فيلم "The Wild Robot".. لوحات فنية متحركة وحكاية برية عن أنسنة الروبوت!
تحكي أسطورة بيجماليون عن مثال بارع وحيد يكره النساء، نحت يومًا تمثال امرأة جميلة، ووقع في غرام صُنعه، وتوسل بالدعاء للآلهة لبث الروح في التمثال، وتتحقق أمنيته ويتزوجها. ألهمت الأسطورة عدد من الكتاب المعاصرين وصُناع السينما، وأبدع هؤلاء عدد من المسرحيات والأفلام تتناول فكرة بث المشاعر وتكوين علاقات إنسانية بكائنات جامدة في الأصل. يفضح هذا السلوك البحث عن تعويض المشاعر مع كائنات تُحاكي البشر، وتصور السعي الدؤوب للكمال، وتكوين عَلاقة مشروطة؛ تعتمد على أن أحد طرفيها مصنوع بمقاييس الطرف الأخر. في قصة بينوكيو حاول صانع الدمى تعويض ابنه الراحل فصنع دمية تشبهه، وحينما بُثت فيها الروح سعى للهيمنة على سلوك الطفل-الدمية ليرتقي إلى صورة الولد المثالي كما يتخيله كأب.
أمومة روز!
هذا النوع من العلاقات يُخفي خلف الحدوتة اللطيفة تعقيدات نفسية حادة، واغتراب إنساني يفضح نقمة على البشر وسلوكياتهم؛ صانع تمثال بيجماليون وصانع دمية بينوكيو شخصيات أنانية منطوية وحادة المشاعر؛ لهذه جاء صنيعهم نموذج مُحاكي لشخصياتهم ومُلبياً لرغباتهم، كم كانت صدمة صانع الدمى عظيمة حينما واجه تمرد لعبته الخشبية؛ دخول الآلة أو اللعبة عالم البشر يمنحهم الاستقلالية والاختيار.
نموذج ROZZUM unit 7134 أو الآلة "روز" (صوت لوبيتا نيونجو) هو مجرد روبوت مُبرمج على مهام نمطية مُحددة، تنجو من حادث تحطم سفينة شحن تحمل عشرات من الروبوتات الشبيهة، وعلى طريقة "توم هانكس" في فيلم (منبوذ) تُحاول الروبوت روز الاندماج في حياة البرية في غابة مليئة بالصراعات بين الوحوش الضارية والحيوانات المُسالمة اللطيفة؛ في البداية تظنها الحيوانات وحشًا شديد الْخَطَر.
التطوير الأكثر درامية في الحبكة حينما تبدأ الروبوت روز في إنشاء عَلاقة أمومية بفرخ الأوز "برايت بيل" (صوت كيت كونر)، بدأت رعايته في البداية كبيضة، خرج منها إلى العالم وظن أن روز هي أمه، هناك حقيقة ميلودرامية نعرفها مُسبقًا وهو أن أم هذا الفرخ ماتت في حادثة تحطم سفينة الشحن، وهذا يتعاظم مع مسئولية الروبوت نحو الفرخ الضعيف.
الروبوت الأليف!
أنسنة الروبوت واحدة من تيمات السينما منذ بدايتها؛ في حِقْبَة السينما الصامتة صنعت الأفلام روبوتات تُحاكي البشر، وتتطور بسرعة مُذهلة وتتجاوز فكرة أنها قواميس معلومات مُتحركة أو آلات تعمل عمل البشر دون تعب، وفكرة تطوير الروبوتات للمشاعر خيالية تمامًا وتلائم حبكات درامية تعرض أفكار إنسانية وفلسفية مثل أفكار "الروبوت البري"، إذ تتعلم روز الآلة تطوير مشاعرها بواسطة التعلم، وفي البرية لا يوجد بشر تتعلم منهم، ولكنها تُراقب وتتفاعل مع الغرائز الحيوانية لكائنات البرية، وتجد في الغابة تلخيص لكافة الصراعات والسلوكيات التي ترسم العلاقات بين الكائنات الحية؛ الصراعات والمعارك والمطاردات والفرائس إسقاط على حياة البشر بصورة ما.
العَلاقة الأكثر طرافة هي قيام الروبوت روز بدور الأم لفرخ الإوز الصغير، وممارستها لتفاصيل رعاية كائن شديد الضعف في غابة قاسية تسكنها الوحوش وقانونها القوي يلتهم الضعيف. روز روبوت مُصممة لتكون مساعدة لأي سيد يمتلكها؛ لذا هي في البداية تُحاول البحث عن سيد تخدمه، وتُحاول أن تكون مُفيدة بأي طريقة؛ فهذا هو جوهر تصميمها وبرمجتها.
شخصية روز مرسومة بصورة تجعلها آلية مثل أي روبوت وتفضح عيونها الواسعة ما يدور حولها، هي عدسات زجاجية لكاميرات تتحول بواسطة الزوايا المقربة واستخدام الألوان والإضاءة وانعكاساتها إلى مشاهد بصرية مؤثرة، يكاد الروبوت يبكي من التأثر أو الفرحة، سلوك روز في حالات الفرح يبدو بشريًا ومُحاكيًا لتلقائية حيوانات البرية.
خطر في البرية!
يتدرج أداء "لوبيتا نيونجو" الصوتي من البرودة الآلية في بداية الفيلم إلى الأداء الأكثر دفئًا وأقرب لعاطفية البشر، وهو مؤشر تحول شخصيتها الآلية المُبرمجة سلفًا، وتأثرها بالعالم الجديد الذي بدأت تتعلم تفاصيل بمستوى مواز لمعلوماتها العامة عن حياة البرية.
يقوم الثعلب فينك (صوت بيدرو باسكال) في القصة بدور محوري في تعريف شخصيات الغابة وقوانينها لروز؛ أبوسوم الفأر البري بينكتيل (صوت كاثرين أوهارا)، والدب ثورن (صوت مارك هاميل)، والقندس بادلر (مات بيري) هم أهم شخصيات القصة، ومن خلالهم تُدرك روز أن الغابة مكان مُرعب ومُخيف، حتى فينك المكار لا يستطيع السيطرة على طبيعته المتوحشة على الرغْم من صداقته للروبوت روز.
جوهر الحبكة يتجاوز رعاية الفرخ الصغير إلى ترويض وحوش الغابة وهي مهمة صعبة للغاية، وأمام الخطر الذي تُمثله شركة Universal Dynamics على الغاية يتحد الجميع لحماية وطنهم، وكما في فيلم The Iron Giant "العملاق الحديدي" يتحدى الروبوت برمجته وينحاز إلى صف البشر أو الكائنات الحية بالغابة في فيلم "الروبوت البري"، ويبدأ رحلة الدفاع عنهم.
لوحات فنية تتحركة!
يختلف الرسم في الفيلم عن أسلوب الرسوم الرقمية التي تعتمد على برامج الكمبيوتر؛ إذ نرى الصورة أقرب إلى لوحات فنية من المدرسة التأثيرية، ضربات الفرشاة واضحة وحيوية، الكادرات كأنها رسوم فنية جذابة مُصاحبة لقصة تتحرك وتتفاعل شخصياتها على الورق. بعيدًا عن الأسلوب التقليدي للرسوم المتحركة الرقمية ثلاثية الأبعاد تأتي رسوم "الروبوت البري" مثيرة للخيال بألوانها وتصميماتها وخصوصية تفاصيلها الفنية؛ تبتعد عن رتابة الرسوم الحديثة وتعود للأساليب القديمة في الرسم اليدوي بما يحمله من أصالة وتفرد بشري.
يذكرنا أسلوب الفيلم برسوم الياباني "ميازاكي" وأعمال استديو جيبلي للرسوم المتحركة، وهذه الأعمال تُعلي من شأن الرسم اليدوي والتفاصيل المرسومة بلمسات بشرية تحمل أسلوب خاص شديد الحيوية.
هذا الأسلوب يتناقض - على نحو مرح - مع موضوع القصة ومضمونها الذي يتحيز لفكرة أنسنة الروبوت، وهي حبكة تتناول افتراض خيالي يحمل رؤية مُتصالحة مع الذكاء الصناعي والروبوتات الذكية، ويُحاول استخدام عَلاقة الكائنات الحية والروبوت الذكي كحيلة درامية تتناول رسائل فلسفية عميقة عن التعايش مع الأخر والسعي للسلام والتعاون، والطريف أن وجود الإنسان هامشي لا يكاد يُذكر، حتى اللمحات التي ظهرت فيه شخصيات من الشركة المُصنعة للروبات تُلقي بظلال شريرة قاتمة على الشخصيات البشرية.
الفيلم إنتاج ستديو "DreamWorks"، إخراج "كريس ساندرز"، المعروف بتأليف وإخراج عدد من أفلام ومسلسلات الأنيميشن التي تدور في أجواء عائلية؛ منها "The Croods" "آل كروودز" و""Lilo & Stitch "ليلو وستيتش". فيلم "الروبوت البري" مستوحى من رواية شهيرة كتبها "بيتر براون".
الصور من الموقع الرسمي للفيلم.