فيلم "Here".. توم هانكس وروبن رايت وتجربة سينمائية فريدة عن دفء المكان وحركة الزمان!
في فيلم "Here" (هنا) سرد لحكاية الزمن بعيون وزاوية كاميرا لا تبرح مكانها، تجربة سينمائية مبتكرة بعيون كاميرا تبدو مثل كاميرا المُراقبة؛ لا تر إلا زاوية واحدة مُثبتة في مكان واحد تُتابع الزمن بحياد، تمر العصور والفصول وحيوات العديد من البشر، والكاميرا باقية في نفس المكان؛ شاهد بصري على حركة الزمن؛ المكان أو "هنا" كما في عنوان الفيلم راسخ أمام حركة البشر والزمن، "هنا" المكان باقِ وقاطنوه عابري سبيل، ومتفرج السينما هو الجمهور، وكل مُتفرج يعيش "هنا" الخاصة به.
غرفة المعيشة!
فيلم (هنا) هو عمل درامي من إخراج "روبرت زيميكس"، يستند إلى الرواية المصورة التي تحمل نفس الاسم للكاتب "ريتشارد ماكجواير". يجمع الفيلم بين "توم هانكس و"روبن رايت"، الذين تعاونا سابقًا في فيلمForrest Gump" " (فورست جامب، 1994)، والكيمياء بينهما حاضرة بقوة وأحد عناصر جاذبية الفيلم.
على الرغْم من تعدد القصص الذي لا يربط بينها سوى عنصر المكان الثابت، إلا أن قصة ريتشارد "توم هانكس" ومارجريت "روبن رايت" تطغى على الحكايات الأخرى، تبدأ بتعارفهما في سن المراهقة وتمتد عقود من الزمن تتخللها تطور علاقتهما إلى الزواج والعيش مع أسرة الزوج، وارتباط ريتشارد العميق بمنزل أسرته، وتملصه الدائم من رغبة مارجريت في الإنتقال إلى منزلهما المستقل.
تبقى حبكة ريتشارد ومارجريت الأكثر حميمية ودفئًا في الفيلم وحكاية الأبُ آل "بول بيتني" وروز "كيلي رايلي"؛ الجندي العائد من الحرب يسعى لحياة مُستقرة بصحبة زوجته. نُتابع في شاشات صغيرة مشاهد من حكايات أخرى عن أشخاص عاشوا في نفس المكان في عقود سابقة وعقود لاحقة، شذرات حكايات من الماضي ومن المستقبل، لا يربط بينها شيء سوى المكان، ولمحات من موسيقى وطرز عصور مُختلفة، استعراض لتنوع حركة الزمن ومشاعر أنموذجات اجتماعية في غرفة معيشة تُطل على شارع هاديء.
الكادر الواحد!
تقنية التصوير في فيلم "Here" تعد من أبرز عناصره وربما تعبر عن سعي المخرج لاستخدام وسيلة سينمائية مُبتكرة للسرد، هي طريقته للتعبير عن ثبات المكان وحركة الزمن وتأثيرهما على البشر، يرتبط الإنسان بالمكان كما في حالة ريتشارد، هو مسرح الذكريات والمأوى الآمن من الخارج الغامض المُقلق.
جمعت شاشة الفيلم المشاهد الزمنية المُختلفة بواسطة إطار واحد؛ يبدأ من الأزمنة السحيقة حيث بدايات تشكل التضاريس الجغرافية للمكان، وحركة الحيوانات والطيور والبشر الأوائل. في نفس مكان لهو الأبطال مع الابنة الصغيرة اليزابيث هرولت الديناصورات مذعورة من الحمم البركانية التي تنفجر في أرجاء المكان قبل سنوات بعيدة، وتطل غرفة المعيشة على قصر صغير عاش فيه "ويليام فرانكلين" ابن "بنجامين فرانكلين" أحد الأباء المؤسسين للولايات المتحدة، وفي حقبة الأربعينيات عاش مخترع كرسي المنزل Lazy boy، وقبلهما بعقود بولين "ميشيل دوكري" وزوجها المهووس بالطيران جون "جويلم لي".
إقرأ أيضًا: في عيد ميلاده الـ68 توم هانكس يعود إلى سن المُراهَقة!
تمر الشخصيات بأزمات صحية وحروب وأوبئة حفلات موسيقية، ويعرض جهاز التليفزيون لمحات من أحداث فنية وسياسية هامة.
استخدم مدير التصوير "دون بورجس" تقنية تقسيم الشاشة لعرض لحظات من أزمنة متباينة تحدث في نفس غرفة المعيشة، كما يُلاحظ المشاهد تغير الزمن بواسطة حركة الشارع من النافذة الخلفية، وتدرج الألوان من الدفء إلى البرود للتعبير عن الماضي للحاضر، مما جعل المشاهد قادرًا على رؤية التغيرات التي طرأت على المكان عبر الزمن. هذه التقنية التي تشبه تقنية فيديوهات الشرح التعليمية ساهمت في خلق تجربة بصرية ملفتة للنظر، وإن كانت مُزعجة للمشاهد الذي يبحث على تتابع سردي متصل وليس شذرات متقطعة من حيوان شخصيات مُختلفة لا يجمع بينهما سوى المكان الذي تعاقبوا على سكناه.
علاقات عائلية!
اعتمد الفيلم على تقنيات التزييف العميق الذي أعاد "توم هانكس" و"روبن رايت" لسنوات المراهقة، وتدرجت معهما في العمر حتى سنوات الكهولة، وإلى حد بعيد كانت مُتقنة.
الأداء التمثيلي في "Here" يعدّ من أبرز نقاط القوة في الفيلم. قاد توم هانكس وروبن رايت العمل ببراعة، معتمدين على خبرتهما الطويلة وتعاونهما السابق الناجح. استطاع هانكس تقديم شخصية معقدة تتنقل بين مراحل عمرية مختلفة، حيث اعتمد على لغة الجسد الدقيقة ونبرة الصوت للتعبير عن التغيرات النفسية والعاطفية عبر الزمن.
روبن رايت أضافت عمقًا عاطفيًا للشخصية النسائية الرئيسة، حيث استطاعت نقل مشاعر الحب والخسارة والأمل بأسلوب طبيعي وجذاب. مع أنّ التحديات التي واجهتها الشخصيات في أثناء التصوير، بما في ذلك استخدام تقنية تقليل العمر الرقمي، تمكن الثنائي من تقديم أداء مقنع يظهر التحديات الزمنية التي يواجهها الإنسان.
الأدوار الأخرى الداعمة ساهمت في صناعة أجواء المكان الحميمية، وتعزيز حالة الفيلم، وأبرزها أدوار والدي آل "بول بيتني" وروز "كيلي رايلي"، وحملت قصتهما الصعود والهبوط وتعقيدات العَلاقة الزوجية.
إقرأ أيضًا: تأثير الإلهام: كيف غيّرت نصيحة توم هانكس حياة أوستن باتلر؟
السيناريو والمكان!
الحبكة في فيلم "Here" بسيطة إلى حد بعيد، عدة حكايات نمطية عن العلاقات الزوجية، تعتمد على السرد غير الخطي، حيث تُروى القصة عبر مشاهد متداخلة من الماضي والحاضر والمستقبل، تم تصميم السيناريو ليربط بين الأزمنة المختلفة بطريقة تظهر الترابط بينها، وتُبرز المكان الثابت كبطل رئيس يحتوي كل صخب الحياة وحركة الزمن وتعقيد المشاعر الإنسانية.
كتب السيناريو كل من "إريك روث" و"روبرت زيميكس"، مستخدمين أسلوبًا حواريًا عاطفيًا بسيطًا. يحمل الفيلم قدر من الدفء والفلسفة والإبداع في المضمون، ولكنه يُعاني تشتت سرد الحكايات المتنوعة للشخصيات، وتعقيد البناء الزمني وبعض السطحية في الحبكة الرئيسة للأبطال؛ فقد هدف السيناريو إلى صياغة مشاعر الحب والغضب والمرض والفقد والتمرد والمرض والحزن وغيرها من المشاعر، واستخدم حكايات يومية عادية وردود أفعال نمطية للتعبير عن روتين الحياة اليومية، وهي مُغامرة سببت بعض الملل للمُشاهد الباحث عن السرد التقليدي.
الصور من حساب الفيلم على منصة X "تويتر"