مايكي ماديسون

أوسكار 2025.. صوت المرأة أعلى والسينما المستقلة تفوز بكل شيء!

إيهاب التركي

يُعد حفل الأوسكار السنوي عَمَلًا فنيًا هوليووديًا قائمًا بذاته؛ أحيانًا تبدو مُشاهدته أكثر إمتاعًا من اختيارات أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية للجوائز النهائية، وهي اختيارات تخضع لبعض الاعتبارات غير الفنية؛ أهمها إرضاء بعض الفئات والأقليات التي تُعاني أزمات قبول اجتماعي أو تمييز عرقي أو سياسي. ربما الغرض من توزيع جوائز "الأفضل" – المتأثرة بأجندات الصوابية السياسية – هو بسط أكاديمية العلوم والفنون هيمنتَها ونفوذَها على سينما العالم، والقيام بدور الراعي للتنوع وقبول الآخر، وذلك بواسطة تسليط الضوء على الأفلام التي تتعرض لقضايا جدلية. وهذا يؤثر على حظوظ السينما الترفيهية وسينما الموضوعات الإنسانية العميقة، لا يتجاهلها أعضاء الأكاديمية، لكنهم يدفعونها باتجاه خلفية المشهد.

الجوائز الكبرى وأزمة الجسد!

فوز الفيلم المُستقل "أنورا" (Anora) بالجائزة الكبرى وتصدُّره قائمة الفائزين بجوائز الأوسكار يضعه على عرش أفلام العام الأخير، بعد حصده خمس جوائز هي: أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل ممثلة، وأفضل سيناريو أصلي، وأفضل مونتاج. وقد تجاوزت جوائز الفيلم الخمس بعض التوقعات، مثل جائزة أفضل ممثلة التي حصلت عليها بطلة الفيلم "ميكي ماديسون"، رغم أن التوقعات كانت ترى أن الجائزة ستذهب إلى "ديمي مور" عن دورها المُلفت في فيلم "المادة" (The Substance)، وهي جائزة انتظرتها طويلًا.

ديمي مور بطلة  The Substance
ديمي مور بطلة  The Substance

رغم فارق الخبرة والعمر، يجمع بين "مور" و"ميكي" أن كلتيهما لم تترشحا للأوسكار قبل هذا العام. وزيادةً في شعور فريق عمل "المادة" بمرارة الخسارة، فاز "أنورا" بجوائز عن نفس الفئات التي ترشح لها فيلم "المادة" تقريبًا؛ لذا كانت خسارة الفيلم كبيرة. فقد كانت التوقعات تُرجح أن يكون فيلم العام بلا مُنازع، وشخصيًا كنت أنتظر سماع خطبة "ديمي مور" (62 عامًا) لقبول الأوسكار، بعد تجاهل الأكاديمية لأدوارها في حقبة التسعينيات، ذروة سنوات تألقها.

لا يجمع بين الفيلمين ظروف الترشيحات فقط، بل المضمون مع اختلاف الحبكة والتفاصيل؛ فكلاهما يتناول أزمة الجسد الأنثوي من منظور مختلف. تناول فيلم "المادة" فكرة الهوس بالشباب والجمال في عالم الترفيه من منظور عميق وخيالي؛ فأزمة التقدم في السن تضغط على بطلته إليزابيث "ديمي مور" التي تقبل الخضوع لتجربة علمية غريبة تمنحها فرصة أخرى لاستعادة الشباب واستمرار برنامجها الرياضي التليفزيوني.

مايكي ماديسون
مايكي ماديسون

في حين تناول "أنورا" حكاية فتاة تعمل راقصة ومرافقة، يقع في غرامها شاب من عائلة روسية ثرية ويتزوجها. تتعرض "أنورا" لحالة ازدراء بالغ من عائلة زوجها بسبب مهنتها السابقة، وهم من رجال الأعمال في الجمهوريات السوفيتية السابقة الذين تربحوا الثروة بسرعة خلال عصر الخصخصة الروسية في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي في التسعينيات.

مايكي ماديسون
مايكي ماديسون

قضايا التنوع!

حصدت النجمة زوي سالدانيا جائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن دور المحامية ريتا مورا كاسترو في فيلم ‏Emilia Perez ، التي تقوم بمساعدة زعيم عصابة مكسيكي "كارلا صوفيا جاسكون" في إجراء جراحة للتحول إلى امرأة؛ من أجل تحقيق هويته وأيضًا الهروب من السلطات. كارلا صوفيا جاسكون، والفيلم ينتمي لنوعية الجريمة والكوميديا الغنائية، ويقدم معالجة فريدة لموضوع الهوية الجندرية.

زوي سالداني
زوي سالدانا

تحاول هوليوود تكريس أفكار التنوع والاختلاف من خلال موضوعات شائكة تتعلق بالهوية. ويستخدم فيلم الفانتازيا الموسيقي "شرير" (Wicked) الأمر حرفيًا؛ إلفابا "سينثيا أريفو" شابّة يسخر الناس منها بسبب بشرتها الخضراء، وجاليندا "أريانا جراندي" فتاة مشهورة، تتعرض صداقتهما لموقف مصيري يضعهما في مُفترق طرق. الفيلم فاز بجائزتي الديكور والأزياء فقط.

Flow
فيلم Flow

التنوع هو ثيمة فيلم "الفيضان" (Flow)، وهو فيلم رسوم متحركة ومغامرات من إخراج اللاتفي "جينتس زيلبالوديس"، واستطاع التفوق على عدد من أفلام الرسوم المتحركة الهوليودية البارزة مثل "Inside Out 2" و"The Wild Robot"، ونجح في اقتناص أوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة. ويدور حول تعاون قطة، وكلب لابرادور، وطائر، وخنزير ماء، وقرد ليمور من أجل النجاة في عالم خالٍ من البشر إثر فيضان عظيم. الفيلم بدون حوار ويعتمد على الموسيقى والرسوم لنقل المشاعر، وتميز بالشاعرية والتدفق العاطفي.

ستثيا
سينثيا أريفو

الاحتفاء بالمرأة وقضايا الهوية!

الاحتفاء بالمرأة وتسليط الضوء على قضاياها ثيمة سينمائية تنتشر في الأفلام، وانعكس هذا على الترشيحات؛ فيلم "الفتاة الوحيدة في الأوركسترا" (The Only Girl in the Orchestra) نموذج يُضاف إلى قائمة أفلام المرأة التي لفتت نظر أعضاء لجان التحكيم والاختيار بالأكاديمية. الفيلم فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي قصير، وهو من إخراج "مولي أوبراين"، ويستعرض مسيرة عازفة الكونترباص الرائدة "أورين أوبراين"، التي أصبحت في عام 1966 أول امرأة تنضم إلى أوركسترا نيويورك الفيلهارمونية، بعد أن تم توظيفها من قبل ليونارد بيرنشتاين.

الخلفية السياسية كانت مُحرك الدراما في الفيلم البرازيلي «ما زلت هنا» (I'm Still Here) الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم دولي، بفضل تناوله مصير عائلة مزقتها الديكتاتورية العسكرية في البرازيل. لكن هذه الخلفية كانت إطارًا للوحة ميلودرامية تتناول كفاح امرأة اختفى زوجها في ظل النظام العسكري الذي سيطر على البرازيل ما بين عامي 1964 و1985. الفيلم من إخراج "والتر ساليس".

بطلة فيلم "I'm Still Here"
بطلة فيلم "I'm Still Here"

تميمة الحظ والسينما الفلسطينية!

للمرة الثانية يفوز الممثل "أدريان برودي" بأوسكار التمثيل؛ في عام 2002 فاز بالجائزة عن تجسيده شخصية عازف البيانو اليهودي "فلاديسلاف شبيلمان" الحقيقية؛ إذ عانى وعائلته أهوال الحرب حينما احتلت القوات الألمانية النازية بولندا حيث يُقيم. يبدو أن شخصية اليهودي الناجي من الهولوكوست تميمة حظ بالنسبة لبرودي؛ فالأوسكار الثاني له هذا العام عن تجسيده شخصية مهندس مجري يهودي يُهاجر إلى الولايات المتحدة بعد نجاته من المحرقة، وذلك في فيلم «الوحشي» (The Brutalist). الفيلم المُعقد فنيًا يُقدم الولايات المتحدة كجحيم لا يراه البطل ملاذًا أو أرض الأحلام كما يظنها البعض. الفيلم فاز بأوسكار أفضل موسيقى "دانيال بلومبرج"، وأوسكار أفضل تصوير "لول كراولي"، وكان قد ترشح لـ11 جائزة.

بطلة
The Brutalist

على مستوى آخر، حاولت جوائز الأكاديمية صنع توازن بين الاحتفاء بسرديات التاريخ اليهودي المُعاصر في مرحلة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، وتسليط الضوء على المأساة الفلسطينية المُستمرة. السينما الفلسطينية كانت على موعد مع فوز لافت للفيلم الفلسطيني "لا أرض أخرى" (No Other Land) بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي. الفيلم من إخراج أربعة مخرجين هم: "باسل عدرا"، و"حمدان بلال"، و"راشيل سزور"، و"يوفال أبراهام"، ويُوثق محاولات الاحتلال الإسرائيلي طرد الفلسطينيين في قرية "مسافر يطا" بالضفة الغربية المحتلة، والفيلم رؤية تجمع بين عرض المأساة بعيون فلسطينية مُقاومة ويهودية مُتعاطفة

الصور من حسابات صناع الأفلام المذكورة والأوسكار على انستجرام afp.