هل يأتي سانتا كلوز في أغسطس؟ حواديت الكريسماس وسينما المشاعر والجريمة!
لم يتخيل الكاتب البريطاني "تشارلز ديكنز"، الذي عاش ومات قبل ظهور فن السينما، أن تكون روايته القصيرة "A Christmas Carol" "ترنيمة الكريسماس" المنشورة عام 1843 هي بَذرة نوعية من حكايات فن جماهيري مستقبلي هو الأفلام، وأن تتحول ثيمة الكريسماس إلى معين لا ينضب من الحبكات الدرامية التي لا تتوقف هوليوود عن انتاجها كل عام، ولا يمل الجُمهور من مشاهدتها في قاعات العرض السينمائي أو شاشات التليفزيون. تناولت "ترنيمة الكريسماس" قصة الثري البخيل سكروج، وهو شخص قاسِ ومنفر وبخيل المشاعر، يعيش وحيدًا ويكره الكريسماس وأجواء عيد الميلاد، تزوره أشباح ضحاياه لتأخذه عَنْوَة إلى رحلة عبر الزمن؛ لنتعرف إلى أسباب تحوله من شاب لطيف إلى عجوز ناقم كريه.
حواديت نهاية العام
تُعد أعياد الكريسماس واحدة من أكثر الأوقات احتفاءً بنهاية عام وبداية عام جديد في الثقافة الشعبية الغربية والعالمية، وتحمل الأعياد لمحات دينية تعود جذورها إلى أن التقويم الميلادي يبدأ بميلاد المسيح. انعكس تأثير أجواء الأعياد بمجموعة من الحواديت والأساطير حول سانتا كلوز وهداياه التي يوزعها على الأطفال في نهاية العام، وعبرت السينما الأمريكية منذ بداياتها عن أجواء التقارب العائلي والتسامح والتفاؤل وبداية صفحة جديدة مع العام الجديد، وقد تجاوزت السينما هذه المعاني الاحتفائية لترسم على خلفية أجواء المناسبة ألوان من الحبكات المُتعددة التي تلائم نوعيات سينمائية تتناقض أحيانًا مع مضمون الأعياد وأجوائها المسالمة الوديعة.
لم يتخيل جَمهور السينما أن تصبح أجواء عيد الميلاد خلفية لحكايات جريمة وأكشن ورعب، أو أن تحتوي حواديت الكريسماس على شخصيات أكثر شرًا من سكروج، بخيل "ترنيمة الكريسماس".
صنعت هوليوود من الكريسماس لوحة جمالية ساحرة، لا تخلو من أغراض تجارية بالطبع؛ فأجواء الثلوج البيضاء وصناديق الهدايا الملونة وأضواء زينة الكريسماس وشجرة عيد الميلاد والتجمع العائلي داخل دفء المنزل والتواصل العاطفي العائلي يصنع حميمية خاصة مع المشاهد، وظهور سانتا كلوز بملابسه الحمراء والبيضاء المميزة تُلهب خيال الصغار والكبار، وتجذب هذه الأجواء بكل ملامحها الدافئة جَمهور السينما وتجعله في قاعة العرض يُتابع حكاية الفيلم كما لو كان يستمتع بسماع حدوتة خيالية حول المدفأة في ليلة شتوية باردة.
الأكشن والأعياد
هذه الأجواء تتزامن مع موسم التسوق والهدايا؛ مما يجعل صدور العديد من الأفلام في هذا التوقيت جزء من منظومة تجارية كبيرة تستفيد من احتفالات الكريسماس للتسويق لحواديت السينما، وأصبحت مُشاهدة أفلام نهاية العام جزء من طقوس الأعياد والإجازات؛ وهذا من عوامل وجود أجواء أعياد الميلاد والكريسماس في هذه الأفلام نفسها؛ فنجد مثلًا سلسلة أفلام الأكشن "Die Hard" (الموت الصعب) تدور ليلة الكريسماس، بلا هدف درامي خاص بأعياد الميلاد نفسها؛ حبكة الفيلم عن اقتحام مجموعة ارهابية مقر شركة تجارية ضخمة والاحتفاظ بالموظفين كرهائن، في الوقت الذي تواجد فيه الشرطي جون ماكلين "بروس ويليس" في نفس المبني الذي تعمل فيه زوجته؛ حيث جاء لمُصالحتها بعد مدّة خصام طويلة بينهما، ويتورط الشرطي الجريء الجامح في عملية تحرير زوجته والرهائن، وبالرغم من أجواء الحركة والإثارة يُبرز الفيلم خيط درامي عاطفي يحاول استلهام روح الأعياد، وذلك بواسطة توثق عَلاقة الزوجين في مواجهة الخطر.
لا يُمكن اعتبار فيلم مثل (الموت الصعب) من أفلام الكريسماس بالمعنى الدقيق، ولكنه أحسن اختيار الأجواء وجعل من حكاية عَلاقة الزوجين ماكلين العاطفية جزء من فكرة التسامح والبداية الجديدة.
الحب والعائلة
تحاول فتاة في العاشرة إنقاذ عائلتها بعد علمها قرار والديها بالانفصال، وذلك خلال وجودهما في عطلة بفندق جدهما في إيطاليا، وتُقنعهما بإقامة آخر احتفال بالكريسماس يضمهم وهم عائلة واحدة قبل انفصالهما، وتصر الابنة على طلبها على الرغْم من أنهما في منتصف شهر أغسطس؛ لقد حقق لها سانتا كلوز كثير من الأمنيات والآن هي في حاجة لأمنية أخيرة وهي لم شمل والديها بعيدًا عن ثلوج ديسمبر. الفيلم كوميدي بعنوان "A Sudden Case of Christmas"، ويشارك في بطولته "داني ديفيتو" و"آندي مكدويل" وبدأ عرضه في شهر ديسمبر وعُرض مؤخرًا ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر بجدة.
وقعت هوليوود في غرام أجواء الكريسماس ووجدت فيه خلفية ملائمة للعديد من أنواع الحبكات؛ الرومانسي والكوميدي والجريمة والرعب والأكشن والخيالي؛ أصبح الكريسماس وأعياد الميلاد بيئة ملائمة لجميع القصص؛ بداية من الطفل كيفن "مكولي كالكن" في "Home Alone" (وحدي في المنزل)، الطفل الذي نسيه أهله في المنزل عن طريق الخطأ، واضطر إلى العيش وحيدًا والدفاع عن منزله أمام هجمات ثنائي من اللصوص، وسرد فيلم "Love Actually" (الحب هو) مجموعة من القصص الرومانسية تدور كلها في أجواء نهاية العام، ومزج فيلم "It’s a Wonderful Life" الميلودراما بالفكاهة والخيال وجمع بين خيوط حبكات رومانسية وعائلية وصراعات نفسية، وذهب السيناريو إلى أن الحفاظ على الترابط الأسري هو القيمة الأهم في الصراع الدرامي، وجاءت أجواء الكريسماس المُبهجة كنهاية سعيدة لأزمات خانقة كادت تعصف بعائلة سعيدة. الفيلم إنتاج عام 1946 ويُعد أيقونة كلاسيكية، وأحد الأفلام المُلهمة التي تبث الأمل والتفاؤل، ورغم اخفاقه في العرض السينمائي الأول فإنه أصبح من أكثر الأفلام جاذبية لجمهور التليفزيون لاحقًا، خاصة في مدّة الأعياد.
أسطورة سانتا كلوز
اكتسبت شخصية سانتا كلوز صفات البطل الخارق، يعيش في مكانه المُنعزل في القطب الشمالي، ويأتي على مركبته السحرية التي تجرها حيوانات الرنة الطائرة؛ ليترك هداياه للأطفال ليلة العيد وهم نائمون، وبعيدًا عن هذا الدور النمطي لسانتا نموذج الكرم المُحب للأطفال منحت السينما شخصية سانتا أبعاد مختلفة عن الصورة النمطية المعروفة عنه.
في عام 1947 قدمت هوليوود شخصية سانتا كلوز في فيلم حمل عنوان ""Miracle on 34th Street (معجزة في شارع 34)، وجاءت شخصيته مزيج بين الواقع والسحر؛ فبعد استبعاد العجوز السكير الذي يؤدي دور سانتا لمصلحة أحد المحال التجارية بمُسِن آخر تسير الأمور بسلام؛ فسانتا الجديد شخص لطيف ومحبوب ومشكلته الوحيدة أنه يدعي أنه سانتا الحقيقي، وتتصاعد الأمور حينما يتهمه البعض بالجنون ويذهب إلى المحكمة حيث عليه أن يُثبت هويته ويُقنع الآخرين أنه سانتا الحقيقي.
رسالة الفيلم كانت الحث على الإيمان بالمعجزات والخيال، ونقيضًا للرفض والشك في شارع 34 حرص المِرِّيخيون على اختطاف سانتا كلوز من الأرض ليجلب فرحة الكريسماس إلى كوكبهم، وكان ذلك في فيلم ""Santa Claus Conquers the Martians (سانتا كلوز يغزو المِرِّيخ) إنتاج عام 1964، وفكرة الفيلم طريفة وأصيلة بالرغْم من رداءة تنفيذ الفيلم نفسه.
ظهر سانتا بطل خارق في فيلم "Rise of the Guardians" (نهضة الحراس) ولص متاجر في "Bad Santa" (سانتا الشرير) وظهر له شقيق يُعاني العيش مُهمشًا في ظل شقيقه المشهور في فيلم Fred Claus"" (فريد كلوز) إنتاج 2007، وتراوحت الأفلام بين الواقعية والأنيميشن والكوميديا؛ فقد أثبت سانتا كلوز أنه رجل لكل الأدوار.
رجل الثلج يذوب!
يصعب تحديد عدد دقيق لقائمة أفلام الكريسماس التي أنتجتها هوليوود منذ بدايتها، والمؤكد أن العدد بالآلاف، ولا يقل عدد أفلام هذه النوعية المنتجة سنويًا عن 20 فيلمًا كل عام، وتضاعف العدد مع بداية انتشار المنصات الرقمية. في عام 2019 أنتجت هوليوود حوالي 100 فيلم عن الكريسماس؛ ومن بين أسباب تضاعف عدد أفلام الكريسماس إلى انتشار المنصات الرقمية، وجماهيرية هذه النوعية لدى مشاهد التليفزيون، الذي سبق وأقبل على نفس نوعية تلك الأفلام بالرغْم من عدم تحقيقها إيرادات كبيرة في السينما.
لا تزل أفلام مثل "Elf" و"The Grinch" تحظى بمُشاهدات كبيرة في المنصات الرقمية، وهذا يُعزز قيمة هذه النوعية ويدفع ستديوهات السينما إلى إنتاج المزيد. في 2024 تجاوز عدد الأفلام المُنتجة عن الكريسماس حوالي 20 فيلم حتى الآن، منها أفلام حركة واقعية وأفلام أنيميشن، بعضها يستلهم روح الأعياد وقيمة العائلة والصداقة، مثل فيلم "An Almost Christmas Story" (بالكاد قصة عن الكريسماس) وهو فيلم أنيميشن انتاج "ديزني"، ويتناول قصة بومة صغيرة تختبأ داخل شجرة كريسماس داخل فندق كبير، تتخذ طفلة يتيمة صديقة لها، وتبدآن رحلة للبحث عن عائلتيهما، ويُكلف "دوين جونسون" في فيلم Red One"" (أحمر 1) بمهمة تحرير سانتا كلوز الذي اختطف وانقاذ كريسماس العام الجديد، وتستطيع كاثي الأرملة الشابة في فيلم Hot Frosty"" بحيلة سحرية تحويل رجل الثلج إلى شاب وسيم تقع في غرامه، المشكلة أن قصة حبهما لن تدوم لأن رجل الثلج يذوب بعد نهاية زمن الأعياد!