الشحرورة صباح

ليس مجرد تمرد.. 10 فنانات رائدات رسمن خريطة النهضة الفنية وكسرن حلقة النمطية بسحر الموهبة وعمق التأثير

حميدة أبوهميلة
10 مارس 2025

ليست البراعة فقط، وإنما عمق التأثير. كان سهلا عليهن أن يمتثلن للسائد، وأن يشبهن غيرهن، ولكنهن اخترن عن طيب خاطر طريقا آخر. وعلى الرغم من أن النجاح لم يكن مضمونا، وأن الدعم كان شحيحا في زمن كانت فرص النساء فيه قليلة وذات سقف منخفض، كانت المثابرة والإيمان بالنفس محفزا له مفعول السحر. وقتها لم تكن هاتيك النساء العربيات الرائدات بحق يعلمن شيئا عن دورات تحفيز الذات الرائجة حاليا، لكنهن كسرن حلقة النمطية بأن بدأن بشق طرق صغيرة تكبر تدريجيا حتى أصبحت أشبه بالثورة الفنية، ليحفرن سيرتهن كرائدات مستقلات، ولا تزال فنانات عصرنا الحالي مدينات لخطواتهن الملهمة التي تبدو صغيرة في نظر أجيال اليوم، ولكنها كانت تمثل تحديا عملاقا ومهولا بالنسبة للظروف وقتها، لتبقى بصمتهن الفنية في مجالات السينما والمسرح والإنتاج الفني والغناء والتلحين سببا في استدعاء إرثهن على الدوام.

آسيا داغر

هذه قصة امرأة شجاعة، ولدت مطلع القرن العشرين في لبنان، ورسمت ملامح حياتها المهنية في مصر التي حصلت على جنسيتها وأسهمت في نهضتها السينمائية. لم تكن آسيا داغر "1901 ـ 1986" أول من احترف الإنتاج السينمائي عربيا من النساء، إذ سبقتها بهيجة حافظ وعزيزة أمير الملقبة بـ"أم السينما المصرية"، ولكن آسيا عرفت كامرأة حديدية، تخالف النمط وتطمح لأن تصنع تاريخا في صناعة كان لا يزال سكان الكرة الأرضية يتعرفون إليها. غامرت بالاستقرار والمال، واستدانت حتى اقترن اسمها بعشرات الأفلام ذات النجاح الجماهيري والنقدي، وحينها لم تكن ضامنة للنتيجة في ظل مجتمع كان لا يزال يرتبك من دخول النساء معترك العمل السينمائي، ويعتبره من الممنوعات.

آسيا داغر
المنتجة آسيا داغر ـ المصدر مؤسسة بهنا للتراث الفني

امرأة شبه وحيدة مع ابنة صغيرة في بلد لا تزال تتعرف إليه، والأصعب أنها لم تكن تجيد القراءة، فكانت تستعين بابنة شقيقتها المبدعة ماري كويني، لتساعدها في حفظ النصوص التي يلقيها ممثلو الأعمال التي تشرف على إنتاجها. إنها رغبة عارمة في المثابرة جعلتها تدخل معتركا كانت تسيطر عليه كيانات ضخمة، قبل أن تكمل الثلاثين من عمرها. يكفي أنها منحت الفرصة لمخرجين بارعين مثل هنري بركات وكمال الشيخ وحلمي رفلة وحسن الإمام، كما أنتجت "فيلم الناصر صلاح الدين" ليوسف شاهين، هذا الفيلم الملحمي الفريد في زمنه. تعثر مرارا وقضى على ثروت منتجته، لكنها كانت مؤمنة بما يكفي كي تكمل التجربة، ويضاف هذا الشريط لأعمالها شديدة التنوع.

ماري كويني

المراهقة التي كانت تساعد آسيا داغر في حفظ النصوص كانت هي ماري كويني "1913 ـ 2003"، بصفتها ابنة شقيقة ورفيقة مشوار وتلميذة نجيبة للمعلمة التي لم تكن تكبرها كثيرا في العمر، ولكنها امتلكت زمام المبادرة وسرعة التعلم التي جعلتها قائدة فنية حقيقية.

في لقاءات ماري كويني القليلة، تحرص دوما على إظهار العرفان لآسيا، تلمع عيناها وهي تحكي ذكرياتهما سويا وكيف علمتها أصول وقواعد المهنة، لذلك لم يكن مفاجئا أبدا أن تدخل ماري كويني مجالات الإنتاج والتمثيل والمونتاج بكل ثقة، والأخير بالذات لم يكن فنا من الشائع أن تحترفه النساء في هذه الفترة، حيث برعت في تركيب اللقطات والصور خلال فترتي العشرينيات والثلاثينيات، ومن المعروف أن المخرج البارع يجب أن يكون أولا مونتيرا موهوبا. فكويني كانت تسير على طريق الإخراج، ولكن على ما يبدو أن مهامها المتعددة جعلتها تركز في عناصر أخرى من العملية الفنية، حيث تركت أيضا التمثيل بعد فترة وتفرغت للإنتاج. كانت مولعة بأن تسهم في صناعة النهضة السينمائية بطرق تسهل على المبدعين تحقيق طموحاتهم، وشاركت بشكل فعال مع زوجها المخرج أحمد جلال في إنشاء ستوديو جلال ليُدشّن كثاني أقدم ستوديو في مصر، ولم يكن معتادا أن تدخل المرأة في صلب العملية الإنتاجية باستثمارات ضخمة كهذه، كما استقدمت أول معمل ألوان بالشرق الأوسط عام 1957، حيث وجدت أنه آن الأوان لتدخل المنطقة عصر السينما الملونة.

ارتبط اسم كويني بعشرات الأعمال وأغلبها تحظى بشعبية وقوة مشاهدة حتى اليوم، وبينها ابن النيل (1951) الذي نال صدى جيدا حينما عرض بمهرجان كان السينمائي. كما أنجبت ماري ابنها المخرج البارع نادر جلال، فيما حفيدها أحمد نادر جلال يعتبر واحدا من أشهر وأنجح مخرجي السينما في العصر الحالي.

المنتجة والممثلة ماري كويني
المنتجة والممثلة ماري كويني

 

عتاب

أي قوة كانت تتمتع بها عتاب "1947 - 2007" تجعلها تتخذ قرارها باحتراف الغناء، وهي لا تزال مراهقة صغيرة، في ظروف مجتمعية لم تكن تشجع أبدا على اختيار هذا النهج؟ كانت الشابة الموهوبة في وضع أكبر من قدراتها، فنان بحجم طلال مداح يشجعها ويثني على موهبتها، ومؤشرات أخرى تحذرها من هذا المسار، لكنها اختارت الاستماع للصوت الذي بداخلها والذي لم تعرف مقاومته، فانطلقت تغني في الأعراس والحفلات الخاصة، وحققت نجومية في وطنها بالمملكة العربية السعودية، ثم الخليج، وعربيا فيما بعد. كما امتلكت طاقة كبيرة لتقديم الاستعراضات أيضا، لتكون رسميا وتاريخيا أولى نجمات الطرب في الخليج العربي اللاتي يمتلكن تلك المواصفات.

هوية عتاب السعودية ظلت عنوانا بارزا لها، حيث ظلت لهجتها حاضرة في الأغنيات التي قدمتها بعد أن عبرت بشهرتها إلى مصر، وتعاونت مع ملحنيها أمثال محمود الموجي، إضافة إلى اقتران صوتها بملحنين كبار كثر، بينهم عبد الرب إدريس ويوسف المهنا وبالطبع سراج عمر. كما قدمها الفنان عبد الحليم حافظ في حفلاته، فيما حققت أغنيتها "جاني الأسمر" نجاحا خاصا، ولا تزال يرددها الجمهور حتى اليوم كما حققت صدى عالميا واختارها عديد من الموسيقيين للاحتفاء بها على المسارح، مثلما فعلت أليشيا كيز قبل نحو ثلاث سنوات.

المطربة السعودية عتاب
المطربة السعودية عتاب

لم يكن طريق عتاب سهلا، كما أن اتجاهها للاستعراض بجانب الغناء لم يمنعها من أداء الأغنيات الطربية، حيث تميزت في الجلسات الطربية بثنائياتها مع الفنان حيدر فكري، وأبدعت في أداء "ودعتك الله يا مسافر والله حسيبك"، فيما كانت أولى أغنياتها الخاصة بعنوان "لا يا بنت"، والتي انتشرت بشكل كبير عند صدورها في عام 1966، ولم تكن عتاب وقتها قد أتمّت العشرين من عمرها.

طروف عبد الخير آدم محمد هوساوي، الشهيرة بعتاب، وهو الاسم الذي اختارته لها زميلات الفصل، جعلتها الأكثر نجومية وحضورا في الوجدان الشعبي من نجمات الخليج العربي في تلك الحقبة، فما فعلته لم يكن مجرد تمرد عابث، وإنما إيمان كامل بتقديم ما تبرع فيه، حيث فتحت الباب للقادمات من بعدها.

أم كلثوم


تبدو الحكاية هنا مختلفة، ففي الوقت الذي كانت تمنع فيه أغلبية الأسر في مصر بناتها من احتراف الفن بمجالاته كالسينما والمسرح والغناء، خوفا من هذا المجال اللامع البراق الذي يرونه مفسدا للمجتمع من وجهة نظر البعض، كانت عائلة أم كلثوم "1898 - 1975" الريفية في مطلع القرن العشرين أكثر تفتحا، حيث كانت الصبية تذهب لإحياء الليالي والموالد في القرى والبلدان المجاورة بصحبة أبيها، الداعم الأكبر والذي أدرك أن موهبة ابنته غير مسبوقة.
التفرد رافق أم كلثوم منذ بدايتها، باختيارها أن تقوم بعمل لم تكن تفعله أبدا نساء المحيط الذي تسكن به، وكسرت قيودها بصلابة وذكاء، ودهست النمطية من دون أن يرف لها جفن، وخاضت صعوبات حكتها مرارا في التنقل وفي التعامل مع مواقف بعضها صادم والآخر طريف وغريب كانت تطرأ في الحفلات التي تحييها. وفي حين كان الأيسر عليها أن تلحق بركب مغنيات اشتهرن في هذا العصر بأعمال خفيفة ضمنت لهن أن يكنَّ مطلوبات ويحققن ثروة سريعة، ولكنها كانت ترغب في أن تقدم مشروعها الجاد على طريقتها، لتكون جديرة بلقب "صاحبة العصمة" الذي منحه لها الملك فاروق الأول، لتصبح رسميا منافسة المطرب والموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان يُطلق عليه حينها "مطرب الملوك. "

كوكب الشرق أم كلثوم
كوكب الشرق أم كلثوم


تجاوزت أم كلثوم كل سقف وكل حدود وضعت للمطربات في هذا العصر، والحقيقة أنها بمسيرتها الفخمة لا تزال شاهقة وبعيدة المنال، كانت امرأة ومغنية دانت لها المسارح كما لم تدن لأحد، وفنانة لها حضورها السينمائي، حيث صنعت تاريخا حافلا وهي القادمة من بيئة لا تمنح النساء فرصا إلا بشق الأنفس.

صباح


في العصر الذهبي للغناء تمايزت نجمات لبنانيات كثر، لكن تبقى صباح "1927 - 2014" من أسبقهن إلى عالم الاحترافية العابرة للحدود، حيث كان أول فيلم غنائي قدمته عام 1945. وهنا يحضر مرة أخرى اسم آسيا داغر مكتشفة النجوم، حيث تعاقدت معها على ثلاثة أفلام دفعة واحدة بعد أن ذهبت الشحرورة مع أسرتها إلى مصر.
وعلى الرغم من أن صباح لم تكن الممثلة اللبنانية الأولى الوحيدة التي شقت طريقها في الغناء والسينما في التوقيت نفسه، ولا سيما أن الأخيرة كانت الضامن الأكبر للانتشار وكان يسعى جميع المطربين للظهور على شاشاتها، إلا أنها كانت الأكثر نجومية وتلونا في الأدوار، فخلال سنوات قليلة وقفت أمام فريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ، ومحمد فوزي، ورشدي أباظة، وأصبحت من نجمات الصف الأول ومن الأكثر طلبا في الحفلات. ساعدتها ملامحها كما ساعدها صوتها القوي الذي أتقن مختلف المقامات الموسيقية، فقوة حنجرتها وعنفوانها لم يمنعاها من أداء أغنيات عاطفية شديدة الرقة والرومانسية، كما أن خفة ظلها لم تسجنها في نوعية واحدة من الأدوار، وأصبحت فتاة الأفلام الرومانسية والاجتماعية التي تناقش قضايا تهم مختلف الطبقات.
لم يكن أحد يتوقع أن تفعلها صباح وهي القادمة من أسرة مزقتها الأزمات، لكنها قاومت كل من حاول وضعها في قالب معين، حيث كسرت النمطية تماما حتى في شخصيتها الفنية، وفعلت كل ما هو غير متوقع، ورغم التعقيدات التي عصفت بحياتها الشخصية، إلا أنها كانت تتمتع برباطة جأش مذهلة، وباتت مسيرتها في أغلبية الأوقات بمنأى عن هذه المشاحنات التي استمرت عقودا، لتنتج على مدى مسيرتها أكثر من 3500 أغنية بلهجات مختلفة، وما يقرب من تسعين فيلما ونحو 27 مسرحية.

الشحرورة صباح
الشحرورة صباح


سبقت صباح عصرها بحق، سواء في جرأتها على تقديم ألحان خفيفة شبابية وأغنيات قصيرة، أو فيما يتعلق باهتمامها اللافت بصيحات الموضة والجمال الاستثنائية، والتي كثير منها يعود مجددا ليتصدر صيحات هذا العصر، وظلت حتى رحيلها نموذجا للتفرد في هذا الجانب.

فيروز


جيران يضيقون ذرعا حينما تدندن وهي تغسل الأطباق في مطبخ أسرتها الصغير بحي زقاق البلاط القريب من العاصمة اللبنانية بيروت، وأب كان يرفض بشدة أن تغني ابنته أمام العامة، وبيت لم يكن به جهاز راديو بسبب رقة حال أصحابه، وصبية شديدة الخجل.. عناصر لم يكن أحد يتخيل أن تنتج حالة فنية ستظل فريدة تعرف اختصارا باسم فيروز (مواليد 21 نوفمبر 1934).. سحر الصوت غلب كل هذه الظروف، ونهاد حداد التي لم تكن تملك حرفيا سوى أحلامها وحنجرتها صعدت إلى علياء الطرب، وأصبحت سفيرة النجوم وجارة القمر، وسيدة الصباح والليل ورفيقة الحزانى والمبتهجين على السواء.

على كل حال، تحققت الأحلام وتبددت العقبات، ولكن بقي الخجل رفيقا شديد الإخلاص لم يفارق لحظة عيني هذه السيدة القوية، التي أصبحت قامة لا تُطال، والتي بقيت صامدة بعد كل فقدان عنيف ذاقته، سواء فيما يتعلق بابنتها ليال، أو رفيق الدرب عاصي الرحباني، وقبل كل هذا رحيل الأم وهي شابة في الخامسة والأربعين من عمرها، بعد الظهور الجماهيري الأول لفيروز بنحو أربع سنوات.

ومثلما كان صوت فيروز حلما لكل الموسيقيين والشعراء، أيضا سعى زعماء العالم لتكريمها بمنحها أرفع الأوسمة، وبينهم جاك شيراك، وفرانسوا ميتران، وإيمانويل ماكرون، إضافة إلى ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال.

السيدة فيروز
السيدة فيروز

لا تكفي أي سطور للتعبير عن أي لمحة في مسيرة فيروز، وهي التي باعت ألبوماتها الموسيقية ما يزيد على 150 مليون نسخة حول العالم، إضافة إلى تقديمها آلاف الأعمال ما بين أغنيات، ومسرحيات، وأفلام سينمائية، حيث كانت صوتا وصورة لنهضة مسرح الرحبانية، وكذلك امتدت المواهب الرفيعة في الأسرة، لتصل إلى ابنها الموسيقار زياد الرحباني وابنتها المخرجة ريما الرحباني.

 

دولت أبيض


بالنظر لأسماء رواد المسرح العربي سوف تجد أن السطور الأولى دوما محجوزة للرجال، أسماء لامعة ومحبوبة وجديرة بالتكريم، وهو أمر طبيعي، حيث كان المسرح في القرن العشرين بالمنطقة فنا رجاليا بالدرجة الأولى حتى إنهم كانوا من يؤدون الأدوار النسائية، بالتالي التفكير بأن تعتلي امرأة حقيقية خشبة المسرح كان يواجه بعقبات غير عادية، حيث كانت تمنع العائلات بناتها من مجرد التفكير بهذه المهنة، ويعتبرهن خارجات عن الطاعة والمعايير المجتمعية إذا ما اتبعن إرادتهن.
لكن تدريجيا شقت بعضهن الطريق، وبدأن مسيرات استثنائية مثل "أمينة رزق، فاطمة اليوسف، ثريا فخري، سميحة أيوب، بديعة مصابني"، وغيرهن في مراحل تالية، لكن تعتبر دولت أبيض "1896 - 1978" من الرائدات اللاتي لم يأخذن حقهن في هذا المجال، حيث وقفت على خشبة المسرح للمرة الأولى عام 1917، الفتاة الطامحة القادمة من صعيد مصر كانت تواجه أكثر من جبهة، فرغم أن والدتها روسية الجنسية ووالدها يعمل مترجما، إلا أنه لم يكن هينا عليها أبدا مواجهة التقاليد الصارمة.
عرف المشاهد العربي دولت أبيض كوجه من خلال السينما، حيث برعت في تقديم أدوار الأم أو الجدة الحازمة، إلا أن بدايتها الحقيقية كانت من خلال أدوار رفيعة في مسرحيات مهمة مثل "الملك لير، شمشون ودليلة، أوديب ملكا، أوبريت شهرزاد، وغادة الكاميليا".

ممثلة المسرح والسينما دولت أبيض
ممثلة المسرح والسينما دولت أبيض

فاطمة رشدي

لا يخلو حديث عن نهضة السينما العربية في بدايتها من ذكر نجمات مثل ليلى مراد، شادية، فاتن حمامة، سعاد حسني، ماجدة، نادية لطفي، مديحة يسري، فيما الأغلبية يغفلون دور من أنارت لهن الطريق، إنها فاطمة رشدي "1908 - 1996"، صاحبة "فيلم العزيمة" الذي صُنف في كثير من الاستفتاءات الرفيعة على أنه واحد من أهم 100 فيلم أنجزها العرب.

يكفي أن نعلم أن فاطمة رشدي أو "سارة برنار الشرق"، مثلما كانت تلقب تيمنا باسم الممثلة الفرنسية المسرحية البارعة، قدمت هذا الفيلم بعد تاريخ حافل في المسرح، كانت فيه نجمة أولى، وأيضا بعد خمس محاولات سينمائية لم تكن راضية عنها، حيث تشبعت الفنانة المصرية التي جابت الدول العربية بفرقتها المسرحية بنهضة الفنون خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ليأتي فيلم "العزيمة" بمنزلة تتويج لرحلة استمرت عشرين عاما.

نجمة السينما فاطمة رشدي
نجمة السينما فاطمة رشدي

إذن، من جئن بعد فاطمة رشدي لم يضطررن إلى قطع كل هذا الشوط، إذ منحتهن خلاصة التجربة كاملة، في حين امتلأت تلك الفترة بمحاولات أخرى لفنانات حاولن الاقتراب من مكانتها السينمائية، ولكنها استولت على بريق النجومية الشاملة بمعناها الكلاسيكي في هذه الحقبة.

فاطمة رشدي، عملت منتجة وممثلة ومخرجة ومؤلفة، وقامت ببطولة عشرين فيلما بخلاف عشرات المسرحيات، وتركت أثرا مستمرا قوامه المثابرة والصلابة.

الحاجة الحمداوية

لم تحارب الحاجة الحمداوية "1930 – 2021" فقط المجتمع المحافظ الذي كان يحاول بصعوبة استيعاب فكرة احتراف النساء للغناء، ولكنها أيضا كانت تواجه جبهة أخرى متمثلة في تهميش فن "العيطة"، وهو تراث غنائي مغربي شعبي غارق في القدم لم يكن مرحبا به في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

الفنانة التي عُرفت بظهورها دوما وهي ترتدي القفطان وتمسك بالدف مبتسمة وترسم البهجة على الوجوه، انحدرت من عائلة تقيم ليالي السمر والسهر التي تتزين بالفنون المغربية الشعبية، فتعلقت بفن العيطة، وأصبحت متقنته الأولى في هذا الزمان. وقد جاهدت كثيرا للاعتراف بها، ثم أصبحت تقف على المسارح وتقدم فنها النادر بكل ثقة ووسط حفاوة، وبدَا أداؤها الساحر كأنّه شيفرة بين محبي الفنون الاستثنائية الشديدة المحلية التي تعرف طريقها جيدا لآذان وقلوب العالم بمختلف ثقافاته. وبعد عقود من المحاولات، جابت الحمداوية بلدانا كثيرة لتعرض موهبتها، وتشاركت مع فنانين كثيرين من جنسيات مختلفة في الأداء الغنائي.

الحاجة الحمداوية نجمة الغناء الشعبي المغربي
الحاجة الحمداوية نجمة الغناء الشعبي المغربي

على الرغم من حياتها الصعبة واعترافها بقسوة الظروف، لكنها ظلت مخلصة لهذا الفن غير التقليدي الذي منحها حياة دائمة، وارتبط باسمها بصفتها امرأة مبادرة تمسكت بمكمن قوتها.

 

أسماء حمزة

حتى في عصرنا الحالي الذي أخذت فيه النساء فرصهن كاملة، لا يزال التلحين مجالا غير صديق للنساء في العالم العربي، حيث إن التجارب النسائية في التأليف والتلحين الموسيقي قليلة. بالطبع هناك أسماء لامعة في السنوات الأخيرة، لهذا من الضروري الاحتفاء بقصة السودانية أسماء حمزة "1936 - 2018"، أول ملحنة  محترفة في الوطن العربي وإفريقيا.

الفتاة التي منحها أبوها المثقف عودا وهي لا تزال في الثانية عشرة من عمرها، كانت تود أن تصبح مغنية، ولكن مرضا مزمنا ألمّ بحبالها الصوتية، فخسرت الغناء وربحت مكانتها في التاريخ كموسيقية من طراز خاص. وكما هو شائع في تلك الفترة، عانت أسماء حمزة كي تقنع الدوائر المحيطة بها بقيمة ما تفعله، ولكن التحفظ الشديد في المجتمع جعلها تعمل على ألحانها سرا تجنبا للتعرض لتعليقات غير مستحبة من الفئات التي لم تكن تتقبل عمل النساء في مجال الموسيقى.

حصلت أسماء حمزة على تكريمها متأخرا، وهو أمر طبيعي لأن المجتمع والمؤسسات أخذت وقتا كي تتقبل فكرة احترافها في هذا المجال. إرث أسماء حمزة وبصمتها في تطوير الموسيقى تمثل في الكثير من الموسيقيين الذين تتلمذوا على يديها، وبينهم بشير عباس، كما تعاونت مع المطربة الشهيرة سمية حسن.

الملحنة السودانية أسماء حمزة
الملحنة السودانية أسماء حمزة