محمد عامر

خاص "هي" الموسم الثاني من مسلسل "مو".. كوميديا ذكية وانتصار فلسطيني افتراضي على الشاشة

حميدة أبوهميلة
28 يناير 2025

رحلة عودة البطل من المكسيك إلى هيوستن تبدو في مطلع حلقات الموسم الثاني من مسلسل "مو" الذي سيكون متاحًا للبث عبر نتفليكس في الـ30 من يناير الجاري، شبه مستحيلة، فماذا إذن عن رحلة عودته إلى فلسطين؟ أرض آبائه وأجداده وأجداد أجداده التي لم يرها قط. وإذا كان الشاب العصبي الفوضوي الذي خاض معه الجمهور رحلة مضحكة ومبكية ومشوقة في الموسم الأول، يعاني ليحصل فقط على صفة لاجئ في الولايات المتحدة الأمريكية وأن يخرج من خانة المهاجر غير الشرعي، فكيف يحلم بأن يجتاز حواجز التفتيش من أجل أن يقضي وقتًا أصيلاً مع أقاربه في الضفة الغربية؟ ولكن على ما يبدو أن بعض أحلام الفلسطينيين تتحقق على الأقل على الشاشة.

الكوميديان محمد عامر في الموسم الثاني من مسلسل "مو" يتفوق ويفاجئ الجمهور
الكوميديان محمد عامر في الموسم الثاني من مسلسل "مو" يتفوق ويفاجئ الجمهور

شرائح البطيخ في الثقافة الشعبية

المسلسل الكوميدي الذي يسرد قصة أحداثها الرئيسية مستمدة من حياة بطله محمد عامر، الذي أبدع الأحداث بصحبة رامي يوسف، كان قد انتهى موسمه الأول عند نقطة فارقة، ويستكمل حكايته بمزيد من المفاجآت. فبعد أن يجرب حظه في التأقلم بالمكسيك لعدة أشهر كبائع للملابس وشطائر التاكو، وحتى كمصارع يحمل لقب الدب الفلسطيني الذي يرتدي قناعًا مزينًا بشرائح البطيخ، وهو الشعار الذي بات يعادل في الثقافة الشعبية العلم كله، لما يرمز له من ألوان العلم، ينفتح له باب سهل للعودة ولكنه يكتشف أنه محاط دومًا بالأوغاد، وأن سوء الحظ يلازمه في حياته في كل أرض تطأها قدماه. اللافت أنه كلما تأقلم على وضع ما ازداد سوءًا، فيقاوم ويتأقلم على أسوأ مرة أخرى، ولكن سقف المعاناة يرتفع أكثر وأكثر، وكأن "مو أو محمد أو حمودي" هو رمز مثالي للمواطن الفلسطيني سواءً في الضفة أو في غزة.

 

ما يميز الحلقات الثماني الجديدة هو التعامل بحساسية فنية وذكاء مع السردية الفلسطينية. فرغم التركيز الكبير على رمزية المفتاح كفكرة حق العودة، وأصالة التراث الفلسطيني من فنون وطعام يحاول الإسرائيليون نسبته باسمهم، مثلما نتابع في قصة صديق حبيبة مو الجديد الذي ينسب أشهر الوصفات العربية لثقافته، إلا أن الأمر يأتي في سياق درامي كوميدي ينتزع الضحك والتفكير كذلك، حيث يحاول صناع العمل الخروج من مأزق الإقحام والخطابة والتنظير على القضية، ويصبوا اهتمامهم بسرد معاناة عائلة قادتها الظروف القاتمة إلى وضع صعب ماديًا وقانونيًا، ومع ذلك يتمتعون بصمود هائل.

 

تناقضات إنسانية

مو عامر نجح في أن يمسك بالشخصية للمرة الثانية دون أن تفلت منه تعبيراته التي ارتبط بها الجمهور، رغم مرور حوالي عامين ونصف على انتهاء الموسم الأول، ليواصل تقديم رحلة البطل الذي يتمتع بمواهب كثيرة ولكن سرعة غضبه تجعله يخسر أكثر مما يربح، وقيمه الأخلاقية المستمدة من عائلته تجعله يرفض الانخراط في أمور كثيرة، لكنه مع ذلك لا يمانع أن يبيع البضائع المزيفة على أنها من ماركات عالمية فاخرة. وبينما ينتقل من وظيفة لأخرى وفي كل مرة يكون على وشك النجاح يعود لنقطة الصفر أو ما دونه ويفسد الصفقات بعناية شديدة، إنها تناقضات إنسانية تنتصر للدراما التي لم تأبه بأن تقدم شخصية الفلسطيني المثالي، فيما جسد عمر إيلبا دورا مهما وهو الشقيق الأكبر المصاب بالتوحد، بينما العائلة في حالة إنكار. والأخت التي تزوجت وأنجبت وأصبح وضعها مثاليًا، لتبدو صوت العقل في هذه الأسرة، كما أنها الشخصية الأكثر استقرارًا. ورغم قلة ظهور "ناديا النجار" إلا أن مشاهدها كانت محورية في إظهار العيوب التي قادت الأسرة للتعثر الدائم، حيث قدمت شيرين دعيبس أداءها بتمكن وهدوء، لاسيما في اللقطات التي جمعتها بالأم "يسرا النجار" التي تقوم بدورها فرح بسيسو، لنكتشف أن كلتاهما تحمل الهم نفسه والحلم نفسه ولكن كل منهما تسعى للمساعدة بطريقتها التي قد تبدو مناهضة للأخرى.

أداء لافت ومتقن من فرح بسيسو وشيرين دعيبس
أداء لافت ومتقن من فرح بسيسو وشيرين دعيبس

الدراما أولا

 

مساحة الدور الكبيرة التي تضاهي ما مُنح لمحمد عامر، أعطتها فرصة لإظهار كثير من خبايا الشخصية الأمومية التي، برغم اندماجها في المجتمع، إلا أنها تبدو وكأنها تعيش في فلسطينها الصغيرة التي جلبتها معها إلى الولايات المتحدة. كانت فرح بسيسو على قدر المسؤولية، وجسدت الدور كممثلة مخضرمة، تعرف كيف تقطع الانفعالات في لحظتها دومًا، ولم تعتمد الصوت المرتفع أو الانفعالات الحادة الهيستيرية، وأوصلت مشاعرها بنظرات العين وبنبرة دافئة جدًا. إنها الأم التي تتعامل بفطرتها وتلوم وتوبخ ولكنها تحتضن أيضًا برغم مساحات الإخفاق الشاسعة التي يغرق فيها ابناها، وبرغم غضبها من خيارات الابنة.

 

حظيت الشخصيات بتناغم كبير، كما جاءت باقي اختيارات باقي الأدوار موفقة للغاية، سواء في دائرة الأصدقاء والمحامين، والأقارب، وكذلك موظفي إدارات التفتيش على الحدود وفي المطارات، مع ظهور خاص موفق للغاية ومعتاد في الحقيقة لكامل الباشا وريم تلحمي، ومما يحسب للعمل أيضا أنه لم يرضخ للتوقعات والدعوات عبر الإنترنت بتضمين الحرب على غزة ضمن أحداثه، وأبقى على الحكاية كما كان مخططا لها.

حضور خاص لكامل الباشا وريم تلحمي.. أداء مميز كالمعتاد
كامل الباشا.. حضور خاص وأداء رفيع كالمعتاد

يحاول المسلسل بث روح الأمل بعض الشيء وانتشال البطل من أزماته العاطفية بتحول مفاجئ في الأحداث، كما أن نقل المشاهد إلى الأراضي الفلسطينية يعتبر مغامرة تُحسب لصناعه. وفي حين ينتظر الجمهور موسمًا ثالثًا نظرًا لأن المشهد الأخير جاء مفصليًا تمامًا فيما يتعلق بتاريخ حدوثه وملابسات ما جرى به، فإن مهمة مبدعيه تبدو صعبة للغاية، لاسيما فيما يتعلق بالابتعاد عن الخطاب المباشر الزاعق، وبالحفاظ على أجواء الهم الاجتماعي الإنساني الذي تحوم حوله قضايا وطنية كبيرة، دون أن تجعله يتحوّل إلى منشور سياسي