فيلم "The Substance"

أفلام رُعب الكبار تخطف الهالوين وتهزم حواديت الجدة!

إيهاب التركي
24 نوفمبر 2024

عَلاقة النجوم الكبار بسينما الرعب بدأت بلعب دور الوحش الشرير، حيث الشباب مثل الحملان التي يطاردها الوحش ويسعى لالتهامها، ولأن السينما بطبيعتها شبابية، فقد كانت الحملان دائمًا محور القصة وأبطال الحكاية، والوحش غالبًا ما يكون غامضًا، يظهر قليلًا متسترًا برداء الغموض والهيبة. مؤخرًا، بدأت هوليوود في منح النجوم الكبار فرصة بطولة أفلام الرعب حيث تصدرت أسماء "ديمي مور" (62 سنة) و"هيو جرانت" (64 سنة) و"جيمي لي كيرتس" (66 سنة) أفيشات بعض أشهر أفلام الرُعب؛ هذا التحول غير المعتاد قُدم في سياق كان فيه الشباب والمراهقون مثل نيف كامبل ودرو باريمور ودانيال كالويا هم دائمًا أبطال تلك الأفلام، حيث يُجسدون أدوار الضحايا، ويدفعهم الفضول والطيش للدخول في مُغامرات تصل بهم إلى قدر الساحرة الشريرة، التي تتغذى عليهم، كما تتغذى أفلام الرعب على خوف الجُمهور.

ترويض الغولة وجموح ديمي مور!

ارتبط الرعب في التراث الأدبي والشعبي بقصص الوحوش والأشباح والكائنات الغامضة المخيفة، وتراث ألف ليلة وليلة مثلًا يضم العديد من الحكايات المُرعبة التي لم تلفت نظر السينما العربية حتى الآن. سبقت الحكايات المُخيفة القديمة أفلام الهالوين وسينما الرعب بأنواعها المُختلفة، وبالنسبة لي بدأ الرعب مُبكرً مع حواديت جدتي التي توارثتها أمي؛ حكاياتها المثيرة وسردها المُمتع عن الغولة آكلة البشر يثير الخيال ويرفع مُعدلات الأدرينالين والخوف؛ تحكي عن غولة قبيحة المظهر تطهو ضحاياها وتأكلهم، ورغم كل الوحشية والدموية في مضمون الحدوتة تبدو الغولة ودودة أحيانًا؛ ترد سلام بطلة الحدوتة الشابة المُهذبة: "لولا سلامك سبق كلامك لأكلت لحمك قبل عظامك". تخيلت مصير الفتاة الدموي لولا حلاوة لسانها، اعتقدت أمي المُسالمة أن الكلمة الطيبة والمُعاملة الحسنة تؤدي إلى القضاء على نزعة الشر أو ترويضها.

فيلم "The Substance"
فيلم "The Substance"

سعت إليزابيث سباركل "ديمي مور" بطلة فيلم "The Substance" (المادة، 2024) إلى العودة لسنوات الشباب، وتحققت أمنيتها بشروط قاسية تحملتها، وما لم تستطع تحمله هو نسختها الشابة شديدة الجاذبية والجمال، وجموحها وخرقها للقوانين التي تقسم الوجود بينهما؛ كل منهما تعيش وتتحرك بين الناس أسبوعًا والأخرى كامنة في غيبوبة مؤقتة، وبينما تُحاول النسخة المُسنة الحفاظ على الفرصة النادرة كانت النسخة الشابة شريرة ومؤذية، لقد انعكست أدوار الساحرة العجوز الشريرة والفتاة البريئة، وفي بعض مشاهد الفيلم تحولت الجميلة "ديمي مور" إلى غولة قبيحة المظهر، ورغم ذلك كانت ضحية ولم تكن وحشًا؛ هوسها بالجمال والشباب جعلها وحشًا يلتهم نفسه ويُدمرها.

فيلم "The Substance"
فيلم "The Substance"

خداع هيو جرانت وصرخات درو باريمور!

لم يكن الأمر مماثلًا في فيلم "Heretic" (الزنديق، 2024)؛ إذ جسد "هيو جرانت" شخصية السيد ريد، وهو رجل يُخفي خلف ثقافته ولباقته وحشًا مستبدًا يعتنق مُعتقدات مُتطرفة ويُحاول إجبار اثنتين من المبشرات الشابات من طائفة المورمون على تصديق معتقداته؛ إنه غول من نوع خاص يتغذى على سلب العقول والإيمان مُستخدما الخداع والترويع النفسي.

اختيار كلا من "ديمي مور" و"هيو جرانت" لتأدية الأدوار الرئيسية في أفلام رُعب جسدي ونفسي يظهر ذكاء هوليوود في تغيير أساليبها بحثًا عن الاختلاف؛ لقد جذبا "جرانت ومور" أدوار الرعب إلى مستوى أداء ناضج قد يُرشحهما للأوسكار.

قبل سنوات كانت أغلب الحكايات السينمائية المخيفة عن شباب يتعرض للطعن والذبح عقابًا على أخطاء ارتكبها أو حتى بلا مُبرر واضح؛ في سلسلة أفلام "I Know What You Did Last Summer" (أعرف ما فعلته الصيف الماضي، 1997) تابعنا مصير أربعة أصدقاء شباب يتعرضون لمطاردة من قبل قاتل غامض بعد أن تورطوا في حادث دهس وغادروا موقع الجريمة.

سلسلة ""Scream (الصرخة، 1996) حولت البيئة الآمنة لمجتمع الشباب الجامعي إلى كابوس مُرعب بعد أن بدأ قاتل متسلسل يرتدي قناعًا أبيض في مُطاردة سيدني "نيف كامبل" وأصدقائها بهدف قتلهم، صدم الفيلم الجُمهور بمشهد قتل "درو باريمور" في الدقائق الأولى من الفيلم.

فيلم "Scream "
فيلم "Scream "

أفلام أخرى مثل "Final Destination" (الوجهة النهائية، 2000) وIt (هو، 2017) جعلت من الشباب والمراهقين هدفًا للقتل من قبل أنواع مُختلفة من الغيلان المتوحشة؛ في الفيلم ينجو مجموعة من الشباب من الموت في حادث، لكن قُوَى غير مرئية كأنها الموت نفسه تطارد كل منهم بهدف قتله، هذه القُوَى الغامضة كأنها تُحاول تصحيح خطأ نجاتهم من الحادث، وتُكمل مهمة مصيرية بإصرار وبلا تهاون. هذا الغموض وأصالة الفكرة دفع الجُمهور للتعاطف الصادق مع أبطال الفيلم الشباب؛ فهم لم يرتكبوا جريمة تستحق القتل بهذه الصورة المُروعة.

فيلم "Scream"
فيلم "Scream"

الرُعب في زمن الذكاء الصناعي!

ساهمت منصات البث الرقمي، مثل نتفليكس وأمازون برايم، في لعب دور كبير في صياغة عدد من الأفلام والمسلسلات التي تستعين بالتقدم التكنولوجي لصناعة رُعب من نوعية مُختلفة، يعتمد أغلبه على بث الخوف من انفلات الذكاء الصناعي.

قدّم مسلسل "Black Mirror" (المرآة السوداء) العديد من القصص السوداوية المرعبة عن تهديد التكنولوجيا والآلة لحياة البشر، وناقشت حلقة "Joan Is Awful" (جون البغيضة) من الموسم السادس فكرة التزييف العميق وحقوق الملكية الفكرية وسياسات الخصوصية؛ تبدأ القصة بشخصية جون، وهي امرأة عادية تفاجأ أن حياتها تُعاد تمثيلها في مسلسل على منصة شبيهة بـ"نتفليكس" تُدعى Streamberry، حيث تُجسد شخصيتها الممثلة "سلمى حايك" باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، لقد ضغطت جون مثل الجميع على زر الموافقة على الشروط والأحكام الخاصة بالمنصة دون قراءة أو دراسة، وأحد فقراته يؤكد حق المنصة في جمع المعلومات الرقمية عنها واستغلالها بأي صورة.

جذور المخاوف تعود إلى السينما الصامتة مع فيلم ""Metropolis (ميتروبوليس، 1927)، الذي برز فيه دور الروبوت الذي اخترعه العالم روتوانج، وصُمِّم ليبدو نسخة طبق الأصل من الناشطة الاجتماعية ماريا، التي تمثل الأمل للعمال المضطهدين. تم استخدام هذا الروبوت لإثارة الفتنة وتدمير أي روح ثورية بين العمال.

برزت فكرة الآلة الشريرة في السينما مع أفلام أيقونية أخرى مثل "2001: "A Space Odyssey (أوديسا الفضاء، 1968) للمخرج ستانلي كوبريك، حيث لعب الكمبيوتر HAL 9000 دور آلة تتجاوز أوامر البشر وتهدد حياتهم، مما يبرز الخوف المُبكر من استقلالية الذكاء الصناعي. في فيلم "Blade Runner" (بليد رانر، 1982) للمخرج ريدلي سكوت، نجد الروبوتات (المستنسخين) تتحدى نظامها وتبحث عن حياة حقيقية، مما يعكس قلق الإنسان من تخطي التكنولوجيا حدود سيطرته.

الهروب من رعب العائلة!

بدأ الرعب بحواديت أمي داخل المنزل الدفيء، حيث الوحوش دائمًا تسكن في الخارج، تُزمجر في حلكة ظلام الشتاء حيث هزيم الرعد يخلع القلوب الصغيرة، وهطول الأمطار وصفير الرياح مؤثرات طبيعية للحكاية المُشوقة المُثيرة للتوتر، في الداخل يُمثل البيت وأفراد الأسرة الأمان، هي حكايات نتسلى بها أيام الشتاء حول المدفأة. لكن تطور أفكار سينما الرعب زعزع هذا الأمان حينما جعل العائلة مصدرًا للشر والخوف.

فيلم Get Out
فيلم Get Out

في فيلم ""Get Out (الهروب، 2017) يزور كريس، الشاب الأسود، عائلة خطيبته البيضاء. وبعيدًا عن حبكة الخلافات العرقية في فيلم مشابه هو "Guess Who's Coming to Dinner" (خمن من سيأتي للعشاء، 1967) لسيدني بواتيه، يخوض كريس تجرِبة كابوسية تكشف أسرارًا مرعبة عن العائلة. يدور الفيلم حول عائلة غريبة الأطوار لها أجندة شريرة تتعلق بالاختلافات العرقية بين البيض والسود، فضح الفيلم صورة نقدية للعلاقات العرقية واستخدام العنف النفسي والجسدي لتحقيق السيطرة.

فيلم "Get Out"
فيلم "Get Out"

وفي فيلم ""Hereditary (وراثي، 2018)، نتابع دراما رعب نفسي عن عائلة جراهام التي تشهد سلسلة من الأحداث المأساوية، تكشف أسرارًا غامضة ومخيفة عن إرث عائلتهم الشيطاني. لم تعد الوحوش والأرواح الشريرة فقط مصدر الرعب؛ فربما يسكن الوحش بجوارك، قريب منك أكثر مما تتخيل. في عالم يسكنه الشك والغموض قد تكون الآلة هي الوحش وربما الجدة نفسها مصدر الخطر، ولنا في حكاية "ذات الرداء الأحمر" عبرة، التهم الذئب الجدة ليستدرج "ذات الرداء الأحمر".

الصور: حسابات الأفلام على السوشيال ميديا.