فيلم "Wolfs".. أن يُضحكك براد بت وجورج كلوني وأنت لا ترغب في ذلك!
تكمن قوة أي عمل سينمائي في النص المكتوب أولًا، ثم لاحقًا بالأسلوب الفني لتحويله إلى مادة درامية من صوت وصورة على الشاشة، يأتي الممثل في المرحلة الوَسْط، التي يجتهد فيها المُخرج لبلورة السيناريو وصياغته إلى المشاهد بصورة فنية نهائية، وبعض الأعمال تنجح بسبب قوتها الفنية أولًا، وبعضها ينجح بسبب كاريزما النجوم أنفسهم، هناك أعمال نجحت بشدة والمشاهد لا يعرف أسماء أبطالها ولم يُشاهدهم من. أتخيل الكاتب والمخرج "جون واطس" وهو يكتب سيناريو فيلمه الأخير "Wolfs" "الثعالب"، ويتعثر في بعض تفاصيل حبكته، ويخونه الإيقاع في أحيان أخرى، يفكر بصوت عال مؤكدًا لنفسه أن كاريزما وجود "براد بت" و"جورج كلوني" على الشاشة كافِ لسد ثغرات الحبكة، ورتق ثقوب إيقاع الدراما والأكشن، وتسلية المُتفرج، وجلب الحبيب، وحل أي مشكلات في نسخة الفيلم النهائية.
شركاء النجاح
تعاون "براد بت" و"جورج كلوني" على الشاشة في عدد من الأفلام الناجحة، ربما أبرزها سلسلة أفلام العصابات "أوشن" "Ocean's" من اخراج "ستيفن سودربيرج"، و"تُحرق بعد القراءة" "Burn After Reading"من اخراج الأخوان كوهين، وربما لا يكونا الاختيار الأمثل لأداء فيلم يعتمد على الحركة والعنف وقد كبرا في السن على هذه النوعية، ولكن السيناريو تجاوز ذلك، فوجودهما على الشاشة وحده كافيًا ويُمكنهما مُطاردة شاب نحيف يجري بسرعة جنونية على الأسفلت وهما جالسان في هدوء داخل سيارة.
ضع أي ثنائي مشهور مثلهما في فيلم واحد وستضمن - على اقل تقدير - نصف النجاح أو أغلبه، هناك بالطبع صيغة مُعتادة لتحقيق النجاح؛ منها أن تكون شخصياتهم داخل الفيلم في حالة تنافس واختلاف تصنع حالة من المرح والسخرية المتبادلة، وأن يتعاونا داخل القصة وهما تحت ضغط عصبي، وأن تستلطف وجودهما معًا على الشاشة، حتى تكاد تُصفق فرحًا حينما يتصالحا ويتعاونا لتنفيذ المُهمة، لن يكون مُحببًا أن تضطر كمُشاهد للاختيار بينهما.
هذا المزيج من المُلاكمة التمثيلية ورقص التانجو يُحقق رضا الجُمهور، وهو ما اجتهد "براد بت" و"جورج كلوني" من أجل تحقيقه في فيلمها الأخير "Wolfs" "الثعالب"؛ فقد جسدا دوري شخصيتين بينهما تنافس في مجال عملهما الغامض، وهو تنظيف الجرائم دون التورط فيها بأي صورة من الصور.
ينصب التنافس بينهما على مسألة العُمر والخبرة؛ فبينما يرى أحدهما الآخر عجوزًا ولت أيامه، يرى الآخر أن منافسه أصغر سنًا وأقل خبرة ويميل للإهمال والغرور، وتبدأ مباراة من تبادل الافيهات المُتنمرة المثيرة للضحك، ومع استمرار الوقت يفتر تأثير تقنية التنمر والتنمر المُضاد، ويجد الفيلم نفسه أمام أرض جرداء دراميًا، لا صوت فيها سوى صوت صرصور الحقل.
انقاذ سيناريو خامل!
يُحاول الفيلم الانتقال إلى مشاهد الحركة والمطاردات؛ من أجل بث الأدرينالين في المشاهد الخاملة، وهي مشاهد تم تنفيذها بحرفية وجاذبية، وساهمت قليلًا في دفع الفيلم من عار تصنيف العمل "سيئ" إلى منطقة تصنيف العمل "الجيد"، جزيل الشكر لـ"جورج كلوني" و"براد بت"، لقد أنقذا الفيلم فعلًا من مصير مُروع.
تبدأ الأحداث بالمُدعية العامة مرجريت "آمي ريان" وقد اصطحبت الشاب المُلقب بالفتى "أوستن أبرامز" إلى أحد الفنادق، ويسقط الشاب داخل غرفة الفُندق فجأة، وتُصدم مرجريت إثر تحول مُغامرتها السرية إلى كارثة، وهي تقف بجوار جثة شاب لا تعرف حتى سبب وفاته، وخوفًا من الفضيحة تتصل برقم خاص لشخص يعمل في مجال تنظيف الجرائم، ويأتي "جورج كلوني" لتنفيذ مهمة التخلص من جثة الشاب ومحو أي آثار تربط القتيل بالمُدعية العامة، يصل "جورج كلوني"، وفي نفس الوقت مُنظف جرائم آخر "براد بت"، استدعته مالكة الفندق، ويبني السيناريو حبكته على اضطرار الرجلين على العمل معًا على الرغْم من تاريخ الكراهيَة المُتبادلة بينهما.
الأحداث تأخذ مُنحنى أخر وعملية تنظيف حادث الفندق تنجرف إلى مواجهات خطرة مع رجال عصابات، وبينما تذهب المُدعية العامة إلى منزلها وهي تشعر بابتعاد الخطر عنها، يجد الثنائي الذي يُحاول تنظيف الجريمة أنفسهما في خطر، عليهما حماية أنفسهما من وحوش الجريمة وتجارة المُخدرات، ربما أصبح عليهما في النهاية التعاون من أجل البقاء أحياء.
المُراوغة والغموض!
لا يوجد الكثير يحدث خلال زمن الفيلم؛ ولهذا هناك مساحات فاترة من الدراما وبعض مشاهد تُبشر بحدوث شيء جديد، ثم يتضح أن الأمر مُجرد إنذار كاذب، فيعود "كلوني وبت" إلى تبادل الكلمات واللكمات، في حوارات مُتهكمة مثيرة للضحك، وقد بدأ الفيلم ببداية جيدة ومُكثفة، تبشر بعمل سينمائي أنيق، ودراما جريمة قوية وأحداث مُتلاحقة، وظل بعد هذه البداية المُلفتة يُراوغ ويُناور ويُطارد الأشباح، دون جدوى حقيقية.
قدما "براد بت" و"جورج كلوني" أداء جيد وصنعا للفيلم ثقل يجعل مُشاهدته مُحتملة، ويأتي المخرج "جون واتس" من عالم سبايدر مان، حيث أخرج ثلاثية "توم هولاند" خلال السنوات الماضية، ولديه لمسات ناجحة في تقديم مشاهد حركة مُبهرة وجذابة، وقد اجتهد في "الثعالب" للانتقال من عالم السوبر هيروز، حيث الحلول سهلة إلى حد ما، إلى عالم الجريمة المُنظمة ومُنظفي الجرائم، وهذا النوع من السينما يعتمد بصورة كبيرة على الحركة والإيقاع السريع والغموض، وقد نجح نسبيًا في تحقيق قليل من الحركة في عدد من المشاهد، لكنه أخفق في الإيقاع أحيانًا، وتبدد الغُموض المصطنع غالبًا، وأصبحت الحبكة مُتوقعة في النصف الثاني من الفيلم.
كوميديا غير مقصودة!
الفيلم بدأت منصة "آبل" بثه بعد عرض محدود في دور السينما، وربما يكون ملائمًا فعلًا لعرض تليفزيوني في سهرة مسائية خفيفة لا أكثر، قد يُلائم المُشاهد مُتابعة عودة الثنائي "براد بت" و"جورج كلوني" للوقوف أمام الكاميرات مرة أخرى.
قد يعدّه البعض فيلم مُتوسط خفيف، وهذا تصنيف تقليدي لوصف الأفلام المُسلية التي لا تحمل عُمقًا فنيًا، ينساها المتفرج فور ظهور تترات النهاية، ولكني أراه فيلمًا ضعيفًا للغاية، اتكأ كثيرًا على نجومية "براد بت" و"جورج كلوني"، والأداء اللطيف للممثل "أوستن أبرامز" في شخصية الفتى المذعور المُتورط في عالم الجريمة، ولم يضف العمل الكثير على مستوى القصة والإخراج الفني، وعلى مستوى الحبكة افتقر إلى خيال اللازم لصناعة قصة مُبتكرة تنتمي لعالم الجريمة ومُنظفي الجرائم، ورغم أن الفيلم لا ينتمي لنوعية الكوميديا إلا أن السيناريو كان يلجأ إلى الحِوَار الكوميدي؛ للتغطية على غياب الجدية والغموض وهي الغرض الأساسي من حبكة الفيلم، ولو حول كاتب السيناريو العمل إلى كوميديا ساخرة لكان الأمر أكثر امتاعًا.
الصور من موقع الفيلم الرسمي.