ما يطلبه الجُمهور.. الأعلى في شباك إيرادات 2024: حبكات مكررة وإعادة وأنيميشن! 

ما يطلبه الجُمهور.. الأعلى في شباك إيرادات 2024: حبكات مكررة وإعادة وأنيميشن! 

إيهاب التركي
17 ديسمبر 2024

يتكرر بين الحين والأخر هجوم بعض الفنانين على أعمال زملائهم بدعوى أنها أعمال لا تحمل رسالة، مؤخرًا مثلًا هاجم الفنان الكوميدي المُخضرم "لطفي لبيب" زميلة "محمد سعد" واتهمه بتقديم أفلام لا تحمل رسالة، وهي نظرية مغلوطة تتردد بين العامة وللأسف الشديد يتبناها بعض نجوم الفن دون إدراك لتهافتها؛ فقيمة الفن تكمن في جماليات صنعته وإبداعه حتى لو كان الترفيه البحت، وقد تكون أغلب أفلام "محمد سعد": متواضعة فنية ولكنها أوصلت رسالتها الترفيهية الكوميدية بدليل إقبال الجُمهور على الكثير منها، وهناك أفلام عدّة مليئة بالرسائل المباشرة وأخفقت في تحقيق إيرادات؛ لأنها لم تُمتع الجُمهور؛ وهذا يصك قاعدة ذهبية في عالم السينما وهي أن الترفيه يأتي أولًا ثم يأتي كل شيء لاحقًا.

f

الأنيميشن يتفوق!

تاريخ السينما يؤكد تلك النظرية؛ فمعظم الأعمال التي أبدعها "شارلي شابلن" أيقونة السينما الكوميدية خاصة الأعمال الصامتة القصيرة لم تحمل أي رسائل أو مواعظ، ومع ذلك ظلت خالدة بسبب تفوق عناصرها الإبداعية والفنية.

تحليل شباك تذاكر السينما العالمية يؤكد أن الجُمهور يُقبل على الترفيه الخالص والمضمون البسيط، ومليارات الدولارات التي أنفقها على أفلام بعينها خلال عام 2024 يؤكد ذلك.

بإيرادات تقترب من 1.7 مليار دولار احتل فيلم ""Inside Out 2 "قلبًا وقالبًا 2" عرش إيرادات السينما الأمريكية محليًا وعالميًا هذا العام؛ الفيلم يستكمل حكاية رايلي، الطفلة التي بدأت تدخل عالم المُراهقة، ويرصد مشاعرها المتناقضة المُرتبكة بواسطة سيناريو عاطفي ومُبتكر، تُجسد مشاعرها شخصيات تتخذ هيئة كاريكاتورية تعيش داخلها حياة كاملة، كأنهم فريق يدير عواطفها ويتصارع كل منهم للسيطرة على وجدانها وانفعالاتها. 

f

يُشير نجاح الفيلم الساحق إلى أن رسوم الأنيميشن والقصص العائلية العاطفية هي الأكثر نجاحًا على المستوى التجاري والفني؛ وجاءت ترجَمة هذا النجاح في ترشيحه لجائزتي جولدن جلوب كأفضل فيلم وأفضل عمل سينمائي حقق إيرادات، وهي جائزة حديثة تؤكد تقدير المؤسسات المانحة لجوائز السينما لقيمة الإيرادات في ترسيخ استمرارية الصناعة.

نجاح الجزء الثاني من فيلم Inside Out ليس استثناء بمقياس شباك التذاكر الأمريكي والعالمي؛ فقائمة أكثر 10 أفلام تحقيقًا للإيرادات هذا العام تضم أربعة أفلام أنيميشن هي: "Inside Out 2" "قلبا وقالبا 2" (1,7 مليار دولار) و "Despicable Me 4""أنا الحقير 4" (969,5 دولار) و "Moana 2""موانا 2" (610,8 دولار) و "Kung Fu Panda 4""كونج فو باندا" (547,6 دولار).

تقترب الأفلام الأربعة من تحقيق أربعة مليارات دولار من العرض السينمائي عالميًا، وهذا مؤشر نجاح هذا النوع وجاذبيته لجميع الأعمار؛ فقد نجحت هوليوود في ابتكار تركيبة درامية تُناسب الكبار والصغار، تحمل في تفاصيلها قدر من الأفكار الفلسفية والاجتماعية الممزوجة في المبالغات الكوميدية والرسوم المتحركة الجذابة.

حكايات جديدة قديمة!

النوعيات الأخرى من الأفلام التي حققت إيرادات كبيرة في شباك التذاكر هذا العام تتراوح بين مغامرات السوبر هيروز؛ مثل فيلم "Deadpool & Wolverine" "ديدبول وولفرين" (1,3 مليار دولار)، وأفلام الفانتازيا؛ مثل "Wicked" (472 مليون دولار) و"Beetlejuice Beetlejuice" (451 مليون دولار) و""Dune: Part Two (714 مليون دولار) و"Godzilla x Kong: The New Empire" (571 مليون دولار).

الفيلم الوحيد الذي يعد استثناء للقاعدة السابقة في قائمة العشرة هو فيلم الكوارث "Twisters" "أعاصير" وحقق (370 مليون دولار)؛ فهو دراما خدع بصرية وسمعية تتناول مغامرة فريق من العلماء لرصد وتوثيق الأعاصير عن قرب، ورغم أنه عمل واقعي بعيد الأجواء الخيالية فإنه أيضًا يقدم للمشاهد تجرِبة معايشة كارثة طبيعية بتفاصيل مثيرة تقترب إلى الخيال.

أغلب الأفلام في تلك القائمة أجزاء جديدة لأعمال ناجحة سبق تقديمها خلال السنوات السابقة أو إعادة لأفلام قديمة أصبحت بحكم الزمن من الكلاسيكيات؛ وهذا الاتجاه بدأت تتبناه هوليوود بكثافة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، ولجأت كثير من الاستديوهات إلى البحث في أرشيفها القديم عن أعمال سابقة ناجحة لن تحتاج مجهود لتعريف الجُمهور بها.

f

خيال وكوميديا!

تتميز الأفلام المُتصدرة لشباك التذاكر بذكاء اختيار الحبكات والمعالجات الفنية المُلائمة لذوق الجُمهور المُعاصر؛ فيجمع فيلم "ديدبول وولفرين" بين شخصيتين من عالم مارفل؛ ديدبول السوبر هيرو خفيف الظل ويجسده "ريان رينولدز" وشخصية ولفرين التي يؤديها "هيو جاكمان"، انه لقاء لا يخلو من ندية وذكاء واكشن وكوميديا، وهي توليفة ناجحة لمحبي أفلام هذا العالم وشخصياته.

فيلم "كثيب" في الجزء الثاني يستمر في سرد حَلْقة جديدة من حَلْقات رواية الكاتب "فرانك هربرت" الشهيرة، وهي تدور في عالم مستقبلي بعيد تتصارع قبائله الصحراوية فيما بينها، وحبكة القصة تحمل كثير من الخيوط الدرامية القوية والتشويق وتفاصيل العالم والشخصيات جذابة للغاية وترسم عالم مبتكر شديد الخصوصية، ويبدو أن سلسلة الأفلام تسير على نهج الرواية في تحقيق نجاح جماهيري كبير.

بعد 36 عامًا من إنتاج الكوميديا السوداء "Beetlejuice" "بيتلجوس" يعود المخرج "تيم بيرتون" إلى عالم الماورائيات ويُقدم حكاية جديدة تجمع بطل الفيلم الأول ""Beetlejuice Beetlejuice "مايكل كيتون" و"جنا أورتيجا"، بطلة مسلسل "Wednesday" "وينزداي" في دور أستريد، ابنة ليديا "وينونا رايدر"، وتتسبب الابنة في فتح بوابة العالم الأخر عن طريق الخطأ؛ مما يتسبب في عودة شخصية بيتلجوس لعالم الواقع مرة أخرى. الفيلم جزء من خُطَّة هوليوود لاستثمار أعمال قديمة ناجحة لإنتاج أجزاء جديدة تمنح الجُمهور المُعاصر في متابعة حكاية كلاسيكية بعناصر فنية حديثة، وهو ما نجده في أفلام أخرى في قائمة الأفلام الأكثر تحقيقًا للإيرادات.

f

المُصارع والجوكر!

تضم قائمة الأفلام التي تحتل المراكز من 11 حتى 20 أسماء 7 أفلام تُصنع كأجزاء مُتممة لأجزاء قديمة منها على سبيل المثال؛ أفلام "Joker: Folie à Deux" وهو جزء ثانِ من سلسلة أفلام "الجوكر" التي يُجسدها الممثل "واكين فينكس"، وأيضًا فيلم "Ghostbusters: Frozen Empire" وهو استمرار لسلسلة الأفلام الكلاسيكية الشهيرة "صائدو الأشباح"، وفيلم الأكشن والكوميديا "Bad Boys: Ride or Die" وهو الجزء الرابع من سلسلة أفلام "بايد بويز" التي بدأت قبل ربع قرن وكانت موضة في حِقْبَة التسعينيات وتُقدم ثنائية رجلي الشرطة اللذان يجمع بينهما العمل والصداقة الشخصية، والفيلم يُعد عودة قوية للممثل "ويل سميث" بعد حادثة صفع زميله "كريس روك" في حفل أوسكار عام 2022 التي تسببت في خفوت نجوميته وابتعاده عن الأضواء مدّة من الزمن.

تضم القائمة أفلام أخرى مثل "Kingdom of the Planet of the Apes" الذي يُكمل حكاية "كوكب القرود" بعد سنوات من وفاة القرد سيزر، وفيلم ""Gladiator II الذي يُكمل أيضًا حكايات فساد روما التاريخية وحفلات المصارعة الدموية التي كانت الموضوع الرئيس للجزء الأول، وتعود حكايات الكائنات الفضائية في جزء جديد من سلسلة "فضائي" حمل عنوان ""Alien: Romulus، وهو الفيلم التاسع في نفس السلسلة التي بدأت عام 1979 مع المخرج "ريدلي سكوت".

f

بمراجعة بسيطة نكتشف أن 18 فيلم في قائمة أكثر 25 فيلم تحقيقًا للإيرادات عالميًا في 2025 هي أجزاء مُتممة لأفلام سابقة أو إعادة إنتاج لأعمال قديمة وهي نسبة كبيرة للغاية تشير إلى أن شركات الإنتاج تُنفق ميزانيتها على أعمال مضمونة النجاح، وأن قراءة تلك الشركات لذوق الجُمهور ترى أنه لا يبحث عن الجديد ويُرحب بالأفكار القديمة؛ لأنها تُحقق عناصر الترفيه الخالص وتعتمد على الكثير من الخيال والكوميديا والأكشن والقليل من الرسائل، ربما لا يبدو هذا الواقع مُشجعًا على الابتكار والتجديد، وظني أنها مرحلة مؤقتة؛ فالجمهور ملول بطبعه.

f