
تجارب إنسانية واختيارات ناضجة.. كيف تخطى الراحل عمر الشريف التحديات وقدم أدوارا لا تنسى بعد تجاوزه الستين؟
يحمل عمر الشريف تجربته الخاصة كواحد من النجوم العرب الذين تألقوا في مجموعة ضخمة من الأفلام العالمية التي أثبت من خلالها مدى موهبته ونجاحه في السينما، فاستطاع الممثل المصري الراحل، الذي تحل ذكرى ميلاده الـ93، أن يصبح نموذجا للممثل القادر على اختيار أدواره بعناية، وتحديدا بعد بلوغه الستين من عمره، حيث تنوعت أدواره بين العربية والفرنسية والإنجليزية، وكانت جميع تلك الأدوار تحمل قدرا من الاهتمام بالإنسان وقضاياه، كما عكست تجدد روحه المغامِرة في تقديم أعمال تجعله أقرب إلى الجمهور، لا سيما بعد غيابه لفترة عن المشاركة في السينما والدراما العربية.
دور السيد إبراهيم
شخصية السيد إبراهيم دينجي في فيلم "Monsieur Ibrahim et les Fleurs du Coran"، الذي عرض لأول مرة عام 2003، تعد من أبرز اختيارات عمر الشريف التي كشفت اهتمامه بتقديم نموذج إنساني ملهم لشخص يساعد الآخرين، وتحديدا المراهق موسى، الذي يمر بحالة من الاضطراب بسبب مجموعة من المتغيرات من حوله، بينما يظهر صاحب المتجر البسيط، السيد إبراهيم، في صورة الرجل المسن الذي يتمتع بالحكمة والاتزان، وحب مساعدة الغير، الفيلم من الأعمال التي تحمل ملامح إنسانية وقدرا كبيرا من الأداء المتقن لعمر الشريف، الذي أضاف شاعرية خاصة على العمل، بالإضافة إلى دفء واضح في العديد من المشاهد التي دارت أحداثها في حي بسيط في العاصمة الفرنسية باريس، وقد حاز الفيلم على العديد من الجوائز وقت عرضه.

جاومي في فيلم "J'ai oublié de te dire"
شخصية "جاومي" التي قدمها عمر الشريف في فيلم "J'ai oublié de te dire" ، من آخر الأدوار التي ظهر بها على الشاشة، ولكنها من أكثرها خصوصية، ففيها يجسد دور رسام مسن يحاول مساعدة الرسامة الشابة "ماري"، التي تمر بفترة مضطربة في حياتها، رغم شغفها بالرسم، دون أن تتلقى تدريبًا احترافيًا، تحاول أن تجعل من الرسم مصدرا للرزق، وهنا يبدأ جاومي في دعمها، لكن علاقتهما تتعرض للعديد من التحديات، نظرا لإصابته بمرض الزهايمر، ما يفرض صعوبات إضافية على علاقتهما وعلى تحقيق أهدافهما، الفيلم يحمل في طياته الكثير من التفاصيل الإنسانية، ويبرز كذلك مدى دقة عمر الشريف في اختيار الأدوار التي تناسب عمره، وتركيزه على الأعمال التي تعنى بمساعدة الإنسان.

صادق في فيلم "The 13th Warrior"
خاض عمر الشريف تجربة خاصة في عمر الـ67، من خلال فيلم The 13th Warrior، والذي يعد من أكثر الأفلام تكلفة في نهاية التسعينيات، وقد استعاد فيه النجم المصري روح "لورانس العرب"، حيث جسد دور شخصية تدعى "صادق"، تساعد البطل "أحمد بن فضلان" في مغامرة كبيرة خارج بغداد، مسقط رأسه، ورغم أن الفيلم لم يحقق نجاحا تجاريا كبيرا في قاعات السينما، على الرغم من ميزانيته التي تجاوزت 160 مليون دولار، فإنه أعاد بقوة عمر الشريف إلى هذه النوعية من الأدوار التي يظهر فيها بثوب عربي في السينما العالمية، ويعتبر هذا العمل من أبرز المحطات التي جمعته بالنجم الإسباني أنطونيو بانديراس.
حسن في فيلم "المسافر"
فيلم " المسافر" من أبرز الأعمال السينمائية التي شارك فيها عمر الشريف في السنوات الأخيرة من حياته، وقد شاركه البطولة خالد النبوي وسيرين عبد النور، وتدور قصته حول ثلاث أيام محورية في حياة رجل يدعى حسن، تقع في فترات زمنية مختلفة، بداية من الأربعينيات وصولًا إلى اللحظة التي يعود فيها حسن إلى وطنه، جسد عمر الشريف الشخصية في مرحلة الشيخوخة، ونجح من خلال أدائه المتزن في إبراز تفاصيل أثارت إعجاب الجمهور، حيث كان قادرا على جذب المشاهد بطريقته الدافئة والمثيرة للتعاطف، ورغم أن الفيلم لم يحقق نجاحًا ضخما، فإن الشريف نال ثناء خاص كأحد أبرز عناصر القوة في العمل.
رؤوف في "حنان وحنين"
جسد عمر الشريف شخصية "رؤوف" في مسلسل "حنان وحنين"، الذي عُرض لأول مرة في رمضان 2007، وكان بمثابة عودة قوية للنجم المصري إلى الأعمال الناطقة بالعربية بعد انقطاع، ويعتبر المسلسل من أوائل الأعمال الدرامية التي تصدر بطولتها الشريف، بعدما شارك في بطولة عدد من الأفلام التليفزيونية، وتدور أحداث المسلسل في إطار إنساني حول الغربة والعودة إلى الوطن، وهي الموضوعات التي كان يسعى دائما لتقديمها، نظرا لتقاطعها مع ما يعيشه كثير من المهاجرين، والصعوبات التي يواجهونها عند العودة، قدم عمر الشريف رحلة هادئة وبسيطة من خلال هذا المسلسل، سجل بها بصمته الخاصة في الدراما العربية.
عمر الشريف في "حسن ومرقص"
شكل فيلم "حسن ومرقص" محطة مهمة في اختيارات عمر الشريف للأدوار العربية، فقد تعاون فيه مع النجم عادل إمام، وجرى عرضه لأول مرة في عام 2008، وكان من أبرز أفلام ذلك العام، يجسد الشريف في الفيلم دور شيخ تهدد حياته مجموعة من التغيرات، مما يدفعه للتنكر في شخصية أخرى، في المقابل، يجسد عادل إمام شخصية "حسن العطار". ويعيش الاثنان، مع عائلتيهما، تجربة صداقة تنطوي على العديد من المعاني الرمزية، وتعالج أفكار الاضطهاد والتحيز، التي تؤدي إلى تفكك المجتمعات، وقدم الشريف في هذا العمل أداء اتسم بالعمق والرمزية، مما جعله من أهم محطاته السينمائية في سنواته الأخيرة.
الصور من حسابات صناع الأعمال وAmerican Film Institute على انستجرام.