![فيلم "الهوى سلطان"](https://static.hiamag.com/styles/1000x1000/public/2024-12/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%89%20%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%20%282%29.jpg?h=4e582e05)
فيلم "الهوى سلطان".. رومانسية الإنكار العاطفي والحب غير الناضج!
تتنوع تعقيدات العلاقات العاطفية؛ ولهذا هي مادة ثرية لحبكات السينما، وعلى الرغم من ميل المجتمع العربي عمومًا للموضوعات العاطفية، إلا أن السينما أغرقت الشاشات بتسونامي الأعمال الكوميدية التجارية، ولجأ الجمهور الباحث عن الرومانسية للأغاني التي لم تخيب ظنه. فيلم (الهوى سلطان) لكاتبته ومخرجته "هبة يسري" صنع دخولًا مفاجئًا على الحالة السينمائية الكوميدية، وقدم قصة رومانسية لها خصوصيتها، وقد استعان بكم مكثف من أَغَانٍ "جورج وسوف" و"بهاء سلطان" وغيرهم لتكثيف مشاعر الشخصيات وتلوين حالتها المزاجية، وعوضت الأغاني الموجودة في الفيلم بإفراط غياب جمل الحِوَارالشاعرية المنمقة المعتادة في هذه النوعية من الأفلام؛ وذلك لأن شخصيات الفيلم الرئيسة مرتبكة ولا تجيد الكلام.
مشاعر بلا تصنيف!
استغرقت بعض الوقت لأحدد نوع الرابط بين أبطال فيلم (الهوى سلطان) علي "أحمد داود" وسارة "منة شلبي"؛ هل هما أقارب؟ خطيب وخطيبته؟ زوجان عُقد قرانهما ويبحثان عن منزل الزوجية؟ لماذا يقضيان كل وقت فراغهما معًا؟ بعد مشاهد غير قليلة، يتضح أنهما ثنائي تعارفا وهما أطفال وبينهما صداقة عميقة وارتباط زائد، لا يُمكن وصفه بعلاقة رومانسية كاملة لأنهما يرفضان الاعتراف بذلك. تجمدت عَلاقة سارة وعلي داخل روتين العشرة اليومية، وعلى الرغم من نضجهما عمريًا، ظلت علاقتهما الحقيقية سجينة ونس الصداقة.
شاهد أيضًا: إنجاز جديد بعد تصدره في مصر.. ماذا حقق فيلم "الهوى سلطان" في شباك التذاكر السعودي؟
![فيلم "الهوى سلطان"](https://static.hiamag.com/inline-images/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%89%20%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%20%281%29.jpg)
هذه ليست مواصفات عَلاقة رومانسية مألوفة دراميًا، بل مواصفات مرض نفسي ينشأ نتيجة الارتباك العاطفي وإنكار عَلاقة الحب المتبادلة بين الاثنين فعلًا، داخلهما رعب يمنعهما من نقل علاقتهما إلى مستوى آخر يُفسد علاقتهما المرضية.
شعرت أن علي وسارة في حالة تحتاج إلى علاج نفسي عاجل؛ لفك خيوط مشاعرهما التي التفت حول نفسها وتعقدت، خاصة أن من حولهما من أهل وأصدقاء لم يتدخلوا لتوجيههما إلى طريقة ناجحة للخلاص من حالة الارتباط العاطفي الملتبس الذي يعيشانه. لقد تكاملت عَلاقة علي وسارة حتى أصبح من الصعب عليهما تفكيكها وإعادة تكييفها من جديد، وهما في حاجة لصدمة لإجبارهما على ذلك.
![فيلم "الهوى سلطان"](https://static.hiamag.com/inline-images/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%89%20%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%20%2810%29.jpg)
قبل المجتمع القريب منهما علاقتهما بشكلها غير الناضج، وحاولت الكاتبة والمخرجة "هبة يسري" تولي مهمة علاجهما بطريقة سينمائية بعيدًا عن كرسي الطبيب النفسي، وعرضتهما لضغط هائل لاختبار مشاعرهما العاطفية مع أشخاص آخرين. ولأن المرجع العاطفي لسارة هو علي والعكس، تتحول عَلاقة سارة ورامي "أحمد خالد صالح"، وعلاقة أحمد داود وليلى "جيهان الشماشرجي" إلى عبء نفسي هائل يضغط على مشاعرهما الهشة بقسوة؛ فسارة أصبحت تبحث عن علي وهي بصحبة رامي، وعلي يبحث عن سارة وهو يجاري ليلى وشلتها.
اقرأ أيضًا: عوامل تجعل فيلم "الهوى سلطان" أكبر المفاجآت السينمائية
![فيلم "الهوى سلطان"](https://static.hiamag.com/inline-images/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%89%20%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%20%289%29.jpg)
كود الطبقة الوسطى!
بنى فيلم "الهوى سلطان" قصته على عَلاقة غير مألوفة في أوساط الطبقة المتوسطة؛ صداقة تمتد منذ الطفولة حتى سن الشباب بين سارة وعلي، يقضي كل منهما أغلب وقته بصحبة الآخر، بينهما عَلاقة عميقة وتفاهم كبير وتفهم أكبر، إلا أنهما يقصيان من علاقتهما الحب بمعناه الناضج، يكتفي كل منهما بهذا الاستمتاع بونس الصداقة المجرد من الشهوات.
تُعرض هذه العَلاقة بتفاصيلها أمام رقابة الجمهور والمجتمع المتحفظ، خاصة أنها عَلاقة تدور في عالم الطبقة المتوسطة، وتخضع لكوده الأخلاقي. وأنا لا أتحدث عن تناول الدراما بأحكام أخلاقية، ولكن التناغم المفقود في بناء عالم ومجتمع سارة وعلي والطبقة الوسطى بشكلها المألوف في الواقع.
![فيلم "الهوى سلطان"](https://static.hiamag.com/inline-images/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%89%20%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%20%284%29.jpg)
يصعب تخيل مثل هذه العَلاقة في هذه الطبقة المتحفظة للغاية. سارة فتاة موظفة وتعيش وحيدة في شَقَّة مستقلة، قاطعت والدها الأرمل بعد زواجه من امرأة أخرى، تقضي معظم وقتها بصحبة صديق شاب هو رفيقها وصديقها الوحيد. المتفرج يعلم أن علاقتهما بريئة، ولكنه سيرفضها غالبًا.
دار بخيالي أن كاتبة ومخرجة الفيلم ربما صاغت القصة في أجواء تلك الطبقة عمدًا لأنها الطبقة الأكثر جاذبية لجمهور السينما والتليفزيون؛ لأنها طبقة غالبية المجتمع المصري. لنتخيل مثلًا نفس القصة تدور بين شاب وفتاة يعيشان في مجتمع الطبقة العليا، لن تكون مؤثرة بهذا القدر الذي حدث في حكاية سارة وعلي من الطبقة المتوسطة؛ حيث ديكورات المنازل العادية، والشخصيات المألوفة غير المميزة، وذكريات عائلية تتشابه في أغلب العائلات، وأغاني بهاء سلطان وجورج وسوف وشيرين جزء من الثقافة العاطفية لجيل سارة وعلي وأكثر قربًا من أجواء بيئته وطبقته.
![فيلم "الهوى سلطان"](https://static.hiamag.com/inline-images/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%89%20%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%20%286%29.jpg)
علاقات مرتبكة!
تميل "هبة يسري" إلى نوعية السرد البعيد عن الحبكة التقليدية لقصص الحب. تتطور الأحداث ببطء وبلا قفزات درامية أو ألوان متناقضة، سرد هادئ مفعم بالمشاعر والتفاصيل الصغيرة والحوار الخام الخالي من الجمل المكتوبة بعناية. تتكسر الجمل على أفواه شخصيات لا تجيد الكلام.
تلجأ سارة إلى كتابة رسالة ورقية موجهة إلى حبيبها "أحمد خالد صالح" لتعبر عن مشاعرها الحقيقية نحوه، والمُدهش أنه رد عليها برسالة مماثلة مصحوبة بهدية. هذه الوسيلة الرومانسية القديمة تحمل نوعًا من الحنين للوسائل القديمة للتعبير، بعيدًا عن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. الرسالة الورقية تحمل جزءًا من شخصية الإنسان؛ خطه وآثار لمساته للورق والمغلف الذي يحمل اسم المرسل إليه، واستخدامها للتواصل يبدو لطيفًا ويعبر عن حنين للقديم، ويتماشى مع مزاج الشخصية التي تعيش بمفردات الماضي.
![فيلم "الهوى سلطان"](https://static.hiamag.com/inline-images/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%89%20%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%20%287%29.jpg)
يمكن توقع أحداث الفيلم ونهايته من مسار عَلاقة سارة وعلي؛ تلجأ سارة إلى البدء في عَلاقة حب بشاب معتد بنفسه رامي "أحمد خالد صالح"، في الوقت الذي يهرب علي إلى عَلاقة بفتاة جميلة من الطبقة العليا ليلى "جيهان الشماشرجي". كلاهما وصل إلى سقف علاقتهما المصطنع وبدأ يبحث عن العَلاقة الأكثر نضجًا بشخص آخر، وهذا الاختبار يضغط بشدة على سقف علاقتهما المزعوم ويزعزع استقراره.
![فيلم "الهوى سلطان"](https://static.hiamag.com/inline-images/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%89%20%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%20%285%29.jpg)
شخصيات ومشاعر!
كاميرا "نانسي عبد الفتاح" رسمت بكادرات جميلة عالم الشخصيات وتسكعهما اليومي بصحبة بعضهما البعض أو بعض الأصدقاء، مشاهد تدور في الشوارع ومنازل الطبقة الوسطى والطبقة العليا التي تنتمي إليها ليلى. حضور "سوسن بدر" في دور أم علي أضاف لمسة من خفة الظل، وقدم "عماد رشاد" والد سارة مشاهد صغيرة حملت قدرًا مكثفًا من مشاعر الأبوة الجريحة.
أزمة سارة وعلي النفسية أثرت على ستايل الفيلم. مشاهد العمل تغرق في تصوير تفاصيل لحظاتهما معًا بقدر كبير من الحب والتلقائية، تغلفها بالأغاني العاطفية والموسيقى وأحيانًا لحظات الصمت الطويلة. جزء كبير من نجاح هذه المشاهد يعود إلى تلقائية "منة شلبي" و"أحمد داود" والكيمياء بينهما، وقدرة المخرجة على توظيف أدواتها السينمائية بحساسية مرهفة.
![فيلم "الهوى سلطان"](https://static.hiamag.com/inline-images/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%89%20%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86%20%282%29.jpg)
جسد كلا من البطلين شخصيات عنيدة ومرتبكة في حالة تخبط ببراعة؛ جسد "أحمد داود" شخصية الشاب علي بقدر كبير من مشاعر الحيرة والتخبط، ملامحه ولغة جسده تعبر عن عدم الثقة والارتباك، عيونه تفضح مشاعره المضطربة وعدم نضجه، وعلى العكس تبدو سارة متصلبة وعصبية وتخفي هشاشة مشاعرها خلف قناع العناد الطفولي والحدة. كلاهما يتخفف من سلوكياته المضطربة ويبدو طبيعيًا حينما يتناول الدواء الملائم، وهو علاقتهما الآمنة المهدئة التي تحمل تاريخًا من التفاهم والاهتمامات المشتركة والقدرة على بث السكينة والسعادة في نفوس بعضهما البعض.
الصور من تريلر الفيلم.