة والولاء في هذه البيئة، لم يشعر بانتماء للمجتمع التقليدي وكان قاب قوسين أو أدنى من احتراف مهنة القوادة.
في أثناء خدمته العسكرية في الهند الصينية شغف بأفلام الممثل الفرنسي "جان جابان"، وأحب التمثيل وسعى للحصول على فرص للوقوف أمام الكاميرا، لم يكن شغفًا فنيًا بل مُجرد رغبة في الدخول إلى هذا العالم الساحر؛ أدرك أن السينما تحب وسامته مثل فتيات باريس اللائي قابلهن، ومن بينهن الممثلة الناشئة "بريجيت أوبر" التي تعرف إليها بعد تصويرها دور صغير أمام "كاري جرانت" في فيلم "To Catch a Thief" (أن تمسك لصًا) للمخرج "ألفريد هيتشكوك".
الشهرة والبدايات الهوليوودية!
منحته تلك العَلاقة فرص لقاء بعض صُناع السينما الفرنسية والعالمية، عُرض عليه عقد بسبعة أفلام أمريكية دُفعة واحدة، بشرط إجادة اللغة الإنجليزية، وأثناء مُحاولته تعلم الإنجليزية حصل على دور صغير في فيلم بعنوان "Send a Woman When the Devil Fails" (أرسل امرأة عندما يفشل الشيطان)، وكان أدائه أمام الكاميرا مُريعًا؛ فلم يكن لديه أية مهارات ولم يحصل على أي دروس في التمثيل، ونصحه مخرج الفيلم "إيف أليجريت" ألا يُمثل على الإطلاق، وأن يتكلم ويتحرك ويصمت وينظر مثلما يفعل في الواقع، وكانت تلك بداية نقل جاذبية شخصية "آلان ديلون" من الواقع إلى السينما دون تقنيات أداء تمثيلي مُعقدة، تعلم "آلان ديلون" درسًا منحه وسيلة للتعامل مع السينما بأريحية أكثر، أحب الجُمهور تلقائيته وبساطته ولفت نظر مخرجين كبار.
بداية وقوف "آلان ديلون" على سلم النجومية والعالمية جاءت من اهتمام مخرجين مثل "بيير جاسبار ويت"، الذي منحه أول دور هام أمام "رومي شنايدر" في فيلم بعنوان Christine"" (كريستين)، وكان الفيلم نقلة في حياة "آلان ديلون" بعد زواجه و"رومي شنايدر"، وبداية شهرته المدوية داخل فرنسا وأوروبا. كان المرشح لدور البطولة في فيلم "Lawrence of Arabia" (لورانس العرب) قبل حصول "بيتر أوتول" على الدور.
نَدَبَة أسفل الذقن!
بدأت هوليوود تلتفت إلى فتى السينما الفرنسية الوسيم بعد سلسلة نجاحات محلية، وتعاقد مع شركة "مترو جولدن ماير" ولاحقا "فوكس" على عدة أفلام، من بينها فيلم الأنثولوجي (الرولز رويس الصفراء)، وجسد شخصية المصور الفوتوغرافي الإيطالي ستيفانو الذي يقع في غرام زوجة رجل عصابات وجسدت الدور "شيرلي ماكلين"، وفي هذا الدور نلمح من ملامح "آلان ديلون" في مرحلة شبابه قبل النجومية وهي صورة تتكرر في عدة أفلام لم يجد هو صعوبة في تجسيدها.
عمل "آلان ديلون" مع أسماء كبيرة في عالم الإخراج؛ منهم "لوتشينو فيسكونتي" و"جان بيير ميلفيل" و"رينيه كليمينت" و"مايكل أنجلو أنطونيوني" و"جان لوك جودار" و"لوي مال" وغيرهم ممن ساهموا في صناعة تراث من الأعمال العظيمة التي حملت اسم "آلان ديلون"، وفي حِقْبَة الثمانينيات أخرج عدة أفلام من نوعية الجريمة، شارك في بطولتها وكتابتها.
فاز بجائزة سيزار كأفضل ممثل عام 1984 عن دوره في فيلم "Our History" (تاريخنا)، بالإضافة إلى عدة جوائز تكريمية عن مسيرته؛ منها السعفة الذهبية من مهرجان "كان"، والدب الذهبي من مهرجان "برلين".
في أثناء تصوير فيلم "Be Beautiful But Shut Up" (كن جميلا ولكن اصمت) أمام صديقه "جان بول بلموندو" استعار "آلان ديلون" سيارة مساعد المخرج الجديدة وقادها بسرعة جنونية، وانقلبت السيارة عدة مرات داخل نفق، وخرج من الحادث سالمًا، إلا من نَدَبَة أسفل ذقنه، أصبحت من علامات وجهه المُميزة. لم يعرف كثير من جَمهور "آلان ديلون" وجهه الجامح، ومزاجه المتقلب، ظل حتى نهاية حياته الوسيم الهاديء صاحب الطلة الفاتنة والأداء الجذاب والأفلام الساحرة.
الصورة من حساب صفحة المعجبين بآلان ديلون على منصة X.