فيروز

الأضواء تجري وراءها وهي تترفع.. لمحات من مسيرة "جارة القمر" الملهمة في عيد ميلادها الـ90

سما جابر
21 نوفمبر 2024

عام جديد يضاف على حياة النجمة الملهمة الكبيرة فيروز التي تحتفل بعيد ميلادها التسعين اليوم الموافق 21 نوفمبر، حيث نجحت النجمة اللبنانية طوال مسيرتها الفنية الطويلة أن تحافظ على مكانتها في قلوب عشاقها وجمهورها من جميع الأعمار، وحتى بعدما قررت الابتعاد عن الأضواء؛ كانت ومازالت النجمة الأكثر إلهامًا لدى جمهورها، لتمتعها بموهبة استثنائية لم يأت مثلها حتى الآن، وأيضًا كونها خاضت تجارب إنسانية مختلفة جعلتها بمثابة نموذجًا على التحدي والقدرة على استكمال الحياة بالرغم من صعوبة ما مرت به.

بداية فيروز المهنية 

النجمة فيروز هي مطربة ومغنية وممثلة لبنانية، تعد من أشهر فناني العالم ومن الجيل الذهبي للمسرح والموسيقى في لبنان ومن أشهر الأصوات العربية، التي لاقت أعمالهُا الفنية رواجًا واسعًا في العالم العربي والغربي، كما لقبت في لبنان بـ"العمود السابع لبعلبك"، ويعرفها الجمهور كذلك بلقب "جارة القمر".

ولدت النجمة فيروز في عام 1935 في قضاء الشوف بجبل لبنان وكانت هي الطفلة الأولى للعائلة، ونشأت في حارة زقاق البلاط في الحي القديم القريب من العاصمة اللبنانية بيروت، وعمل والدها في مطبعة الجريدة اللبنانية لوريون لوجور، أما والدتها فتوفيت عام 1961 في نفس اليوم الذي سجلت فيه فيروز أغنية "يا جارة الوادي" وكان عمرها لا يتجاوز 45 عامًا.

فيروز أحبت الغناء منذ صغرها وأظهرت ميولها الفنية في عمر مبكر، ففي إحدى الحفلات المدرسية عام 1947 التقى محمد فليفل بالطفلة الموهوبة التي كانت تدعى وقتها "نهاد" وكان عمرها وقتها 14 عامًا وأعجب جدًا بصوتها، وكان له الفضل لتشارك كمؤدية في كورس الإذاعة، وبعدها انضمت فيروز إلى فرقة الإذاعة الوطنية اللبنانية، وبعد أربع سنوات من الدراسة في المعهد، نجحت أمام لجنة فحص الأصوات المؤلفة من حليم الرومي ونقولا المني وخالد أبو النصر، وكانت النقلة الكبيرة لها عندما قدم لها حليم الرومي ألحانًا لأول أغانيها لقت صدىً واسعًا في الإذاعات العربية تلك الفترة مثل أغنية (يا حمام يا مروح) وأغنية (بحبك مهما أشوف منك) عام 1952، كما أن حليم هو من أطلق عليها اسم فيروز.

ع
السيدة فيروز في ظهور سابق 

مشوار فيروز مع الأخوين رحباني

تعرفت النجمة فيروز في بداية الخمسينيّات على الأخوين رحباني اللذين بدأت معهما مشوار طويل ومثمر من التعاون الفني تمثل في المئات من الأغاني والعديد من المسرحيات الغنائية التي وصل عددها إلى 800 أغنية وثلاثة أفلام وأربعمائة ألبوم خلال فترة زمنية امتدت لثلاثة عقود وأبدعت في الموشحات الأندلسية والمواويل والعتابات، وكان قد سطع نجم فيروز ومعها الأخوان رحباني بعد مشاركتهم في مهرجان بعلبك لأول مرة عام 1957، وتوالت بعدها المهرجانات من بعلبك إلى دمشق إلى مسرح البيكاديلي، ليصبحون من أشهر الأسماء بالوطن العربي والعالم.

النجمة فيروز تعد مطربة شاملة، لم تنحز للون معين من الأغنيات، بل نجحت في تقديم كل الألوان الغنائية الموجهة لفئات متعددة، سواء الأغاني الموجهة لمن تربطهم علاقات عاطفية أو الأغنيات الموجهة للأطفال، والأخرى الملائمة للمناسبات الوطنية وتعبر عن مدى عشقها للبلاد، وتضامنها أيضًا مع القضايا الوطنية.

وتوقف عاصي الرحباني زوج فيروز عن التلحين واعتزل العمل الفني بعد مرضه وهو الذي رافقها في مسيرتها الغنائية منذ بدايتها، ثم حدث الانفصال بين الأخوان الرحباني وفيروز بعد مسيرة عمل مشتركة امتدت لعقود، وأطلقت فيروز أول ألبوم غنائي لها دون الأخوين رحباني عام 1980 وكان بعنوان (دهب أيلول)، وأكملت مسيرتها الفنية مع ابنها زياد الرحباني وأصدرا معًا 6 ألبومات كان آخرها (ببالي) في عام 2017، وتعاونت أيضًا مع ابنتها ريما في أعمال غنائية أخرى وأفلام وثائقية.

ع
فيروز وابنتها ريما الرحباني 

فيروز صاحبة التأثير الكبير وملهمة كل الفئات والأجيال

وقدمت فيروز المئات من الأغاني للحب وللأطفال وللوطنية وللحزن والفرح والأم والوطن، وذلك ضمن عدد من المسرحيات التي ألفها ولحنها الأخوان رحباني وتنوعت مواضيعها بين النقد السياسي والاجتماعي، وتعاونت فيروز مع عدد من الملحنين مثل فيلمون وهبي ومحمد عبد الوهاب وإلياس الرحباني ومحمد محسن وزكي ناصيف، كما أن لها تأثير كبير على الشعوب وعلى الموسيقى العربية المعاصرة.

وأحيت العديد من الحفلات في العديد من المدن العربية والأجنبية، وبمناسبة أحد عروضها في المغرب، استقبلها الملك الحسن الثاني ملك المغرب شخصيًا في المطار، وخلال حفلها الموسيقي في لاس فيجاس عام 1999، أعلن عمدة المدينة رسميًا يوم 15 مايو 1999 يوم فيروز. 

ومن أشهر الأغنيات التي قدمتها فيروز كانت أغنية "كيفك أنت" والكل ربطها بأن كلمات الأغنية تجسد حالة حبيبة تغني لحبيبها السابق وتسأله عما إذا كان تزوج بعدما هجرها وسافر خارج البلاد ولكن في الحقيقة أن الأغنية غنتها فيروز لابنها زياد الرحباني

كما ارتبط الأطفال من جميع الأعمار ببعض من أغنيات فيروز، التي حرصت كذلك على تقديم العديد من الأغنيات الموجهة للأطفال والتي حققت نجاحًا بين تلك الفئة وفئة الكبار أيضًا، ومن بين تلك الأغنيات "يا الله تنام" و "شمس الأطفال".

تر
فيروز في إحدى حفلاتها 

أعمال تناولت مسيرة فيروز وتكريمات توجت نجاحاتها

النجمة فيروز أيضًا تم إنتاج العديد من الأعمال الوثائقية عن مسيرتها وحياتها، وسلطت تلك الأعمال الضوء على محطاتها الملهمة، ففي عام1971 تم إنتاج وثائقي بعنوان (فيروز في أمريكا)، وهي تغطية لأول جولة رئيسية لفيروز في أمريكا الشمالية، وفي عام 1998 أنتج وثائقي بعنوان (تاريخ فيروز ولبنان)، يتحدث الفيلم عن طفولة فيروز ونشأتها المتواضعة، والصيف الذي أمضته في قرية جدتها الجبلية، وبدايتها في الإذاعة اللبنانية، والرحلة الطويلة مع عاصي ومنصور الرحباني، والحرب الأهلية وانتهائها، ويحكي الفيلم قصة لبنان من خلال صوت فيروز، وهو جزء من فسيفساء التاريخ اللبناني، والعمل من إخراج فريدريك ميتران.

وفي عام 1999 تم إنتاج وثائقي عن كواليس حفل فيروز التاريخي في لاس فيجاس، ويظهر الفيلم مشاهد لفيروز بينما تستعد هي والوفد المرافق لها للحدث الكبير، وتشمل المشاهد التدريبات، وإعداد المسرح، وحفل استقبال خاص لتكريم فيروز، بالإضافة إلى زياراتها إلى مناطق الجذب المحلية والعمل من إخراج ريما الرحباني.

وفي عام 2003 تم إنتاج فيلم وثائقي يظهر سكان بيروت وهم يتحدثون عن حبهم للمغنية فيروز، وفي 2009 أنتج فيلم وثائقي بعنوان (كانت حكاية) من إخراج ريما الرحباني يتحدث عن عاصي وفيروز وقامت بإنتاجه في الذكرى الثالثة والعشرين لوفاة والدها.

السيدة فيروز

ونالت فيروز العديد من الأوسمة والميداليات، كما كرمها رؤساء الدول والملوك والسياسيين البارزين في عدة مناسبات، تقديرًا لمسيرتها الفنية المتميزة وعطائها الفني وصوتها الذي أطرب عشاقها، ولم تنته تلك التكريمات حتى بعد تقاعدها واعتزالها الأضواء.

ففي عام 1957  نالت فيروز وسام الشرف من الرئيس اللبناني كميل شمعون وهو أعلى وسام في لبنان، وفي 1962 نالت وسام الاستحقاق من الرئيس اللبناني فؤاد شهاب، وفي العالم التالي نالت ميدالية الكرامة ووسام النهضة الأردني من الدرجة الأولى من الملك الحسين ملك الأردن وأيضًا وسام الأرز أعلى وسام في لبنان من الرئيس اللبناني فؤاد شهاب.

كما نالت وسام قائد الفنون والآداب من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، وفارس وسام جوقة الشرف من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وفي 1999 تم إعطاء فيروز مفتاح مدينة لاس فيجاس من عمدة المدينة افيرتي جونز.

وفي 2020 كرمها أيضًا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأرفع وسام فرنسي (وسام جوقة الشرف الفرنسي) عندما زار منزلها في عام 2015 تحول منزل فيروز الذي نشأت وترعرعت فيه إلى متحف، وتأتي تلك الخطوة بعد سنوات من إدراج المبنى إلى لائحة الجرد العام للأبنية التراثية.

فيروز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

الصور من حساب ريما الرحباني على فيسبوك