يقال إن معادننا تظهر في الشدائد، فتمتحننا الحياة بصراعات صغيرة وكبيرة، نكتشف من خلالها مرونة قدرتنا على التحمّل. مثل شجر الصفصاف الذي انحنى في مهب الريح فنجا، نتألّم، ونشعر، ونتعثّر، ونسقط، ولكن نمضي قدما، فننهض ونحقق الانتصار، ربما لأننا تمسّكنا بأمل باطني، أو بحب لآخر، أو بحلم لم ينطفئ وهجه.

في أكتوبر، شهر التوعية بسرطان الثدي، نكرّم قوة النساء اللواتي واجهن ويواجهن هذا المرض، ونوجّه تحية متضامنة إلى كل المحاربات: من انتصرن، ومن رحلن، ومن يخضن اليوم هذا الصراع. فإلى جانب تشجيعنا على الوقاية والخضوع للفحوص الطبية الروتينية، تقف رحلة كل منهن شهادة على إمكانية تحويل الألم إلى قوة، والتحدّي إلى شجاعة، وعلى أهمية الوقوف جنبا إلى جنب، لمستقبل لا تعيش فيه أي امرأة هذا الكفاح بمفردها.

وهذا الشهر، نتشارك مع "جيسيكا" و"ريتا قهواتي" قصة وقفة ثنائية في وجه سرطان الثدي، وقفة الأم المحاربة والابنة الساندة، اللتين انتصرتا معا ثلاث مرّات قبل أن تبدأ المعركة الرابعة الآن، التي أعلنت عنها "جيسيكا" في رسالة مؤثرة حول إصابة والدتها "ريتا" بمرض السرطان للمرة الرابعة في تسع سنوات.

"ريتا قهواتي" هي رائدة أعمال من أصول لبنانية أسست مع ابنتها قبل أكثر من ثلاث سنوات مشروع الطبخ "ماما ريتا" الذي يقدّم أطباقا صحّية بنكهات لبنانية ومتوسطية، رغبة من "ريتا" في نشر الفرح والدفء من خلال شغفها بفن الطبخ الذي تعتبره تعبيرها الأقصى عن الحب. وفي رحلتها المتقلبة مع مرض السرطان على مدى العقد الأخير، بقي الطهي يمدّ "ريتا" بالإصرار والسعادة، وأسهم بشكل كبير في تعافي هذه المرأة التي بقيت طوال صراعها منارة للأمل ومنبعا للقوة، فألهمت الكثيرات بإيجابيتها وتمسّكها بالعائلة وعلاقتها القوية بابنتها "جيسيكا".

وبدورها، صارت "جيسيكا قهواتي" قدوة لكل من يساند شخصا مقرّبا يعاني نتيجة المرض، فتعطي كل ما لديها لأي شــيء تــقـــوم به، مكرّسة وقـــتـــهــــا وطاقـــتــــها للــوقــــوف إلى جانب والدتها، في ظل مواصلتها العمل في مجال الموضة ومناصرتها قضايا اجتماعية عديدة، وإطلاق مبادرات خيرية متنوعة والإشراف عليها. فتستخدم مقدّمة البرامج وملكة الجـــمــــال السابـــقــــة والعارضة اللبــنــــانية الأســــــترالية منـــصّتـها، التي بنـــتــــــها على مر السنين وحصدت من خلالها عددا هائلا من المتــــابــعـــيـــــن، لــنـــشر الـــوعي حول قضايا إنسانية ملحّة، وتشـــجيـــــع النــشــــاط الخيــــــري، خــــصوصا فيما يتعلق بحقوق الإنـــســــان والــتــعــلـيــــم والصحة وتـــــمكين الـمرأة، ويعود ذلك بجزء كبير إلى القيم التي زرعتها فيها والدتها "ريتا"، وأيضا إلى دراستها للقانون.

في هذا اللقاء الحصري والصريح والمؤثر، تحدّثنا "جيسيكا" و"ريتـــــا" عن عـــلاقــتــهــــمــــا، والــــرحــلـــــة مع مـــرض الـــســــرطـــان، والصمود في الاتحاد، وأهمية التفكير الإيجابي، ودور الدعم الأســـــري؛ فتـنـــضــــمّان إلــيـــنـــــا في رسالتــنـــــــا إلى كل النساء، إلى كل بطــــلـــة ونـــاجيـــــة ومحاربة ألهمتنا الاستــــــمـــرار. فلنتّحد في الصمود والـــرجـــــاء، مهما كانت الـــمــعــــارك التي نواجهها.. معا نكافح ومعا ننتصر!

الرفيقة الداعمة

رافقتِ والـــدتــــك طــــوال صــــراعــهــــا مع مرض السرطان، وشاركتها مختلف لحظات هذه الرحلة، فصارت جزءا من رحــــلــــة حيــــاتــــك أيــــضا. ما الذي تعلمته من رؤية والدتك تواجه المرض وتتحدّاه وتتغلب عليه مرة بعد أخرى؟

جيسيكا: على مـــدار الســنــــوات التسع الماضية، قاومت والدتي مرض السرطان بضع مرات. وفي كل مرة، كانت تفعل ذلك بمنتهى الرقي والشجاعة وبروح حصينة تُدهشني. لقد علّمتني أن حبك لعائلتك يمكن أن يزحزح الجبال، وأن إرادة الحياة تتحوّل إلى قوة هائلة. كانت مهمتنا أن نبقي معنوياتها عالية، لكنها طوال مراحل العلاج، لم ترغب يوما في أن نشعر بأنها مريضة. كانت تطبخ لنا وتحرص على أن تظل حياتنا طبيعية. لن أنسى أبدا عندما كنت في دبي بين جلسات علاجها الكيميائي قبل 9 سنوات، وكنت محبطة للغاية. فسألت طبيبها إذا كان بإمكانها أن تسافر لتكون مع ابنتها لأنها حزينة. إن كفاحها هو تذكير يومي لي بأن الحياة تستحق النضال، وأن الحب يستحق كل تضحية، وأن القوة لا تعني دائما أن نكون غير قابلين للكسر، بل أن ننهض من جديد في كل مرّة.

في اللحظات التي قد لا تشعرين فيها بأنك قوية بما يكـــفـــي لـــدعــــم والـــدتـــــك، إلى أين تــلــجــــئين؟ ومن أين تستعيدين قوتك؟

جيسيكا: كنت أشعر في بعض الأحيان أنني أتحمل عبء الأسرة كلّها. أنا الابنة الكبرى، وكانت المسؤولية تثقل كاهلي. بالتأكيد مررت بلحظات شعرت فيها بأن معنوياتي في أدنى مستوياتها، ولكنني محظوظة بوجود نظام دعم قوي من الصديقات العزيــــزات الــمــقـــربــــات. هــن شــابـــــات يــمــكـنــــــــني الاتصــال بهن، والتحدث إليهن لساعات، ويصغين إلي وأنا أكرر عبارات الألم الذي أمر به، مرة بعد أخرى. وقد ساعدني إيماني بالله بالتأكيد، لأنه المرشد النهائي عندما نشعر بالضياع. وقد وجدت العزاء في الصلاة التأملية العميقة، وطلبت من الله أن يساعدنا. وتعلمت في هذه الرحلة أن قابلية التأثر ليست ضعفا، بل شهادة على عمق اهتمامنا بمن نحب.

ما نصيــحــتـــك إلى مــن يدعـمــــون أحبــــــاءهم خلال المرض ويقفون بجانبهم؟

جيسيكا: إن مساندة من تحبّين أثناء المرض هي واحدة من أكثر التجــارب التي تــطـــلـــب منـــك جــهــــدا عاطفيا. تشعرين وكأن صدرك في حالة من التقلب المستمر، ومعدتك معقودة بينما تنتظرين النتائج الطبّية. من الطبيعي أن تشعري بكل شيء بعمق وأن تكوني عرضة للتأثر والضعف. ولكن لا يمكنك أن تسكبي في كأس الآخر إذا كانت كأسك فارغة، لذا فإن الاعتناء بنفسك، حتى لو شعرت بأن ذلك أناني في بعض الأحيان، أمر بالغ الأهمية. يجب أن تأخذي وقتا لنفسك بين الحين والآخر لتفعلي شيئا تحبينه، لتتنفسي ولتعيدي شحن طاقتك.

ولا تستهيني أبدا بقوة وجودك، وذلك يعني أنه ليس عليك دائما أن تملكي الكلمات المناسبة. ظلّي إيجابية، واحتفلي بالانتصارات الصغيرة. وأخيرا، اعتمدي واتّكئي على عائلتك وأصدقائك إذا استطعتِ، ولا تخجلي من طلب المساعدة أو الدعم، لأن الناس في بعض الأحيان يريدون المساعدة لكنهم لا يعرفون كيف أو يخشون التطفّل.

كيف أثّرت التحديات الصحية التي واجهت والدتك في علاقتك بها؟ وهل تغيّرت نظرتك أو أولوياتك فيما يتعلق بالعائلة؟

جيسيكا: ازدادت علاقتي بأمي قوة عاما بعد آخر. كلما كبرت، أدركت قيمتها أكثر، وقدّرت كل الأوقات الجميلة التي نمضيها معا. بالتأكيد أشعر بالذنب عندما أفعل بعض الأشياء بمفردي، لأنني أفكر في أنها كانت ستستمتع بها لو كانت معي. ولكن ذلك يعود إلى ضرورة شحن طاقتي بمفردي، حتى أكون بكامل طاقتي عندما أكون معها. أحاول أيضا أن أجمع العائلة معا في الكثير من الأحيان، ولا سيما في الإجازات والجلسات العائلية. وبالفعل، لا يوجد شيء يضاهي الأسرة.

كبــــرتِ مع أم قـــويــــة مثـــل "ريــتـــا"، فكيــــف غـــــرست فيك المرونة والصمود؟

جيسيكا: أمي من أقوى الأشخاص الذين أعرفهم. لم أسمعها يوما تشتـــــكي حتى حين كـــنت أعـــرف أنـــهــــا مــــرهــقـــــة. أتـــــذكر بداية مشــــروعنــــا الـــغــــذائي "ماما ريــتــــا" في فتــــــرة جائحة "كوفيد"، وكانت حينها تعاني من انزلاق غضروفي في قرصين في ظهرها، لكنها أمضت وقتها في المطبخ ساعات لا تحصى وصلت إلى 12 ساعة، فقط من أجل ضمان تقديمنا تجربة رائعة للعملاء خلال فترة الإطلاق. وحتى بعد جلسات علاجها الكيميائي، كانت تتأنق وتقول بضحك: "أنا في طريقي للحصول على الـــعـــلاج الكيمــيـــــائي! ذاهــبــــة للتـــغــلــــب علــى السرطان"! كانت تنتعل كعبا عاليا، وتتأنق، وتضع الماكياج، ووجهها يشرق بابتسامة عريضة.

كيف أسهمت دراستك قانون حقوق الإنسان في طريقة تأييدك للقــــضــــايا الإنــســانـــيــــة التــــي تــنــاصــرينـــــها؟ وكيف تستخدمين منصتك لنشر الوعي والدعم، خصوصا في الأزمات العالمية والإقليمية؟

جيسيكا: أثّرت دراستي بشكل كبير في تعاملي مع القضايا المختلفة ومناصرتي لها، فمنحتني المعرفة اللازمة لفهم تعقيدات القانون الدولي، والحقوق التي يجب أن تكون مضمونة لكل فرد، والمشاكل الهيكلية التي تحول دون صون هذه الحقوق. وكنتُ محظوظة ببناء مجتمع على الإنترنت يتمتع بروح العطاء والعمل الإنساني.

وقد نظمتُ حملات لجمع التبرعات للفلسطينيين وشعبي في لبنان، وكلاهما يواجه تحديات هائلة بسبب الصراعات وعـــــدم الاستقرار. نبـــدأ بتــحـــديـــــد الحــاجــــات الأكثــــــر إلحاحا وأكثر الـــسبل فاعـــلــيــــة لنــقــــل الــمـــســاعـــــدات، ونــــــــحـــــرص على وصولها إلى من هم في أمس الحاجة إليها.

خـلال رحلاتي العديدة إلى مخيمات اللاجئين، سواء كانت لـــمـــســـاعدة اللاجـــئــــيـــــن الســوريــيــــــن في الأردن أو اللاجــئـــيـــــــن الروهينـــغـــيـــــا في بنـــغـــلاديـــــش، شــهـــــدت مباشرة الواقع الـــــذي تواجـــهـــه الفــئــــــات المــسـتـــضــعـفـــــة. وتــلـهـمــــــــني هذه الـتـجـــــــارب لاســتــخــــدام منـــصتي بطريقة تثقف الناس وتحضّــــهــــــم على العمل. فيمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تكون أداة قوية، وأنا أسعى جاهدة لاستخدامها ليس فقط للتوعية، ولكن أيضا لإلـــقـــــاء الــضــــوء عـــلى الجـــــانب الإنساني الحقيقي لهذه الأزمات، ولسرد قصص الذين غالبا ما تبقى أصواتهم غير مسموعة. عندما يهتم الناس، يتشجعون على المبادرة والفعل.

الملهمة المناضلة

ريتا، لقد أظهرتِ قوة هائلة خلال مواجهتك مرض الـــســــرطان. كيــــف تحـــافــظـيـــــن عــــلى عــقــلـيـــــة إيــجــابـــــية؟ وإلى جـــانــــب الــــدعــم العائلي الواضح، ما مصدر قوتك الداخلية؟

ريتا: على الرغم من أن ما سأقوله يبدو "كليشيه" أو معادا جدا، فإنني بالفعل أحاول دائما التفكير بإيجابية. إذا فكرتِ بإيجابية، فستجذبين الإيجابي إليك، فالكون يعطيك ما تنشرينه أنت فيه. لم أكن أريد أن أجلس في بؤسي، وأكره ما كان يجري في حياتي. وقد لا أكون دائما قادرة على التحكم بجسدي بسبب المرض، لكنني دائما أستطيع التحكّم بعقلي!

ما رسالة الصمود والأمل التي تودين توجيهها إلى المرأة التي تواجه السرطان؟ وما مدى أهمية استخدام منصتك لإلهام وتمكين الآخرين الذين يمرون بأوقات عصيبة؟

ريتا: أحيطي نفسك بمن تحبّين، وافعلي شيئا تستمتعين به، وتحلّي بالإيجابية. أشعر بأني في أفضل حالاتي عندما أشغل نفسي في المطبخ وأطبخ لعائلتي. هكذا، إذا كان هناك شيء يزعجني، فإنه يغادر ذهني في غضون لحظات.وعلى الرغم من أنني قد لا أكون الأكثر نشاطا على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنني أظهر بين الحين والآخر لأشارك متابعيّ بعض الكلمات المطمئنة. من المهم أن أخبرهم أن كل شيء سيكون على ما يرام، لأن بعض الناس يحتاجون فقط إلى كلمة واحدة أو رسالة واحدة أو إشارة واحدة ليشعروا بتحسن. يحتاجون إلى أن يعرفوا أنهم ليسوا وحدهم، وأنه على الرغم من أنماط الحياة الملمعة التي نـــــظـهرها، هناك مـــعـــانـــــاة حـقـيــقــيـــــة خــلــفـــهـــــا. لقد كنت محظوظة بالتحدث إلى الكثير من النــــــساء اللواتي راسلنني بشأن مرضهن؛ وحتى في لحظات التواصل الصغيرة تلك، نجد الأمل.

وماذا عـــن الـــدور الــــذي لـعــبـــتــــه "جيــسـيـــكا" في رحــلــــتــــــــك العلاجية والعاطفية؟

ريتا: أي كلمات أقولها لن تكفي لوصف دعم "جيسيكا" خلال رحلتي الشفائية. فهي تكرس نفسها من كل قلبها، وتلغي الاجتماعات وارتباطات العمل والسفر لتكون معي. إن دعم "جيسيكا" واهتمامها وحبها ووقتها المكرّس لمواعيد الأطباء والحصول على آراء ثانية، كلها لا تقدّر بثمن. نحن نطلق عليها مازحين لقب "الدكتورة جيسيكا"، لأنها تمضي ساعات طويلة في التحقيق في حالتي الصحّية، وينتهي بها الأمر إلى مناقشة الأطباء حول المسار الصحيح الذي يجب أخذه. لحسن الحظ، لديّ ابني وزوجي أيضا اللذان يقفان بجابني سندا لي في كل خطوة كبيرة ومرحلة حاسمة. ابني متعاطف ولطيف وحنون جدا، ورفض أن يتركني عندما احتجت إليه.

الأم هي القدوة الأولى لابنــتـــهــــا، ولا شك في أنك ألهمتِ "جيسيكا" في نــــواحٍ كثـــيــــرة ولعبــــــت دورا كبــــيرا في تكوين شخصيتها. لكن كيف تلهمك هي؟

ريتا: إن كل شيء في ابنتي ملهم؛ أحب ذكاءها واجتهادها وشغفها وحبها. تفعل كل ما تفعله بأقوى المشاعر، وإن هذه العزيمة معدية. أنا معجبة بأخلاقيات عملها، فهي لا تستسلم أبدا. و"جيسيكا" من أكثر الناس اهتماما وحنانا ودعما على الإطلاق.

أسستِ "ماما ريتا" ونمّيت العلامة على مدى السنوات الأربع الماضية. كيف أسهم إعداد الطعام ومشاركته مع الآخرين في رحلة تعافيك؟

ريتا: إلى حد كبير، كانت تجربة تأسيس "ماما ريتا" وتطوير المشروع بالنسبة إلي رحلة علاجية. لطالما كان الطهي وسيلتي للتعبير عن حبّي لمن حولي ورعايتي لهم، وخلال أصعب أوقات مرضي، منحني وجودي في المطبخ هدفا وإصرارا وفرحا. وإن مشاركة الطعام مع الآخرين في الإمارات وحول العالم، يمدّني براحة كبيرة وعزاء. وأصبحت "ماما ريتا" أكثر من مجرد علامة تجارية، بل إنها جزء من تعافيّ، وشهادة على الصمود وعلى الحب الذي يسندنا.

قد تؤدّي مواجهة المرض إلى إدراكات عميقة. ما الذي أدركته عن الحياة بعد تشخيصك؟ وما الذي تشعرين بأنك بحاجة إلى جعله أولوية؟

ريتا: هناك كلمتان مهمّتان: الحياة قصيرة. كوني سعيدة، واستمتعي بالأشياء الصغيرة. وأعطي الأولوية لتمضية الوقت مع العائلة، وافعلي ما تحبينه. فلا أحد منّا يعرف كم من الوقت يملك حقا.

في السراء والضراء

يبدو أن رابط الأم والابنة بينكما أقوى من أي وقت مضى. كيف أدت مواجهة السرطان معا إلى تعميق علاقتكما، وكيف تستمدان القوة، إحداكما من الأخرى؟

جيسيكا وريتا: نتطلّع إلى الغد. تلجأ كل منّا إلى الأخرى، وتمسك بيدها. ونبكي عندما نحتاج إلى ذلك، ونضحك عندما نستطيع، ونحتفل بالأخبار السارة عندما نسمعها.

أنتما رائدتا أعمال وشريكتان. كيف قرّبكما العمل معا؟

جيسيكا وريتا: العمل معا على مشروع "ماما ريتا" ارتقى بعلاقتنا إلى مستوى مختلف. من خلاله، تشارك الأم وصفاتها وأكلاتها مع ابنتها، ليس فقط بطريقة تقليدية، ولكن بطرق نراها تتجسد من خلال الصور والبيع للمستهلكين، وأخيرا ردود الفعل والتعليقات الجميلة.

سرطـــان الــثـــدي صــراع تــواجـهـــه الكثــير من النساء. ما الرســـالــــة التي تــــودّان مـــشــاركــــتـــها حــــول أهــمــيـــــة الـــدعـم الأسري في هذا الصراع؟

ريتا: سرطان الثدي هو رحلة لا ينبغي أن تخوضها أي امرأة بمفردها. يمكن لحب العائلة ودعمها أن يحدثا كل الفرق، لأنهما المرساة التي تحضنك وتثبّتك عندما تشعرين بأن العاصفة لا تُحتمل. ستختبرين كل أنواع المشاعر: الوحدة، والضعف، والتعب، والأمل في بعض الأيام. لقد كانت عائلتي قوّتي ونوري ودافعي لمواصلة الكفاح، حتى عندما كانت الأيام مظلمة. إلى كل امرأة تواجه هذا الصراع، أقول: اتكئي على عائلتك، ودعيهم يرفعونك عندما تشعرين بالضعف. فحبهم هو أعظم دواء، وسيساعدك على إيجاد القوة للاستمرار، حتى عندما قد يبدو ذلك مستحيلا.

بصفتكما امرأتين لبنانيتين، ماذا تقولان اليوم للشعب اللبناني الذي يمر بأوقات عصيبة للغاية؟

ريتا: قلبي يتمزق لأجل شعبي، وبلدي لبنان. لقد وُلدت وترعرعت في لبنان، وتعلمت الطبخ من والدتي "نهيل" في الجبال الجميلة ومدينة بيروت. لبنان أرض اللبن والعسل، الأرض التي يمتلئ هواؤها بعطر الأرز، أرض الضيافة والكرم. شعبنا لا يستحق ذلك. لا أحد يستحق أن يعاني كما يعاني اللبنانيون. لكن بلدي علّمني الصمود، والوقوف في وجه المصاعب. إلى أهلي في لبنان، أؤكّد لكم أن بلدنا سيشهد أياما أفضل، وأنا أتوق لرؤيتكم تزدهرون من جديد.