Only Murders in the Building

مسلسل "4 Only Murders in the Building".. جرائم المبني التي قتلت الكوميديا!

إيهاب التركي
12 يناير 2025

يحتاج المُشاهد أحيانًا إلى تخدير غُدة المنطق؛ حتى لا تُنغص عليه الفرجة على بعض الأعمال الدرامية بأسئلة تفتقر إلى إجابات مُقنعة. أي متابع لمواسم مسلسل الجريمة والكوميديا "Only Murders in the Building" "فقط قتلة في العمارة" سيسأل بعد نهاية كل موسم: لماذا يستمر الأبطال في السكن في مبنى يُقتل فيه شخص كل عام تقريبًا؟ كانت المرة الأولى حادث استثنائي يصعب تكراره، وبعد الموسم الثاني والثالث توقعت أن يهاجر سكان عمارة أركونيا – حيث تدور الأحداث – إلى أي بقعة بعيدة معزولة لا يصلها قتلة العمارة النيويوركية التعيسة. ما يحدث هو العكس؛ إذ يستمر سكان العمارة في حياتهم اليومية المملة، حتى تحدث الجريمة؛ ليبدأ المغامرون الثلاثة التحقيق في جرائم القتل، وهم يلقون النكات الساخرة هنا وهناك، ويأتي ضيوف الشرف من المشاهير للإقامة في العمارة على الرغْم من المخاطر.

دماء في أركونيا!

في موسمه الرابع قدم المسلسل مزيج فريد من الكوميديا والغموض بأسلوبه المعروف الذي يجمع بين الإثارة والسخرية، بالإضافة إلى رسم نفسي كاريكاتوري لأبعاد الشخصيات. عدّ هذا الموسم بمنزلة نقطة تحوّل رئيسية للسلسلة، حيث شهدت الحبكة تغييرات محورية على صعيد القصة وتطوّر الشخصيات مع استمرار التركيز على الجرائم الغامضة داخل أروقة بناية "أركونيا" الشهيرة.

دماء في أركونيا!
دماء في أركونيا!

ما يُحسب للمسلسل من ناحية الحبكة هو الاجتهاد في ابتكار جرائم قتل غامضة والتسلسل في فض طبقات الغموض تدريجيًا خلال الحَلْقات، وكعادة كل حبكة في المواسم السابقة تتوزع الشبهات على الجميع؛ مما يخلق صعوبة في تخمين القاتل الحقيقي ودوافعه. القتيلة في الموسم الجديد هي ساز "جين لينش"، المرأة المجازفة طويلة القامة، التي ترتبط بشخصية تشارلز "ستيف مارتن"؛ فهي بديلته في المشاهد الخطرة أيام التمثيل، وصديقة على المستوى الشخصي، وقتلها قناص من نافذة شَقَّة مجاورة لشقة تشارلز وكانت ترتدي ملابس تشبه ملابسه؛ ولهذا ظن الجميع أن تشارلز هو المقصود وليست بديلته.

مسلسل "Only Murders in the Building"
مسلسل "Only Murders in the Building"

رغم المود الكوميدي العام للعمل احترمت الحبكة خصائص الدراما البوليسية، ونسج السيناريو تفاصيل تعمقت في جذور الشخصيات وركزت على العلاقات المتشابكة بينهم؛ فشخصية شاز تبدو سهلة المعشر وخفيفة الظل وليست مُعقدة على الإطلاق، وهذا ما يظنه تشارلز، وقد تفاجأ أن يتعرف إلى صديقته من جديد في أثناء النبش في ماضيها، واستخدم المسلسل أسلوب الفلاش باك وهذا منح شخصية شاز مساحة ظهور جيدة طول الحَلْقات، ومنح الحبكة بعدًا سرديًا مميزًا؛ إذ ساهم التشابك الزمني في رسم ملامح الإثارة ومنح الجريمة أبعاد أكثر عُمقًا.

مسلسل "Only Murders in the Building"
مسلسل "Only Murders in the Building"

المجازفون في خطر!

غموض بعض تفاصيل حياة شاز الماضية وكذلك الجيران المشتبه بهم رفع منسوب التوتر والتشويق، ولكن الحبكة أضافت أيضًا عمقًا أخر وهو الاحتفاء بالمجازفين، وهم شخصيات تعيش في ظل الأبطال ولا يعرفهم أحد، وشاز واحدة من هؤلاء، وقد توسع هذا الموسم في تقديم عدد من ضيوف الشرف من نجوم هوليوود، ظهروا بشخصياتهم الحقيقية؛ منهم "إيفا لونجوريا" و"زاك جاليفياناكيس" و"يوجين ليفي"، وهم الممثلون الذين يحومون حول أبطال المسلسل لدراسة شخصياتهم قبل تأدية أدوارهم في فيلم سينمائي مقتبس عن وقائع أول جريمة حدثت داخل عمارة أركونيا.

مسلسل "Only Murders in the Building"
مسلسل "Only Murders in the Building"

عَلاقة ثلاثي نجوم هوليوود بأبطال المسلسل الثلاثة خلق مساحة من التشابك الكوميدي، خاصة حينما يتحرك الممثلون بملابس تشبه ملابس شخصيات شارلز "ستيف مارتن"، وأوليفر " مارتن شورت"، ومايبل "سيلينا جوميز"، وتزيد حالة العبث داخل تحقيقات الثلاثي حينما يبدأ الممثلون تقمص شخصياتهم والتدخل في تفاصيل التحقيقات.

بنى المسلسل حبكته منذ البداية على أن الثنائي شارلز وأوليفز من شخصيات هوليوود المغمورة؛ أولهما ممثل تليفزيوني متواضع أفل نجمه منذ التسعينيات، والثاني مخرج فاشل لم يُقدم عمل ناجح في برودواي، وانضمت إليهما فتاة انطوائية غريبة الأطوار، وكون الثلاثي المتناقض فريقًا لحل جريمة أركونيا الأولي واستغل شارلو وأوليفر مواهبهما الدرامية في تقديم مراحل التحقيقات بواسطة بودكاست نجح في لفت النظر.

غرابة الشخصيات الثلاثة هي وسيلتهم لتحليل شخصيات من حولهم؛ فهم يرون الأمور بنظرة ملتوية وعيون غرائبية؛ وهذا يساعدهم في النهاية على كشف غموض الجرائم بأساليب غير نمطية.

مسلسل "Only Murders in the Building"
مسلسل "Only Murders in the Building"

حضور ميريل ستريب

لا زال وجود "سيلينا جوميز" لطيفًا دون تميز خاص؛ فأدائها الفاتر يختبأ خلف أداء العملاقين "ستيف مارتن" و"مارتن شورت"، وهي تخفق في الكوميديا وفي الدراما، وربما مقارنتها بالثنائي "مارتن وشورت" ظالمًا بعض الشيء، ولكنها جزء من مثلث الأداء الرئيس للعمل.

أسلوب "ستيف مارتن" في تقديم الكوميديا الجادة بملامحه وتعبيرات الباردة ملائم للغاية لهذا النوع من الدراما المُعقدة؛ فشخصيته محملة بطبقات من المشاعر والتفاصيل النفسية التي تجعل حساباته الكوميدية دقيقة حتى لا يشعر المشاهد باستخفاف لأزماته النفسية كممثل لم يصل إلى المجد أبدًا، وأقصى نجاح حققه مسلسل بوليسي تجاري كانت بطله محقق الشرطة، وهذا أمر يمنح ميله للتحقيق في الجرائم لمسة من البحث عن نجاح قديم في واقعه المعاصر، ينتقل "مارتن" بسلاسة بين الكوميديا والميلودراما كلاعب ترابيز بارع.

حضور ميريل ستريب
حضور ميريل ستريب

لا يمكن تخيل المسلسل دون جنون أوليفر "مارتن شورت"؛ فرغم ميله للأداء المسرحي المبالغ فيه، فإنه نجح في صبغ صفات شخصية المخرج المسرحي أوليفر بجنون "مارتن شورت"، وجعل كل شيء تقوم به الشخصية منطقيًا مهما بدا جنونيًا وعبثيًا.

وجود "ميريل ستريب" أقل من الموسم الماضي وغير مؤثر فعليًا في حبكة المسلسل، ولكن حضورها جذاب في المشاهد التي تظهر بها، خاصة مشاهدها أمام "مارتن شورت"، وهي المشاهد التي تؤطرها عَلاقة عاطفية في حالة شد وجذب خفيفة الظل.

مارتن شورت
مارتن شورت

الكوميديا تتقهقر!

الكوميديا جزء رئيس من تركيبة العمل، وربما كانت - في البدايات - الحافز الجذاب على متابعة أحداث كشف غموض جريمة قتل، ومع تطور حبكات الجريمة وتشعبها أصبحت الكوميديا عبئًا أحيانًا على حبكة المسلسل؛ حلقة "وادي الدمى" على سبيل المثال كانت مفرطة في المبالغة، خاصة في أداء شخصية دورين "ميليسا مكارثي" لشخصية شقيقة شارلز، حيث ذهب بصحبة زميليه للاختباء عندها، ودورين مهووسة بالدمى وتصرفاتها جنونية ومُعقدة ولديها ماضي مُركب مع شقيقها، والمشكلة أن مشاهدها خارج السياق العام؛ وأنتجت حلقة بطيئة الإيقاع.

الكوميديا تتقهقر!
الكوميديا تتقهقر!

الكوميديا كانت تسيطر على المواسم الثلاثة الأولي، ومع نضج الحبكة البوليسية في الموسم الرابع، وتعدد طبقات السرد وتشابك ماضي الشخصيات ودوافعها أصبحت الكوميديا تحتاج خطوة إلى الخلف، والاكتفاء بأسلوب الشخصيات في علاج المشاكل، دون إضافة خيوط فكاهية لا ضرورة لها.

قهر السرد الدرامي النفسي والبوليسي حالة الإفراط في الهزل الكوميدي التي كانت من عيوب المواسم السابقة، ونضج المسلسل كثيرًا من ناحية الحبكة، ورغم ذلك لم يستطع أن يقهر هوليوود وجوائزها التي تتجاهله كل عام وتذهب إلى أعمال منافسة متواضعة، فقط لأنها بطولة شخصيات مدعومة من مانيفيستو هوليوود للصوابية السياسية.

الصور من حساب المسلسل على انستجرام.