اشغال شقة جدا

مسلسل "أشغال شقة جدًا".. أزمات الموسم الثاني التي بدأت منذ العام الماضي!

إيهاب التركي
19 مارس 2025

في العام الماضي، قدَّم الثنائي (خالد دياب) و(شيرين دياب) نصًّا كوميديًّا مُستوحى من فيلم كوميدي سَبْعينيَّاتي بعنوان (صباح الخير يا زوجتي العزيزة). محور حبكة الفيلم -التي كتبها (سامي أمين) وأخرجها (عبد المنعم شكري- مُعاناة موظف وزوجته المُدرسة في بداية حياتهما الزوجية؛ من أجل التوفيق بين عملهما اليومي ورعاية طفلهما الرضيع. ومعظم الكوميديا اعتمدت على المواقف التي نشأت من غرابة شخصية الخادمة المُكلفة برعاية الطفل ورعاية شؤون المنزل. من ناحية أخرى، ركَّز المسلسل الذي أخرجه "خالد دياب" على إعادة صياغة القصة لتُلائم قضايا اجتماعية مُعاصرة، من خلال المواقف التي تنشأ بين الزوجين حمدي (هشام ماجد) وياسمين (أسماء جلال) من ناحية، وشخصية مديرة المنزل المزعجة.

الشخصيات والفجاجة الكوميدية!

ساهم ضيوف الشرف في منح العمل بصمة خفيفة الظل، وبالكاد تحمَّلت قُصَارة الدراما الضعيفة تكرار الاستعانة بمديرة منزل غريبة الأطوار، وصراخ الزوج الذي يدعو الزوجة للتخلص منها وتوسُّلها من أجل منحها فرصة أخيرة.

على الرغم من حفاظ الموسم الثاني على الخيوط الدرامية الرئيسية للموسم الأول (المتاعب المهنية لحمدي، ومتاعب المنزل، وتدخل الأم (شيرين) في حياة ابنها وزوجته)، إلا أن السيناريو الجديد قرر اللعب بالأوراق الدرامية بطريقة مختلفة؛ فبدأت مشاكل المربية – مُحور حلقات الموسم الأول – تَخْفُت كثيرًا مُقابل تعظيم دور زميل البطل عربي (مصطفى غريب). وهو أمر مُبرر نظرًا لقدرة شخصية عربي غريبة الأطوار على توليد الضحك الصاخب، مُقابل الكوميديا الخافتة التي تُقدمها شخصية حمدي الطبيب الشرعي الأكثر ذكاءً. وأصبح الخط الدرامي للبطل مُجرد رد فعل مُتكرر على تصرفات زميله الأحمق، ولتصبحَ الأمور أكثر قُبولًا، سحب السيناريو الكثير من مستوى ذكاء شخصية حمدي حتى تُصبح صداقتهما منطقية.

رسم الشخصيات في هذا الموسم أكثر غِلَظَة؛ ولهذا مالت الكوميديا للخشونة ولم تُحسن مُعالجة القضايا الحساسة. في الحلقة الأولى، قدَّمت شخصية مدينة (إسلام مبارك) "مديرة المنزل" الجديدة، وهي فتاة ضخمة نهمة للطعام. ولم تكن الحلقة عُنصرية كما اتهمها البعض؛ لأن الشخصية لم تتعرض للسخرية حتى أصبح نهمها للطعام مصدر إزعاج مادي لحمدي وزوجته. وبالطبع، إغراء المبالغة دفع صُناع العمل إلى تخصيص حلقة كاملة تقريبًا قضاها الأبطال في حفل زفاف لا يعرفون فيه أحدًا؛ من أجل توفير طعام مجاني لمدينة. لم أجد خفة ظل في مشاهد التهام الطعام المُقزِزة في هذه الحلقة، أو تبادل إلقاء أطباق الأرز باللبن في حلقة الزار؛ فهذا النوع من الكوميديا قديم الطراز لا يلائم مَودَّ الكوميديا في العمل.

ة
هشام ماجد 

الحبكة وافتقاد التوازن!

أيضًا، مشهد وفاة عالم البحار كمدًا بعد أن لفق له حمدي وعربي تهمة الإهمال والتسبب في قتل قرش نادر كان حدثًا مُحزنًا حتى لو كان في إطار عمل كوميدي. شخصية عالم البحار المُتعصب التي أداها (أحمد الرافعي) كانت لطيفة، ومشهد فُقدانه النطق بعد موت سمكة القرش وتهديد مسيرته المهنية قد يكون كوميديًّا من زاوية ما، بينما كل النكات والسخرية بين حمدي وعربي أمام الجثة في المشرحة خانها التوفيق وغير مبررة.

قدَّم المسلسل في الموسم الأول كتابةً مُتوازنة، إطارها عمل كوميدي اجتماعي خفيف، يناقش قضية مألوفة في كل منزل؛ وهي الصراع اليومي لأي زوجين عاملين من أجل التوفيق بين تربية الأطفال ومهام العمل. وكانت المفارقات والتناقضات هي العناصر الرئيسية للكوميديا، وأضافت الخادمات أبعادًا درامية وكوميدية للفكرة؛ فكل شخصية تظهر في حلقة أو حلقتين كانت تكسر رتابة حياة حمدي وياسمين ومشاكلهما اليومية المُتكررة، وتُضيف تحديًا مُختلفًا حينما يتحول وجودها عبئًا يُضاف إلى كاهل الزوجين.

في الموسم الثاني، تعاظم التحدي مع وجود أربعة أطفال بينما تُحاول الأم التي تركت مهنتها كمذيعة التفرغ لهم، لكنها تعجز فتعود للبحث عن مديرة منزل. ونُعيد مرة أخرى مُشاهدة نسخة مُعاد تدويرها من أفكار الموسم الأول دون تجديد. ويبدو أن صُناع العمل أدركوا ذلك؛ فبدأت الحبكة تُركز على أزمات حمدي المُتكررة في عمله كطبيب شرعي، وهي فرصة لمنح عربي فرصة توليد ضحك مضمون يعتمد على غباء وبَذاءة الشخصية، ومغامرات ياسمين الغريبة لدخول مجال التمثيل رغم انهماكها في تربية أربعة أطفال. وغالبًا، كان الدافع خلق فرصة ثانية لصنع ضحك يعتمد على العلاقة المتنافرة بين ياسمين وفادي (أحمد عبد الوهاب)، المخرج الساخر المُتأفف الذي لا يرى فيها مؤهلات ممثلة.

ع
مصطفى غريب 

ضحكات مُستهلكة!

من الصعب الوصول إلى ذروة الضحك بحبكة مُستهلكة وشخصيات رئيسية نمطية؛ فقد كانت شخصية مديرة المنزل في الموسم الأول هي المُحفز الدرامي لشخصيات الأبطال على التفاعل مع مواقف مُفاجئة؛ مثل مديرة المنزل الشاردة التي تتحدث في الهاتف طوال الوقت (انتصار)، ومديرة المنزل التي تطهو طعامًا لا يُقاوم (إنجي وجدان)، ومديرة المنزل اللصة (ريم خوري)، ومديرة المنزل المُسنة التي تحتاج من يعتني بها (إنعام سالوسة)، وغيرهم من الشخصيات التي منحت الموسم الأول زخمًا دراميًّا وطاقة كوميدية. فالمشاهد كان ينتظر كل حلقة ليتعرف على التحدي الجديد الذي سيواجهه الزوجان مع كل مديرة منزل جديدة.

توارت حبكة مديرة المنزل في أغلب حلقات الموسم الثاني، مُقابل التركيز على قصص مغامرات حمدي وعربي المهنية غير الناضجة دراميًّا؛ مثل حلقة سمكة القرش التي حظيت بأهمية أكثر من (دنيا ماهر) مديرة المنزل المريضة نفسيًّا، المهووسة بحمدي من طرف واحد. وهو خيط درامي جيد تم تهميشه مُقابل التركيز على مهمة تكليف البطل بمرافقة عالم أحياء لصيد قرش نادر في البحر الأحمر. وما حدث مع (دنيا ماهر) تكرر مع شخصيات مديرة المنزل المُدمنة (ناهد السباعي)، ومديرة المنزل المخاوية للجن (آية سماحة)، وحتى انتصار التي تمت الاستعانة بها في حلقتين لتُعيد لازمة الحديث المستمر في الهاتف دون تجديد.

وجود شخصيات ومواقف سحبت البساط من تحت أقدام شخصية مديرة المنزل المُزعجة حَرِفَ الفكرة التي تعتمد في الأساس على مواقف تحدث داخل شقة البطلين. والخروج من الشقة إلى مغامرات صيد قرش ومطاردة تُجار مخدرات وعصابات اتجار بالعملة الأجنبية نقل المسلسل إلى طريق آخر، وهو مغامرات طبيب تشريح وصديقه الأحمق، وهي حبكة تصلح لمسلسل آخر.

ع
اشغال شقة جدا 

أزمات مُهمَلة!

حبكة المشاكل المهنية لحمدي مكتوبة بضعف وكاريكاتورية لا تناسب أسلوب كتابة المسلسل الرئيسي، وهو الكوميديا الاجتماعية الخفيفة التي تعتمد على مواقف يتعرض لها أبطال العمل في حياتهم اليومية مع أزمات الحياة الزوجية وتدخُّل الحموات في حياة أبنائهم، ومشاكل الأطفال والتعليم والمدارس، وغلاء المعيشة. وهي القضايا التي تم إهمالها تقريبًا، مما أدى إلى دخول المسلسل في حلقة مفرغة من السعي للعثور على مديرة منزل تساعد الأبطال ولا تتحول إلى عبء عليهم.

حاول المسلسل الجمع بين نوعين مختلفين من الكوميديا: الاجتماعي الخفيف والكاريكاتوري المُبالغ فيه، فخرج العمل متوسطًا وغريبًا. بعض ضيوف الشرف كان وجودهم حشوًا زائدًا و"افيهاتهم" مكررة ومُستهلكة، مثل طبيب كل التخصصات (محمد محمود) والحماة (شيرين). ورغم ذلك، حافظت شخصيات (أسماء جلال) و(هشام ماجد) على كيمياء العلاقة بينهما، وكانا من عناصر جاذبية العمل.

منذ الموسم الأول، كنت أرى العمل سِباعية كوميدية لطيفة ولا يتحمل المزيد وإلا وقع في فخ التكرار والاستعانة بوسائل الإضحاك التي لا تلائم نوع الدراما. لقد وقع صُناع العمل في فخ تقديم جزء ثانٍ من حكاية بالكاد مرت بسلام من موسم أول مليء بالتكرار واللف والدوران في نفس المواقف وردود الأفعال.

الصور من صفحات أبطال العمل على السوشيال ميديا