خاص "هي" مهرجان برلين السينمائي 2025- فيلم "الضوء" الذي لم ينجح في إنارة افتتاح برلين

خاص "هي" مهرجان برلين السينمائي 2025- فيلم "الضوء" الذي لم ينجح في إنارة افتتاح برلين

أندرو محسن
14 فبراير 2025

في الدورة 75 التي هي محط أنظار الكثيرين من مهرجان برلين السينمائي الدولي العريق، وقع الاختيار على فيلم "الضوء" (Das Licht) للمخرج توم تيكفير ليكون فيلم الافتتاح، وهو ما كان بمثابة نصف مفاجأة. أقول نصف لأن وجه الاستغراب يتعلق بطول الفيلم تحديدًا، الذي يقترب من ثلاث ساعات، وهو أمر غير معتاد في المهرجانات الكبرى، إذ يكون المفضل أن يكون الافتتاح لفيلم ذو توجه جماهيري أكثر ويراعي الطول نظرًا لوجود مراسم الافتتاح قبل العرض، وبالطبع هناك دائمًا استثناءات، ربما إذا كان الفيلم تحفة فنية.

ت

أما النصف غير المفاجئ في هذا الاختيار فيتعلق بكونه فيلم ألماني، ولمخرج ذو شعبية جيدة، خاصة وقد عمل في هوليوود مع كبار نجومها، مثل توم هانكس وهالي بيري، في فيلم "أطلس السحب" (Cloud Atlas)، بجانب تقديمه لأفلام حظيت بإشادة نقدية كبيرة، مثل "اجرِ يا لولا" (Run Lola Run). وعلى هذا فإن المخرج الألماني ليس صاحب مستوى مستقر في أفلامه، فهل جاء "الضوء" بمثابة إضافة جيدة إلى مشواره؟

تدور أحداث الفيلم في ألمانيا، حيث نشاهد أسرة من أب وأم وابن وابنة في نهايات مرحلة المراهقة، يعانون من انعزال واضح بينهم، إلى أن تدخل حياتهم مدبرة منزل سورية، تحاول إعادة جمع الأسرة، بينما تعمل على تجربة روحانية خاصة بها. باختصار شديد تبدو مشكلة هذا الفيلم الأكبر في أنه يخالف القاعدة السينمائية الذهبية "اعرض ما تود أن يراه المشاهد، ولا تقله" (Show don't tell).

ص

هذا الفيلم يخبرنا بأكثر مما نحتاجه ولا يدع لنا مجالًا للخيال على الإطلاق. ينطلق الفيلم من نقطة روحانية أو ماورائية، إذ تؤمن اللاجئة السورية فرح (تالا الدين) بأن أشباح الموتى يمكن أن يقترنوا بالأحياء، حتى لا يشعروا بالوحدة، باستخدام تجربة معينة تمارسها توظف فيها الضوء لتخوض تجربة ذهنية مع من رحلوا. لكن هذه الفكرة تتوارى أمام التناول شديد المباشرة لمشكلات الأسرة الألمانية، والتي يتحول كل من أفرادها إلى مجاز يشير إلى مشكلة ما داخل الأسر المعاصرة. الأب / الزوج (لارس إيدينجر) الذي يهرب من مواجهة المشكلات، الأم / الزوجة (نيكوليت كريبتز) الغارقة في عملها حتى النخاع، الابنة (إيلكا بيسيندولفر) التي تتناول كل أنواع المخدرات وعالمها مخصص لأصدقائها فقط، والابن (يوليوس جوس) الذي يعيش في عالم افتراضي من ألعاب الفيديو.

ت

بعد مقدمة طويلة جدًا نتعرف فيها على أزمات هذه الأسرة بشكل مفصل، نكتشف أن المخرج نسي أهم شيء وهو أن يجعلنا نتفاعل مع هذه الشخصيات عاطفيًا. إذ تحوّل كلٌ منهم إلى كونه فكرة أو موضوع، وليس إنسانًا، وبالتالي فإننا بمرور الوقت لا نشعر بالتفاعل الحقيقي مع أي منهم. يضيف إلى هذا التحولات الكبيرة التي تحدث قرب نهاية الفيلم والتي لن نجد ما يبررها بالقدر الكافي، إلا أن توم تكفير قرر أن الفيلم يجب أن ينتهى، وهكذا تتعقد الأمور في عمل كل من الأب والأم في وقت متقارب، دون أي تبرير منطقي.

يمتد عدم التبرير إلى التأثير الغريب الذي تلعبه شخصية فرح داخل هذه الأسرة، والذي يشبه المسلسلات الإجتماعية القديمة، إذ أن المشكلات التي لم يجد المعالج النفسي للأسرة لها حلًا، تعالجها فرح مدبرة المنزل ببعض جلسات الاستماع لكل والمزيد من التعاطف والحوارات المباشرة مع الشخصيات. ومثل تلك المسلسلات أيضًا، تنجح فرح بمعجزة ما في إقناع جميع الأفراد بالاستماع لها، لم يصعب عليها إقناع أي شخص.

ت

هذه المباشرة في الطرح، قابلتها محاولات أكثر اجتهادًا في الأسلوب السينمائي المستخدم في الفيلم، لكنها لم تُفضِ إلى شيء حقيقي، فرغم البداية مع الخطوط المتوازية، والدخول في عوالم الأحلام أو الهلوسة في تتابعات البداية، فإن هذا يتراجع لاحقًا، في مقابل أسلوب أبسط وأكثر وضوحًا، إلى أن يقرر المخرج ودون مقدمات أن يقدم مقطعًا موسيقيًا استعراضيًا داخل الفيلم، فكأنه يجرب ولكن ليس في الفيلم ككل ولكن في بعض مقاطع منه.

فيلم "الضوء" حاول أن يصيب عدة أهداف، بين صناعة أسلوب سينمائي مختلف، وطرح مشكلات الأسر الألمانية المعاصرة، ومشكلات اللاجئين أيضًا، لكنه للأسف لم ينجح في إصابة أيٍ من هذه الأهداف.
ت