من شيرلي تمبل إلى ميلي بوبي براون: كيف غيّر الأطفال وجه السينما
نشأت الممثلة الإنجليزية الشابة ميلي بوبي براون وهي تستمع إلى حكايات عائلتها من حقبة الأربعينيات، منها قصص مُربيتها "روث" عن مغامرتها العاطفية عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها. كانت تلك حكاية مُلهمة وقعت أحداثها خلال الحرب العالمية الثانية، إذ خفق قلب الفتاة بالحب وسط أصوات القصف والدمار التي أحاطت بكل مكان في لندن، وتزامن ذلك مع مأساة عائلية غيرت حياتها إلى الأبد. حفظت الصغيرة ميلي هذه الحكايات وتأثرت بها، ووجدت فيها قصة تستحق أن تُروى. اختارت للبطلة اسم "نيللي" القريب من اسمها، وسجلت الحكاية بمعاونة مُحررة أدبية مُتخصصة. وقد نُشرت الرواية، التي تنتمي إلى الأدب التاريخي الرومانسي، في سبتمبر من العام الماضي وحققت مبيعات كبيرة وفقًا لقائمة صنداي تايمز. مؤخرًا، انتشرت أنباء عن مفاوضات بينها وبين شبكة نتفليكس لتحويل الرواية إلى فيلم من بطولتها وإنتاجها.
النجاح تحت سن العشرين!
نعرف ميلي بوبي براون من دورها الشهير في مسلسل الخيال العلمي "Stranger Things" (أشياء غريبة)، حيث جسدت شخصية "إيليفن"، الفتاة مجهولة الهوية التي فرت من معمل سري يُجري تجارب على الأطفال. خطفت قلوب الصغار والمراهقين بأدائها لشخصية فتاة غريبة الأطوار على أعتاب المراهقة، تمتلك قوى خارقة وتجهل الكثير عن حياة الطفولة وعالم الفتيات.
حقق دورها شهرة بالغة وجعلها محبوبة المراهقين حول العالم، ووفّر لها ثروة كبيرة. استثمرت جزءًا منها في شراء حقوق روايات "إينولا هولمز" من الكاتبة البريطانية نانسي سبرينجر، وأنتجتها لصالح شبكة نتفليكس. وقد حقق الفيلم الأول نجاحًا كبيرًا وزاد من ثروتها، ولم تكن قد بلغت السادسة عشرة بعد. يبدو أن الفتاة التي بدأت علاقتها بالفن والشهرة قبل ثماني سنوات فقط شغوفة بهذا العالم، ولا تتوقف نشاطاتها المتنوعة في التمثيل والإنتاج والغناء والأزياء. وقد أصبحت أصغر شخص تختاره منظمة اليونيسيف سفيرًا للنوايا الحسنة، وكان ذلك في عام 2018 عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها.
وسط هذا النشاط المتنوع، لم تنسَ ميلي بوبي براون حياتها الاجتماعية؛ إذ تزوجت في مايو الماضي من عارض الأزياء والممثل جاك بونجوفي، ابن المطرب الشهير جون بون جوفي، الذي تعرفت إليه وهي في السابعة عشرة.
حرمان من الطفولة!
نجومية الأطفال في أغلب الأحوال مثل شهاب يلمع بشدة ثم يخبو ضياؤه سريعًا. البعض يستطيع استثمار وهج النجومية المبكر ويصنع مسيرة فنية ثرية، والبعض الآخر تحرقه النجومية التي لم يُهيأ لها نفسيًا. لم تنسَ السينما أطفالًا مثل بروك شيلدز في أفلام مثل "البحيرة الزرقاء" وماكولي كولكين في أفلام "وحدي بالمنزل"، لكن بعد فترة المراهقة لم يُقدم أي منهما عملًا يحقق شهرة أعمالهما الأولى. وينطبق نفس الأمر على نجمة سلسلة أفلام "هاري بوتر" الممثلة إيما واتسون، التي طغت أنشطتها في مجال حقوق المرأة على أدوارها في السينما.
قبل هؤلاء، عرف الأطفال الشهرة والنجاح في بدايات السينما، وكانت نماذج مثل جودي جارلاند (1922-1969) تمثل قوة تأثير الأطفال على جمهور السينما من الصغار والكبار. أسرت الطفلة جودي قلوب الجميع بدورها في فيلم "Wizard of Oz" (ساحر أوز)، ولاحقًا كمغنية صاحبة أغاني ناجحة. ورغم ذلك، فقد كانت نموذجًا للنجمة التي عانت من ضغوط الشهرة وساعات العمل الطويلة التي حرمتها من ممارسة حياتها كطفلة عادية، وانعكس ذلك على صحتها النفسية والعاطفية حتى آخر سنوات حياتها القصيرة.
قانون كوجان!
أصبحت "شيرلي تمبل" (1928-2014) أيقونة سينمائية وقدمت العديد من الأفلام الاستعراضية الناجحة للغاية. بلغ نجاحها الأسطوري إلى حد انتشار شائعة بأنها قزمة في الثلاثين وليست طفلة. كما تحولت إلى نموذج تقلده السينما في أنحاء العالم، فتأثرت بها السينما المصرية عندما منح المنتج والمخرج والممثل المصري الممثلة الطفلة "فيروز" أدوار البطولة في عدد من الأفلام وعمرها لم يتجاوز سبع سنوات. ومع أن "فيروز" اعتزلت التمثيل بعد خفوت نجوميتها في مرحلة الشباب، تحول نشاط "شيرلي تمبل" في شبابها إلى السياسة، حيث شغلت منصب سفيرة بلادها في دولة "غانا" في السبعينيات وجمهورية "تشيكوسلوفاكيا" في التسعينيات.
من أوائل الأطفال الذين حققوا شهرة في بدايات السينما كان "جاكي كوجان" (1914-1984)، وهو الطفل الذي جسد دور طفل مشرد تولى "شارلي شابلن" تربيته في فيلم "The Kid" (الطفل) عام 1921. وبسبب تلقائيته وحسه الفكاهي، شارك في عدد من الأفلام الأخرى وحقق ثروة كبيرة، أنفقتها والدته وزوجها دون علمه، فوجد نفسه مفلسًا عندما بلغ الثامنة عشرة. هذه الواقعة دفعت المشرع الأمريكي إلى إصدار قانون لحماية أموال القصر، أطلق عليه اسم "قانون كوجان" تكريماً له.
استمر عمل "كوجان" في الفن وجنى الشهرة والمال مرة أخرى عندما جسد شخصية العم فيستر في مسلسل الرعب الكوميدي "The Addams Family" (عائلة آدامز) في الستينيات من القرن الماضي.
الصعود على مهل!
يفقد الطفل الفنان سحره الطفولي عندما يدخل مرحلة الشباب، ولهذا تتوقف مسيرة أغلبهم بعد انتهاء سنوات الطفولة. وقليل منهم ينجح في تطوير نفسه ويفرض شخصيته كممثل بعد مرحلة المراهقة. بدأت "ناتالي وود" و"إليزابيث تايلور" مسيرتهما الفنية في أدوار عادية خلال سن الطفولة، وفي مرحلة المراهقة بدأت مسيرتهما تتطور، وأصبحتا من أشهر نجمات هوليوود في حقبة الخمسينيات وما بعدها.
نموذج آخر بدأ نجوميته صغيرًا وتألق في سن الشباب هو "ليوناردو دي كابريو"، الذي بدأ مسيرته كممثل وهو في الخامسة من عمره. لم يلفت النظر حتى بلغ التاسعة عشرة عام 1993، حينما جسد دور الابن الذي يعيش مراهقة مضطربة بسبب معاملة زوج أمه الصارم "روبرت دي نيرو" في فيلم "This Boy's Life" (حياة هذا الفتى). وفي العام نفسه، جسد دور الشقيق المتأخر عقليًا لشخصية "جوني ديب" في فيلم "What's Eating Gilbert Grape" (ماذا يُضايق جيلبرت جريب)، وبدأ يحقق شهرته الطاغية مع مراحل نضجه الفني اللاحقة.
لا شك أن وجود الأطفال في السينما منحها وجهًا باسمًا بريئًا. ورغم صعوبة تحويل عفوية الطفل في الواقع إلى مشاهد درامية جذابة، فإن صناعة السينما في العالم تبحث دائمًا عن المواهب التي يمكن أن تخلق منها فنًا بديعًا بتوقيع الصغار.
الصور من حساب ميلي بوبي براون على انستجرام وحساب المعجبين بشيرلي تمبل على تويتر "X"