خاص "هي" - جائزة إنجار العمر.. طريق كيت بلانشيت من القاهرة إلى سان سيباستيان!
تلقت "كيت بلانشيت" جائزة Donostia Awards، عن كامل مسيرتها الفنية، من مهرجان "سان سيباستيان" السينمائي الإسباني يوم الجمعة الماضي، تأثرت بالحفاوة حتى لمعت عيونها بالدموع؛ هذه ليست جائزتها الأولى، ولا تُشير إلى إنجاز عن عمل فني بعينه أبدعت في أدائه، لديها فعلًا العديد من الجوائز المُرتبطة بأفلام مُحددة، وجائزتي أوسكار عن فيلمي " "The Aviator"الطيار" و "Blue Jasmine" "ياسمين الحزينة"، وغيرها من الترشيحات والجوائز الأخرى. جائزة "سان سيباستيان" مهداة إلى شخص "كيت بلانشيت" وليس إلى أداء خاص بفيلم ما، جائزة إلى اختياراتها وإدارتها لموهبتها، وتأثيرها على الآخرين وإضافتها لإنجازات المرأة المعاصرة في مجال الإبداع. أكدت الجائزة لبلانشيت أنها كانت تفعل شيئًا صائبًا طوال السنوات الماضية.
البداية من القاهرة!
في عقد التسعينيات كانت "بلانشيت" فتاة مُغامرة، تركت موطنها استراليا؛ لتتنقل بين بلدان مختلفة، بصحبة صديق، وحينما اختلفا وانفصلا وجدت نفسها وحيدة، مع قليل من المال، وعز عليها أن تُنهي جولتها السياحية في القاهرة؛ فقد أحبت مشاهدة أماكن جديدة وجذابة، ولقاء أشخاص من شعوب مختلفة، وعانت نقص المال إلى حد عدم توفر أموال للطعام وأجرة الفندق المتواضع الذي أقامت فيه وَسْط القاهرة، عرض عليها جارها في الفندق العمل كومبارس في أحد الأفلام المصرية، وكانت فرصة للحصول على بعض المال، ووجبة طعام في أثناء التصوير.
حضرت "كيت بلانشيت" إلى موقع تصوير فيلم "كابوريا"، بطولة "أحمد زكي" و"رغدة" و"حسين الإمام"، وظل المخرج "خيري بشارة" يصرخ في مكبر للصوت، مُلقيًا توجيهاته للجميع باللهجة المصرية، لم تفهم ما يقال، لكنها كانت تفعل مثل باقي الكومبارس؛ كانت القصة تدور حول ثري يدير مراهنات ملاكمة في قصرة من أجل التسلية، والفيلم يضم مجموعة من الأغاني الاستعراضية الشعبية، تُعبر عن عبثية تلك المسابقات، وعن لقاء مجتمع الفقراء مع مجتمع الأثرياء.
دور "بلانشيت" هو شقراء أجنبية من شله أصدقاء الثري؛ تشارك في مشاهدة مباريات المُلاكمة الدامية، وحفلات الغناء والرقص حتى الصباح، يمكن مُشاهدتها في بعض اللقطات ضمن المجاميع، ترقص على أغنيات الفيلم. في الكواليس عانت ساعات العمل الطويلة، وقلة وجبات الطعام، والجلوس على الأرض بين أوقات التصوير، تركت التجربة أثرها الكبير في وجدان "بلانشيت"، لم تقم بشيء مُلفت أو عبقري، لكنها أحبت الوقوف أمام الكاميرا، وسعت بعد عودتها إلى بلادها إلى دراسة التمثيل.
الطريق إلى هوليوود!
ما بدا كأنه موقف طريف تعرضت له في القاهرة أثر عليها كثيرًا، شعرت أنها تستطيع أن تكون مُمثلة جيدة، ليس من أجل أجرة الفندق والطعام؛ بل لأن لديها شيء إنساني تود تعزيزه وتجسيده بواسطة التمثيل.
عُرض فيلم "كابوريا" في أواخر شهر أغسطس، عام 1990، ووقتها التحقت "بلانشيت" للدراسة في المعهد الوطني للفنون في سيدني، وبعد عامين تخرجت وبدأت رحلة البحث عن فرصة عمل، وكانت محظوظة بالوقوف على مسرح "أوبرا سيدني"، أمام الممثل "جيفري راش" في مسرحية بعنوان "Oleanna"، وهي مأخوذة عن نص مكتوب لشخصيتين، تأليف واخراج "ديفيد مامت"، بعدها شاركت في عدد من الأعمال التليفزيونية الأسترالية، منها مسلسل الجريمة "Police Rescue"، وظهرت في أول فيلم سينمائي عام 1997 وهو بعنوان "Paradise Road"، وشارك في الفيلم "جلين كلوز" و"فرانسيس مكدورماك"، وأخفق في شباك التذاكر، وفي نفس العام حصلت على أول بطولة مطلقة في فيلم الدراما الرومانسية "Oscar and Lucinda" أمام "رالف فينيس"، ولفت هذا الدور النظر إلى موهبتها، وكانت المُرشحة الأولى للدور الممثلة "جودي ديفز"، ومنح اعتذارها عن الدور الفرصة لصعود نجمة جديدة في عالم السينما.
الدور الذي وضعها على أعتاب العالمية هو تجسيد شخصية الملكة إليزابيث الأولى، في فيلم المخرج "شيكار كابور" بعنوان "Elizabeth"، وحصل الفيلم على العديد من الجوائز الدولية، وحصلت "كيت بلانشيت" على جائزة جولدن جلوب كأفضل ممثلة، فقد تمكنت من تصوير المشاعر النفسية المُعقدة لشخصية تاريخية أثارت الجدل، وقدمت بعدها عدد من الأعمال الهوليوودية خلال حِقْبَة التسعينيات، وسعت إلى العمل مع المخرج "بيتر جاكسون" في سلسلة أفلام "ملك الخواتم"، حيث قدمت دور جالادريل، الجنية التي حكمت الميدل إيرث، وصورت "بلانشيت" شخصيتها بجاذبية وقوة؛ إذ تفوقت في الجمال والمعرفة والقوة، وحقق الفيلم نجاحًا أسطوريًا على المستوى النقدي والإيرادات؛ إذ بلغت إيراداته حوالي ثلاثة مليارات دولار، ولم تتلق "كيت بلانشيت" أي مقابل عن الفيلم، إلا الساندويتشات المجانية في استراحات التصوير، وأذن الجنية الصناعية.
أوسكار كاثرين هيبورن!
حصلت الممثلة الراحلة "كاثرين هيبورن" على أربعة جوائز أوسكار خلال مسيرتها الفنية، ومن المُفارقات أن تُجسد "كيت بلانشيت" شخصيتها في فيلم "الطيار" للمخرج "مارتن سكوريزي"، وحصلت على أول أوسكار في مسيرتها الفنية. الفيلم دراما نفسية عن مسيرة الُمنتج السينمائي والطيار غريب الأطوار "هوارد هيوز"، وخلال حياته عقد صداقات عاطفية مع عدد من نجمات هوليوود، ومنهن "كاثرين هيبورن" إذ نشأت بينهما عَلاقة غرامية عدة سنوات في حِقْبَة الثلاثينيات، وكان تحدي كبير أن تُجسد "بلانشيت" شخصية "هيبورن" التي تجمع بين الصلابة والجاذبية وقوة الشخصية وأيضًا الحساسية المُفرطة. الأوسكار الثاني في مسيرة "بلانشيت" كان "ياسمين الحزينة"، من إخراج "وودي ألان"، ويصف فيه حالة امرأة تدهورت أحوالها المادية، وذهبت لتقيم مع شقيقتها، وقدمت "بلانشيت" أداء شديد الحساسية عن شخصية تعرضت لصدمات جعلتها على حافة الجنون.
مسيرة "كيت بلانشيت" حافلة بالأعمال، ولازالت تعمل بطاقة كبيرة؛ فخلال المدّة القادمة سيبدأ عرض فيلمها الأخير "Borderlands"، وهو كوميديا خيال علمي، مأخوذ عن اللُعبة فيديو معروفة، وستبدأ منصة آبل في 11 أكتوبر عرض مسلسل من بطولتها، بعنوان "Disclaimer" "التنصل"، وهو دراما سيكولوجية عن صحفية تكتشف أن شخصيتها داخل رواية تكشف سرًا حاولت اخفائه، المسلسل من إخراج "ألفونسو كوارون"، هذه الاختيارات تؤكد أن "بلانشيت" لديها القدرة على تقديم المزيد من الإبداع، والاختيارات المختلفة التي تصور أنموذجات نسائية متنوعة.
حكت "كيت بلانشيت" كواليس بدايتها السينمائية في القاهرة، في أكثر من لقاء تليفزيوني، وذلك بعد شهرتها وحصولها على الأوسكار الأول، وكانت روايتها للقصة مزيج من السخرية والألم، مما لاقته في هذه المرحلة المُبكرة من عمرها، ورغم طرافة مواقف عملها كومبارس في فيلم "كابوريا"، إلا أنها تدين لهذه البداية المتواضعة بتحول مسار حياتها بالكامل، لقد كانت وقتها على أعتاب مصير مجهول، وأنارت لها لقطاتها البسيطة التي أدتها أمام كاميرا فيلم "كابوريا" الطريق إلى إنجاز العمر في "سان سيباستيان".
الصور من حساب ماري جرينويل وarmanibeauty على انستجرام.