دينزل واشنطن

فيلم "Gladiator II".. كيف نجا دينزل واشنطن من نسخة ريدلي سكوت الباهتة؟!

إيهاب التركي
5 ديسمبر 2024

يُقال إن نجاح فيلم "Gladiator" الذي صدر عام 2000 دفع صُناع الفيلم إلى التفكير في إنتاج جزء ثانٍ، يجمع نفس أبطال الجزء الأول ومن بينهم "راسل كرو". وكان على المُصارع أن يعود من الموت بحل خيالي من وحي الميثولوجيا القديمة، ويواصل القتال بعد أن أصبح خالدًا، ويقفز في الزمن إلى صراعات القرن العشرين. هذه الفكرة حملت مزيجًا من الجنون والسخافة، ورُفضت وقتها بالطبع، ومر حوالي ربع قرن من الزمان وأصبح الجزء الثاني حقيقة واقعة تُعرض على شاشات السينما العالمية.

مُصارع آخر!

أزمة الأجزاء الثانية من الأفلام الناجحة هي المقارنة مع الجزء الأول؛ حيث تنشأ حالة تربص مُتوقعة من المتفرج المتحيز للفيلم الأصلي؛ إذ يجد الجزء الثاني يفتقد الكثير من عناصر جمال الجزء الأول، ولا يرتقي إلى قوته وجاذبيته. فيلم Gladiator II "المُصارع 2" هو استطراد لملحمة الجزء الأول، دون بطله الرئيس "راسل كرو" أو ماكسيموس، المُقاتل الذي فقد حياته بعد أن عانى الظلم وصارع من أجل حريته وسعى للانتقام. طريقه لتحقيق هدفه بدأ من الكولوسيوم؛ المدرج الذي يجتمع فيه العامة وعلية القوم لمشاهدة ألعاب صراع المُجالدين من أجل البقاء. هناك يدور نزالهم أمام بعضهم البعض أو في مواجهة الحيوانات المفترسة. تلك المباريات الدموية جزء من عالم الترفيه الوحشي الذي عكس صورة روما القديمة.

مشهد من فيلم Gladiator II
Gladiator

فيلم "المُصارع 2" هو تكملة طال انتظارها للفيلم الملحمي. كتب سيناريو الفيلم "ديفيد سكاربا"، وعاد المخرج "ريدلي سكوت" لسرد القصة بعد حوالي 16 عامًا من أحداث الجزء الأول ليأخذنا مرة أخرى إلى عالم روما القديمة، حيث يستشري فيها الفساد السياسي، ويحكمها الإمبراطوران التوأم؛ جيتا "جوزيف كوين" ضعيف الشخصية وكاراكالا "فريد هيتشينجر" الذي يُعاني خللًا عقليًا، ويجمع بينهما حب العنف وألعاب الكولوسيوم العنيفة. في الوقت ذاته يُسيطر ماكرينوس "دينزل واشنطون" مدير حلبة ألعاب المُجالدين على عقلية القصر الإمبراطوري، ويصل هانو "بول ميسكال" حلبة الكولوسيوم أسيرًا بعد معركة انتصر فيها القائد العسكري الروماني أكاسيوس "بيدرو باسكال" وتسبب في قتل زوجة هانو.

 

أكشن في روما!

الجزء الجديد مزيج درامي مثالي من الفساد السياسي والقمع والحب والفقد والانتقام والألعاب الدموية والبحث عن الابن المفقود؛ كلها عناصر فيلم ملحمي حاول المخرج "ريدلي سكوت" بواسطتها خلق أعجوبة سينمائية جديدة. حيث يركز العمل على لوشيوس، ابن ماكسيموس ولوسيلا "كوني نيلسن"، ورحلته في عالم المصارعين، وهو الخط الدرامي الذي يُخفي في أعماقه مزيجًا معقدًا من الانتقام والتمرد والغضب.

يخلو الفيلم من الملل؛ فقد حرص "ريدلي سكوت" على تقديم جرعات مفرطة القوة من المعارك ومشاهد القتال وألعاب الكولوسيوم. بالرغم من ذلك، يبدو الفيلم تكرارًا باهتًا للجزء السابق. نفس الخيوط الدرامية التي تدور حول البطل النبيل الذي يجد نفسه - بعد خيانة أو هزيمة - عبدًا في ساحة مصارعة دموية، ينتصر فيها بفضل شجاعته ومهاراته القتالية، ويسعى للانتقام وإثارة الشعب ضد الثُلة الحاكمة.

مشهد من فيلم Gladiator II
مشهد من فيلم Gladiator II

لا تُقدم النسخة الجديدة إبداعًا على مستوى الحبكة وصراع الشخصيات، لكنه يتميز بمشاهد قتالية مذهلة ومعارك ملحمية تستلهم روح روما القديمة بشكل يميل إلى الإفراط في العنف والمجون. تصوير المعارك وزوايا الكاميرا وتصميم المجاميع وخدع الجرافيك ميزت الفيلم. مشاهد الأكشن تسود حالة الفيلم الذي جاءت مشاهده الدرامية والإنسانية أكثر خفوتًا وأقل عمقًا، خاصة علاقة لوشيوس وأمه لوسيلا. ورغم ذلك، نجح "ريدلي سكوت" في صنع قصة حب مؤثرة بمشاهد قليلة وحوار محدود في بداية الفيلم بين لوشيوس وزوجته أريشات "يوفال جونين".

إقرأ أيضًا: "Gladiator II" فيلم العودة بعد 24 عاماً مع بداية قوية وأرقام خيالية

ماكرينوس الماكر!

قدم "بول ميسكال" شخصية "لوشيوس" بأداء جيد، وأظهر تطور شخصية زوج شاب مُحب بسيط إلى محارب شرس غاضب يسعى للانتقام، يفتقر بالطبع إلى كاريزما وعاطفية "راسل كرو"، ولا يستطيع أن ينافس أداء "دينزل واشنطون".

Gladiator II

مشهد من فيلم Gladiator II
مشهد من فيلم Gladiator II

قدم "دينزل واشنطون" الأداء الأقوى في الفيلم بواسطة تصويره شخصية ماكرينوس، الذي يقود مجموعة من العبيد والأسرى ويصنع منهم مصارعين يغامرون بحياتهم للترفيه عن علية القوم والجمهور العادي. وهو شخص ماكر وناعم مثل الأفعى، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته أو معرفة ما يجول بخاطره. وقد أضفى عمقًا وتعقيدًا على الشخصية، مما جعلها من أبرز عناصر الفيلم.

يمكن القول أن "واشنطن" نجح في الاستئثار بمشاهد الفيلم الدرامية القوية؛ امتلك الجاذبية والمصداقية وصنع من تفاصيل شخصيته أبعادًا وملامح للشر الماكر الهادئ الذي يُخطط للانتقام على مهل. شخصية ماكرينوس كانت الخِيار الأكثر إبداعًا وابتكارًا لو تبنى الفيلم زاويتها وصنع العمل حولها بدلًا من التكرار المتواضع لحبكة الجزء الأول.

مشهد من فيلم Gladiator II
مشهد من فيلم Gladiator II

جسد "بيدرو باسكال" شخصية الجنرال أكاسيوس وأضاف حضورًا قويًا للشاشة. جمع بين الشجاعة والتواضع والرغبة المخلصة في تخليص روما من حكامها الذين يجرونها إلى حروب بلا طائل تستنزف ميزانية الإمبراطورية وتترك الشعب يعاني الفقر والجوع. ولكن بناء شخصيته في السيناريو ضعيف وسطحي.

منحت شخصية لوسيلا قدرًا من الدفء إلى قصة يسودها رجال الحرب والسياسة والألعاب الدموية. وعلى الرغم من سعيها مع زوجها لإنقاذ روما من حكامها، إلا أن أمومتها كانت المحرك الأكبر لتصرفاتها.

مشهد من فيلم Gladiator II
مشهد من فيلم Gladiator II

قروش في الحلبة!

ساهم تصميم الصوت والموسيقى التصويرية والمونتاج في إضافة أبعاد أكثر رصانة وقوة للتجربة السينمائية. استخدام CGI كان متقنًا، مما أضاف عمقًا وثراءً للتجربة البصرية، على الرغم من بعض المشاهد الغريبة التي لا تتسق مع الأجواء العامة التاريخية للفيلم، ومنها توليد أنواع غريبة من قردة البابون وإطلاقها على المصارعين في الحلبة، وتحويل الكولوسيوم إلى بركة ماء صناعية مليئة بأسماك القرش المفترسة من أجل محاكاة ظروف معركة بحرية قديمة.

مشهد من فيلم Gladiator II
مشهد من فيلم Gladiator II

مثل هذه المشاهد الاستعراضية بصريًا قللت من قيمة الحبكة الكلاسيكية وعقدت من بساطة الدراما، وخلقت حاجزًا باردًا بين المتفرج وبين ما يراه؛ وغاب التعاطف بينه وبين الشخصيات، وبدا الأمر مثل متابعة ألعاب فيديو جيم مسلية، شيء يفعله المتفرج بعقله بغرض تسرية الوقت، ولا يبقى منه شيء عاطفي يمس الوجدان.

"Gladiator II" فيلم ملحمي يضم مشاهد معارك ضخمة ومصممة بشكل جيد وبناء بصري قوي، ورغم ذلك لا ينافس الجزء الأول بل يبدو أحيانًا تكرارًا باهتًا ومبتذلًا سواء في مشاهد الكولوسيوم أو خطب البطل التحفيزية. يفتقد الفيلم العنفوان العاطفي للجزء الأول وحرارة المشاعر التي منحها "راسل كرو" بأدائه.

إقرأ أيضًا: غابت الملكة وحضر الملك تشارلز عودة Gladiator في عرضها الأول

مشهد من فيلم Gladiator II
مشهد من فيلم Gladiator II

بعد مشاهدة الجزء الثاني، طاف بخيالي خاطر عابر حول النسخة التي لم تُنفذ من الفيلم، ووجدت أنها قد تكون أقل سخفًا وأكثر إبداعًا مما قدمه "ريدلي سكوت"، أو ربما كان على "ريدلي سكوت" الصمت بعد صناعته أسطورة ماكسيموس احترامًا لشجاعته وإنسانيته وحكايته الخالدة.