رفاهية تخضع لمزاج الجمهور.. لماذا تراجعت السينما الرومانسية في السنوات الأخيرة؟
رغم انحياز شباك تذاكر السينما المصرية خلال الفترة الماضية لأعمال الأكشن والكوميديا والدراما الاجتماعية، إلا أن نبأ انطلاق تصوير فيلم "هيبتا 2: المناظرة الأخيرة"، وجه الأنظار مجددا تجاه الإنتاجات الرومانسية.
يأتي ذلك تزامنا مع إعلان الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما عن نتيجة استفتاء أفضل 100 فيلم رومانسي، الذي تم على هامش فعاليات الدورة الـ 40 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، والمقرر إقامتها في الفترة من 1 إلى 6 أكتوبر المقبل، حيث جاء في الصدارة فيلم "حبيبي دائما" للفنان الكبير الراحل نور الشريف"، وتلاه "الوسادة الخالية" للعندليب الأسمر، ومن ثم "أغلى من حياتي"، "نهر الحب"، "بين الأطلال"، "أيامنا الحلوة"، "رد قلبي"، "معبودة الجماهير"، "دعاء الكروان"، "سهر الليالي"..أول 10 أفلام في القائمة المشار إليها، كانت جميعها تنتمي للزمن الجميل، وهو ما يدفعنا للتساؤل حول سبب تراجع هذه النوعية من الإنتاجات حديثا؟!
إيرادات السينما تتحكم بنوعية الإنتاجات
فسر الناقد الفني محمد عبد الرحمن، الأمر قائلا إنه عادة ما يحدد انتشار نوع معين من الأفلام هو مدى ضمان تحقيقها لإيرادات كبيرة في شباك التذاكر، وهو ما يوضح سبب تواجد الأفلام الكوميدية دائما في سوق السينما المصرية، وسبب ازدياد رواج أفلام الحارة الشعبية التي قدمها الفنان محمد رمضان، في السنوات الأخيرة، وأيضًا أفلام الأكشن لأحمد السقا، ومن ثم أمير كرارة، أو الأفلام التي تعتمد على وسامة البطل وقدراته كممثل مثل كريم عبد العزيز، فيما ظلت الأفلام الرومانسية تأتي في مرتبة متأخرة بالنسبة للمنتجين، خاصة مع تغير طبيعة المجتمع منذ الثمانينيات، وعدم قبول مشاهدة اللقطات العاطفية بين البطلين، وغير ذلك من أمور، بجانب غياب الممثلين القادرين على أداء هذه الشخصيات عادة.
من جانبه، تحدث الناقد الفني إيهاب التركي، عن سبب غياب نجوم الرومانسية حاليا، حيث قال إن السينما المصرية تخلت عن فكرة صناعة "الجان" وهو قوام الفيلم الرومانسي، هذا بجانب أن شركات الإنتاج استسلمت لفكرة أن العمل الكوميدي هو وقود شباك التذاكر، مما أدى إلى تراجع السينما الرومانسية تماما.
من ناحية أخرى، اتفق رأي الناقدة السينمائية علياء طلعت، مع الرأيين السابقين، حيث قالت إن صناع الأعمال والمنتجين السينمائيين عادة ما يتجنبوا المغامرة بصناعة الأفلام الرومانسية، وذلك لأن الأكشن والكوميديا هما أكثر نوعين يحصدان إيرادات شباك التذاكر.
قصص قادرة على جذب المشاهد
وبالعودة للجزء الأول لفيلم "هيبتا"، المقتبس عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب محمد صادق، والذي أخرجه هادي الباجوري، وقام ببطولته كل من عمرو يوسف، ماجد الكدواني، أحمد بدير، أنوشكا، كندة علوش، محمد فراج، ياسمين رئيس، هاني عادل، دينا الشربيني، أحمد داود، أحمد مالك، سلوى محمد علي، جميلة إسماعيل.. فإنه كان قد نافس بقوة في شباك التذاكر عام 2016، حيث تصدر قائمة أفلام الربيع بعد أن تخطت إيراداته 27 مليون جنيه.
فيما أعلن صناع الجزء الثاني من الفيلم، الجاري تصويره، أنه يشارك في بطولته كل من منة شلبي، كريم فهمي، سلمى أبو ضيف، أسماء جلال، كريم قاسم، مايان السيد، حسن مالك.
هذا ما علقت عليه "طلعت" قائلة إن النجاح الذي حققه الجزء الأول من "هيبتا" هو ما دفع صناعه للاستثمار في القصة مجددا، وتلك الفكرة تبدو جيدة إلى حد كبير، إلا أن ذائقة الجمهور تغيرت عن ذي قبل، إذ أنه لم يعد مقبلا على الأعمال الرومانسية كما في السابق، موضحة أن الفئة المستهدفة في شباك التذاكر أغلبها تكون من سن 18 إلى 40 عاما تقريبا، وهو ما يشير إلى أن فئتي المراهقين والشباب يميلون إلى أعمال الأكشن، فيما يميل الأكبر سنا للأفلام الكوميدية، مما يُجبر المنتجين على الاستعانة بنجوم محبوبين للغاية، أو بقصص مختلفة.
وكان للناقد إيهاب التركي، وجهة نظر مغايرة إذ قال إن ذائقة الجمهور لم تتغير، لكنه يلجأ للبديل المتاح، هذا بجانب أن الإنتاج السينمائي لا يغامر لكنه ينكمش فكريا وإبداعيا، مؤكدا أن الأمر كله يحتاج إلى كاتب موهوب ومخرج لديه إحساس بالعصر، ومنتج يتحمس لهذه النوعية.
الكتابة الرومانسية أصبحت رفاهية
وبشأن الجانب الإبداعي، فقد قال الناقد الفني محمد عبد الرحمن، إن الفيلم الرومانسي غير مضمون وبات الاستثناء هو إنتاج عمل ينتمي لهذه النوعية ويحقق نجاحا مشابها لما تم تحقيقه من قِبل أعمال محدودة تم طرحها في السنوات الماضية مثل "هيبتا 1" و"قصة حب"، مشيرا إلى أن الأفلام الرومانسية تتطلب أن تكون القصة قادرة على جذب مشاعر الجمهور دون مبالغات وتكرار، وأن تنتهي نهاية سعيد بالطبع، معلقا: "لكن إجمالا نستطيع القول إن المجتمع لم يعد مهتما بمثل تلك القصص ويراها رفاهية، والدليل أنه حتى على مستوى الروايات والمسرحيات وغيرها من أنواع الأدب والفنون لم تعد الرومانسية محببة.
وفي هذا السياق، علق إسلام وهبان، الصحفي المتخصص في الشأن الثقافي، ومؤسس جروب "مكتبة وهبان"، قائلا إن هناك تغيرات عديدة في نوعية الأعمال الأدبية التي صدرت في السنوات الأخيرة من حيث الشكل والمضمون ونوعية الموضوعات والقضايا التي تناقشها هذه الأعمال، موضحا أن فكرة كتابة رواية فقط لتقديم قصة رومانسية أصبحت ساذجة بعض الشيء، وقد يرجع ذلك إلى التغيرات المجتمعية والسياسية التي عاشها المواطن العربي خلال الثلاثة عقود الأخيرة، والتي أصبحت أكثر ما يجذب الأجيال الجديدة من الأدباء والروائيين لمناقشتها في أعمالهم.
وأكد "وهبان" على أن قصص الحب موجودة بالفعل في عدد هائل من الأعمال الأدبية حاليا لكن لن نجد الخط الرومانسي وحده هو المسيطر على الرواية، بل أصبح أحد عناصر الحبكة الروائية، إلى جانب خط اجتماعي أو سياسي أو تاريخي، أو نفسي أو فلسفي، معلقا: "لذا نرى حاليا روايات تاريخية تضم قصص حب مثل روايات ريم بسيوني وأحمد المرسي، التي وصلت رواياته الأخيرة (مقامرة على شرف الليدي ميتسي) لجائزة البوكر العربية"، لافتا أيضًا إلى أن توجهات القراء أنفسهم تغيرت وأصبح الاهتمام أكبر بالروايات التاريخية وروايات الجريمة والفانتازيا، ولم يعد هناك اهتمام بالروايات الرومانسية سوى لشريحة من المراهقين والقراء الجدد.. مؤكدا أن كل هذه عوامل جعلت مفهوم الرواية الرومانسية والاهتمام بها أدبيا مختلف عن العقود الماضية.
أضاف الصحفي المتخصص في الشأن الثقافي: "أعتقد أن صناع السينما بحاجة لبذل مجهود أكبر في البحث عن القصص الرومانسية التي تتضمنها الروايات المصرية الحالية ومعالجتها دراميا، أو حتى تغيير الفكرة السائدة حول مفهوم الفيلم الرومانسي.. لماذا لا نقدم قصة حب من خلال فيلم أو دراما اجتماعية أو نفسية أو حتى تاريخية، بدلا من تكرار نفس التيمة التي لم يعد الجمهور شغوفا بها والتي تحصر قصة الحب في بعض علاقة بين شاب وفتاة وبعض النظرات الرومانسية والجمل والكليشيهات! لو نظرنا حتى إلى فيلم (هيبتا) الذي حققت نجاحا كبيرا في جزئه الأول، سنجده معتمدا بالأساس على فكرة العلاقات وكيف يتطور مفهوم الحب لدى البشر بمرور الزمن وكيف ينمو أو يموت ذلك الحب أو تلك المشاعر، وبالتالي فهو لم يعتمد على تقديم الصورة النمطية لقصص الحب أو الفيلم الرومانسي".
جوهر الفيلم الجودة وليس الرسالة
وبجانب المعايير التي رآها "وهبان" ضروروية من وجهة نظره لصناعة عمل رومانسي ناجح، فقد قالت الناقدة السينمائية علياء طلعت، إن الفيلم ليس بالضرورة أن يتضمن رسالة بعينها موجهة للمتفرج وإنما يجب أن يتميز بجودة مستواه سواء على الجانب التقني أو الفني.
كما أكد "التركي" على ذلك قائلا: "رسالة الفن الأهم هي الإبداع، وهو يتعامل مع حكايات وقصص تكشف لمحات من أزمات المجتمع. الفن ليس بوسطجي يحمل رسائل، هو ملهم ومؤثر دون أن يتحول إلى خطب أخلاقية ومنشورات وعظية".
ومثالا على الجودة والإبداع، أكد "عبد الرحمن" أن فيلم "حبيبي دائما" لنور الشريف وبوسي، ما زال وسيظل من أبرز الأفلام الرومانسية في القرن العشرين، هذا بجانب الأعمال الأخرى المأخوذة عن قصص إحسان عبد القدوس.
ورأي "وهبان" أن أحد أفضل الأفلام التي تناولت مفهوم الحب ويصنف كأحد أبرز الأعمال الرومانسية، هو فيلم "الباب المفتوح" لهنري بركات، الذي شاركت في بطولته فاتن حمامة وصالح سليم، والمأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للأديبة لطيفة الزيات.. لم يؤخذ عن رواية رومانسية، بل رواية اجتماعية تحمل خطوطا درامية مختلفة منها السياسي والاجتماعي والديني، وتناقش بالأساس قضية تحرر المرأة، وأنه رغم ذلك تم معالجة النص دراميا بشكل مميز ليصبح أحد أبرز الأفلام الرومانسية العربية في الستينيات.
السينما العالمية سوق واسع للرومانسية
وبمقارنة السينما الرومانسية المصرية بنظيرتها العالمية، فنجد أن الأخيرة تتسم بغزارة إنتاجاتها الخاصة بذلك النوع، سواء على شاشات السينما أو عبر منصات العرض الإلكتروني.
وبخصوص هذا الشأن علق "التركي" قائلا إن السينما الأمريكية صناعة ضخمة، ساحتها العالم كله ولهذا لديهم اهتمام بأنواع مختلفة من السينما وكل نوع له جمهوره.
كما قالت الناقدة السينمائية علياء طلعت، إنه على الرغم من أن السينما العالمية تقدم العديد من الأعمال الرومانسية، إلا أننا لا يمكننا أن نقول أنها تنافس نظيرتها في مصر.
أوضحت "طلعت" أن السبب وراء ذلك هو أن السينما العالمية لديها سوق كبير للغاية يتميز بتنوع أذواق الجمهور، لذا أن هناك أعمال رومانسية يتم إنتاجها بميزانيات صغيرة تنجح في حصد الكثير من الإيرادات، إلا أنه في نفس الوقت إذا ما قورنت هذه الإيرادات بأعمال الأكشن والكوميديا سنجد أنها لا تستطيع منافستها، مؤكدة أن السينما العالمية تتفوق علينا بشكل عام نتيجة لكثير من الأمور إلا أنها ليس بالضرورة أن تكون متفوقة في إنتاجاتها الرومانسية.
مصدر الصور حساب المخرج هادي الباجوري على فيسبوك