أحمد زاهر وعائلته

دراما أخرى في رمضان.. هل افتقدت الإعلانات الابتكار والإبداع بسبب الاستعانة المفرطة بالنجوم؟

إيهاب التركي
16 مارس 2025

في الأيام الأولى من شهر رمضان، اضطررت إلى الجلوس ساعات أمام شاشة التلفزيون، ومشاهدة عدد كبير من الإعلانات، وذلك بين فقرات حفل الأوسكار الذي أحرص على متابعته. إلى جانب متابعة فقرات الحفل والنتائج النهائية للجوائز، كانت فرصة لأتعرف على نوعية الإعلانات الحديثة التي تصنعها وكالات الإعلانات الأمريكية. أول شيء لفت نظري هو الغياب شبه التام لإعلانات تروّج للطعام الشهي والحلويات الغارقة في العسل والمجمعات السكنية الحديثة، وحضور إعلانات الأدوية والفيتامينات والملابس المريحة. أهم ملاحظة خرجت بها هي أن وكالات الإعلانات الأمريكية لا تستعين كثيرًا بالنجوم والمشاهير، وأغلب الإعلانات إما تعتمد على ممثلي إعلانات محترفين، أو تستخدم أفكارًا فنية تعتمد على خدع الكمبيوتر والأنيميشن وحبكات ذكية إبداعية.

غابت الأفكار وحضر النجوم!

لم أشاهد نجوم التمثيل سوى في حفل الأوسكار أو إعلانات أفلام ومسلسلات قادمة. كان الأمر مختلفًا حينما بدأت متابعة ماراثون المسلسلات الرمضانية، ففوجئت بهذا الاعتماد المفرط على نجوم التمثيل في الإعلانات، وهذا أثر بالتأكيد على أفكار الإعلانات ومضمونها ومستوى الإبداع فيها.

أصبح المشاهد يرى إعلانات قصصية مؤثرة أو فكاهية في إعلانات الإنتاج الضخم لشركات الاتصالات، وإعلانات التجمعات العائلية حول مائدة الإفطار والسحور، وإعلانات تحث المشاهدين على التبرع والمساهمة في الأعمال الخيرية الميلودرامية، والإعلان الميوزيكال الاستعراضي من نوعية فرافيش "روبي" و"نيللي كريم"، والإعلان الإيفيه الكوميدي من نوعية إعلان عيد ميلاد صديق "ماجد الكدواني"، وغيرها من النوعيات التي تأثرت بنمط الدراما، وهجرت أساليب الدعاية والإعلان التي تعتمد على الفكرة الجذابة والترويج الاحترافي لمميزات المنتج نفسه. وهكذا، أصبحت جاذبية نجم الإعلان وخفة ظل الفكرة هي العامل المؤثر في تفضيل المشاهد لمنتج ما.

روبي
روبي

جاء عدد من النجوم والنجمات من عالم الإعلانات في الأساس: "شيري عادل"، و"ياسمين عبد العزيز"، و"شيرين رضا"، و"تارا عماد"، و"عمرو يوسف"، و"نرمين الفقي"، وغيرهم من الأسماء التي كانت الإعلانات بوابتها للدخول إلى عالم التمثيل. بعضهم عاد إليها مرة أخرى، ليس بسبب إخفاقه في التمثيل، بل لأن الإعلانات أصبحت تعتمد حاليًا على طلة النجم المشهور أو "تريند" جعله حديث السوشيال ميديا، بغض النظر عن الفكرة نفسها.

أحمد العوضي
أحمد العوضي

تطويل وتكرار!

ربع ساعة إعلانية كافية لتشاهد أشهر نجوم التمثيل والغناء والرياضة في الوطن العربي يروّجون للمجمعات السكنية الفاخرة، وشركات الاتصالات، والأجهزة الكهربائية، وحتى الجبنة البيضاء. لا يبدو أن هؤلاء النجوم مشغولون بالطريقة التي يظهرون بها أمام المشاهد، أو بالقيمة الفنية للإعلان نفسه، وهي قيمة منخفضة الإبداع للغاية. أغلب الظن أن أجر النجم الكبير يؤثر على ميزانية الإعلانات الفنية نفسها، فبعضها خرج ركيكًا في تنفيذ خدع الجرافيك، مثل إعلان "إسعاد يونس" التي جسّدت عددًا من الشخصيات في إعلان مشروع عقاري.

محمد صلاح وابنته
محمد صلاح وابنته

ظاهرة النجم "التريند" جعلت منه المرشح الأول لبطولة الإعلان: سيأكل "أمير كرارة" الجبن في إعلان شركة منتجات غذائية ويظهر ابن بلد، ويشرب "أحمد العوضي" كوب شاي ثم يأكل الكوب حرفيًا في إعلان مجمع سكني. هذه الشخصيات كلها من وحي أدوار قدمها "كرارة" و"العوضي" في أعمال درامية.

سيلعب "محمد صلاح" في الملاهي تصحبه "نانسي عجرم" في إعلان شركة اتصالات شهيرة، وسيتكرر الإعلان عشرات المرات يوميًا. ستُعيد "ميرفت أمين" قصة حبها لطليقها الفنان "حسين فهمي" في إعلان مجمع سكني، وستظهر "أم كلثوم" في إعلان مصنوع بتقنية الذكاء الاصطناعي لمدينة سكنية في ضواحي القاهرة.

تخلّصت كثير من الإعلانات من المط والتطويل، وانتقلت اللعنة إلى الإعلانات، فظهر الإعلان السوبر الذي يشبه فيلمًا وثائقيًا قصيرًا يتحدث عن منجزات المنتج. ورغم أنه إعلان طبيعي يمنح مميزات المنتج حقها في العرض، إلا أنه يُفرط في الترويج للمنتج بمعلومات مكثّفة مُقدَّمة بصورة توثيقية غير جذابة.

محمد صلاح وابنته
محمد صلاح وابنته

إعلانات عائلية!

يظهر أشهر نجوم التمثيل والغناء والرياضة في أغلب الإعلانات، وهو ظهور لا يحمل خصوصية أو ندرة الطلة، فأغلبهم يشاهده الجمهور يوميًا في حلقات مسلسلات رمضان، وبرامج المقالب، والبرامج الحوارية. فقد النجوم بريق وتوهج الظهور العزيز، وأصبح وجودهم، خاصة مع إلحاح الإعلان، مملًا. جملة "ما تيجي نعيش" التي تُغنيها "نانسي عجرم" في إعلان شركة اتصالات، دعوة لطيفة وخفيفة للبهجة والاستمتاع بالحياة، ولكنها تتحول إلى كابوس خانق مع تكرارها المفرط!

إعلانات عائلية!
إعلانات عائلية!

أزمة الإعلانات العائلية المنتشرة هي التكرار وعدم الابتكار. أصبح ظهورهم هدفًا وليس وسيلة. ما هي الحاجة مثلًا للاستعانة بـ"أمير كرارة" للترويج لنوع من الجبنة؟ الإعلان نفسه عادي ويمكن أن يؤديه أي ممثل إعلانات. ظهور النجوم في الإعلانات ليس جديدًا، ولكنه أصبح متطرفًا وغريبًا. لقد بدأ النجوم يُحضرون أقاربهم لتصوير الإعلانات، وهذا لا علاقة له بموهبة ابن النجم أو شقيقة النجمة، ولكنه محاولة استغلال فضول المشاهد لرؤية عائلة "أحمد زاهر" في إعلان منتجع سياحي، وأبناء "ماجد الكدواني"، و"نانسي عجرم"، و"محمد صلاح" في إعلانات شركات اتصالات شهيرة.

في إعلان عن أحد الكومباوندات، حاول كاتب سيناريو الإعلان الابتكار في ظهور ثنائيات مثل "عمرو يوسف" وزوجته الممثلة "كندة علوش". وقد ظهرا في إعلانات سابقة بشخصياتهم الحقيقية، وقدّم قصة تعارف موازية بين شخصيتيهما. ونفس الشيء مع "ليلى زاهر" وخطيبها "هشام جمال". ورغم حسن نية كاتب السيناريو، بدا الأمر مربكًا وغير مثير للاهتمام، وأصبح الإعلان عاديًا للغاية، باستثناء فكرة الجمع بين "حسين فهمي" و"ميرفت أمين".

أحمد زاهر وابنتيه
أحمد زاهر وابنتيه

الترويج بالميلودراما والحزن!

ربما نعرف "النكد الدرامي" كمرادف لنوعية من مسلسلات الميلودراما المأساوية، وهو نوع له جمهوره. لكن هذا اللون لا يلائم الإعلانات وأجواءها المبهجة المسلية. لماذا يتحول إعلان كومباوند سكني عن راحة الإنسان في بيته وانتظار الزوج أو الأخ أو الأب إلى مأساة حزينة مثيرة للبكاء؟ قام الممثلون: محمد فراج، سوسن بدر، أحمد السعدني، أسماء جلال، بأداء أدوارهم "النكدة" بإتقان، وزاد صوت أليسا طبقات حزن عميقة بأغنية تفتقد البهجة. أضاف المخرج قتامة بصرية ومودًا كئيبًا، حتى لحظات الفرحة في النهاية كانت عابرة.

ربما هناك بعض العذر لمخرج إعلان مستشفى تطلب تبرعات وتستخدم الضغط العاطفي على المشاهد وإثارة شفقته على أطفال يواجهون محنة مرض السرطان، ويحتاج علاجهم أموالًا طائلة. هناك نوعان من سيناريوهات هذا النوع من الإعلانات: الأول هو حشد من المشاهير يغنون ويرقصون للترفيه عن المريض، وهناك سيناريو آخر ربما يرى أن السيناريو السابق لن يدفع المشاهد للتبرع، فيستخدم أسلوب الميلودراما: طفل بريء يلعب ويمرح وسط أهله وأصدقائه (البداية)، وفجأة يسقط مريضًا ويُنقل للمستشفى وسط دموع من حوله (الأزمة)، ثم قطع على مشهد للكرة التي يلعب بها أمام خلفية تشبه المقابر (الذروة)، وفجأة يخرج الطفل من زاوية الكادر ليسدد الكرة ويعود للعب بعد أن تفتح الكاميرا الكادر، ونكتشف أن المكان ربما منطقة شعبية وخلفيتها أثر (بلوت تويست).

الحقيقة، حضور المشاهير في الإعلانات أصبح مفرطًا ولا يقدم جديدًا. وبين هذا الحشد من الإعلانات النجومية، ظهرت إعلانات بسيطة ولطيفة وناجحة على المستوى الفني وتحقيق الهدف الترويجي، ومنها إعلان البنك والرجل الذي يبحث عن شخص سدّ طريق خروج سيارته: إعلان بسيط ومرح ومخلص لمضمون الفكرة الدعائية.

الصور من حسابات النجوم على انستجرام.