رحلة تاريخية ساحرة في 8 مواقع سعودية مسجلة في قائمة التراث العالمي لليونسكو
تقع السعودية في قلب الجزيرة العربية، وهي أرض مليئة بالعجائب الحية والأساطير والتجارب المشوقة بداية من المناظر الطبيعية القديمة إلى الكنوز الثقافية والطبيعية، حيث تشكل المملكة مكانًا تتشابك فيه قصص الماضي مع الحياة الحالية.
رحلة ساحرة في أرض الحضارات والتاريخ
بإضافة جوهرة أخرى إلى مجموعتها المتزايدة من العجائب العالمية، أعلنت السعودية مؤخرًا عن إدراج موقعها الثامن ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
حيث انضمت مؤخرا منطقة الفاو الأثرية، الواقعة جنوب الرياض، في شمال غرب الربع الخالي إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو ، نظرا لمكانتها الثقافية والطبيعية الفريدة.
هذا الموقع القديم، الذي يضم حوالي 12,000 من الآثار التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ وحتى القرن الخامس الميلادي، يقدم نافذة رائعة على حياة وإنجازات الحضارات المبكرة.
تسليط الضوء على منطقة الفاو الأثرية الساحرة من قبل اليونسكو يبرز الأهمية العالمية لكنوز السعودية الثقافية الفريدة.
من مواقع التراث العالمي الثقافية إلى الطبيعية، من الفنون الصخرية القديمة في منطقة حائل إلى المناظر الطبيعية الخضراء في واحة الأحساء، والأضرحة الشاهقة في مدائن صالح في العلا، إلى جدة التاريخية وحي الطريف، وغيرها، تعكس هذه المواقع تنوع شبه الجزيرة العربية كمزيج ثقافي لا يزال حاضرًا في ثقافتها وتقاليدها اليوم.
وفي هذا التقرير نصحبكم في رحلة سريعة نستعرض فيها مواقع التراث العالمي الثمانية في السعودية – جاهزة للاستكشاف والتعرف عليها والاستمتاع بتجربة ساحرة فيها.
تضم قائمة المواقع السعودية المسجلة على قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو ثمانية مواقع هي: موقع الحِجر الأثري (1429هـ/ 2008م)، وحي الطريف بالدرعية التاريخية (1431هـ/ 2010م)، وجدة التاريخية (1435هـ/ 2014م)، وموقع الفنون الصخرية بمنطقة حائل (1436هـ/ 2015م)، وواحة الأحساء (1439 هـ/ 2018م)، ومنطقة حمى الثقافية (1442هـ/ 2021م)، ومحمية عروق بني معارض (1445هـ/ 2023م)، بالإضافة إلى التسجيل الحالي المتمثل في المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية (1446هـ/ 2024م).
المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية.. أحدث موقع تراث عالمي في السعودية
استعد للانتقال في تجربة تاريخية ساحرة عبر القرون في منطقة الفاو الأثرية، أحدث موقع تراث عالمي في السعودية. تقع هذه المدينة القديمة على بعد حوالي 700 كيلومتر جنوب الرياض، وهي مركز حضاري وتجاري قديم يدعوك لاكتشاف حوالي 12,000 من البقايا التي تمتد من عصور ما قبل التاريخ وحتى القرن الخامس الميلادي.
تتوفر رحلات منتظمة من الرياض إلى مطار نجران الإقليمي، الذي يبعد حوالي ساعتين ونصف بالسيارة عن الفاو. توفر شركات الطيران مثل الخطوط الجوية السعودية (برحلات من جدة والرياض)، وفلاي ناس (من الدمام وجدة والرياض)، وفلاي أديل (من الدمام والرياض) خيارات مريحة للوصول إلى هذا الموقع التاريخي. يمكن ترتيب وسائل النقل إلى الفاو من خلال سيارات الأجرة أو خدمات تأجير السيارات مثل الوفاق لتأجير السيارات ولومي رينتال.
تخيل وقتًا كانت فيه الصحراء معبرًا مزدحمًا، حيث كان التجار من الأراضي البعيدة يتجمعون في هذه الواحة، التي كانت تقع استراتيجيًا على طرق تجارية رئيسية. في الفاو، تتجسد 6,000 سنة من الاستيطان البشري من خلال النقوش والأدوات والتحف، ونظام إدارة المياه المحفوظ بشكل جيد. مع خلفية مذهلة لصحراء الربع الخالي وسلسلة جبال طويق، يمكنك تقريبًا سماع همسات القدماء.
الرحلة عبر الفاو ليست مجرد زيارة لأنقاض، بل هي غوص في الحياة النابضة لمركز تجاري قديم. تعزز المناظر الطبيعية التجربة، مع مشاهد خلابة لم تتغير منذ العصور القديمة. مع كل خطوة، تتواصل مع الجذور التاريخية العميقة للمنطقة، وتكتشف كيف لعبت الفاو دورًا محوريًا في تشكيل هذا الجزء من العالم.
حي الطريف في الدرعية.. تجربة أصيلة في مهد الدولة السعودية
الدخول إلى قلب حي الطريف في الدرعية، المعروف باسم "مدينة الأرض"، هو زيارة لمكان تأسيس الدولة السعودية الأولى في عام 1727.
في وسطها يقع موقع الطريف التراثي التابع لليونسكو، وهو مهد للثقافة السعودية حيث تعود أصداء الماضي السعودي إلى الحياة.
ويحمل حي الطُّريف آثار الأسلوب المعماري النجدي الذي يتفرد به وسط شبه الجزيرة العربية، وتم تأسيس الحي في القرن الخامس عشر
أضحى الحي مركزاً لسلطة آل سعود إثر تنامي دور الحي السياسي والديني في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر وهو موقع تاريخي يعكس الأسلوب العمراني النجدي التقليدي.
وتضم هذه الآثار قصور متعددة، فضلاً عن مدينة بُنيت على ضفاف واحة الدرعية لتشكل واحدة من أهم المواقع التراثية السعودية المسجلة في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في عام 2010.
واحة الأحساء.. سحر الطبيعة الخلابة
تقع واحة الأحساء في الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية، وهي مجموعة من المواقع تضم حدائق وعيون المياه العذبة وقنوات الري والآبار بالإضافة إلى بحيرة الأصفر، ومبان تاريخية تمثل إستقرار البشر في منطقة الخليج منذ العصر الحجري الحديث وحتى يومنا هذا
ويتمثل هذا الاستقرار في حصون الأحساء التاريخية وجوامعها وينابيعها وقنواتها وغيرها من نظم إدارة المياه
وتعدّ واحة الأحساء أكبر واحات النخيل في العالم إذ يصل عدد أشجار النخيل فيها إلى 2،5 مليون شجرة لتوفر مظلة طبيعية ساحرة على أرض المملكة.
ويعد هذا المنظر الطبيعي الثقافي الفريد من نوعه مثالاً استثنائياً للتفاعل بين البشر والبيئة المحيطة بهم وتم تسجيل واحة الأحساء الساحرة في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في عام 2018، وهي أكبر واحة في المملكة وتحتوي على مجموعة من المواقع الأثرية.
جدة التاريخية.. تجربة خيالية في أحضان التراث
تقع جدة القديمة، أو جدة البلد، أو جدة التاريخية على شط البحر الأحمر الشرقي لتوفر لزوارها واحدة من أروع التجارب التراثية والتاريخية الساحرة التي يمكن خوضها.
وتم تأسيسها منذ القرن السابع الميلادي كميناء رئيسي لطرق التجارة في المحيط الهندي، والتي نقلت البضائع إلى مكة وكانت أيضا بوابة للحجاج المسلمين إلى مكة، الذين وصلوا عن طريق البحر.
تعد منطقة جدة التاريخية مركزاً مزدهراً للثقافات، يتميز بتقاليده معمارية، بما في ذلك المنازل البرجية التي بنيت في أواخر القرن التاسع عشر من قبل النخبة التجارية في المدينة، وجمعت بين تقاليد بناء الشعاب المرجانية في البحر الأحمر مع عدة حرف من طرق التجارة
تسجيل جدة التاريخية ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي جاء لاستيفائها ثلاثة من معايير تصنيف المناطق التاريخية على أنها ذات قيمة استثنائية عالمياً، وركزت هذه المعايير على أن تعرض المنطقة تبادلاً مهماً للقيم الإنسانية على مدى فترة من الزمن أو داخل منطقة ثقافية، حول التطورات في الهندسة المعمارية والفنون الأثرية، وتخطيط المدن، إلى جانب أن تكون مثالاً بارزاً لنوع من المباني أو المجموعات المعمارية أو التكنولوجيا التي توضح عدة مراحل مهمة في تاريخ البشرية، ثالثاً أن تكون المنطقة مرتبطة بالأحداث أو التقاليد الحية مع الأفكار أو المعتقدات أو الأعمال الفنية والأدبية ذات الأهمية العالمية البارزة.
المنطقة التاريخية تضم أكثر من 650 مبنىً تراثي و 5 أسواق رئيسة تاريخية وعدة مساجد تاريخية, ومدرسة تاريخية واحدة، وتمتاز بالطراز المعماري والنسيج العمراني لمدن ساحل البحر الأحمر التاريخية، بمبانيها متعددة الطوابق ومكوناتها الخشبية وطرق بنائها التقليدية، وشوارعها الضيقة التي ساهمت من تعزيز التكاتف الاجتماعي في الماضي.
محمية عروق بني معارض.. مشاهد بانورامية لا مثيل لها
محمية عروق بني معارض تعد أحد أبرز المواقع التراثية المسجلة في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو".
حيث تعد المحمية عبارة عن صحراء رملية تعكس مشاهد بانورامية لرمال صحراء الربع الخالي، إضافةً إلى الكثبان الخطية المعقدة الأكبر على مستوى العالم، كما تحتوي ظواهر طبيعية متميزة.
وتتضمن المحمية أغنى تنوع أحيائي وطبيعي في الربع الخالي، حيث يلتقي أكبر بحر رملي في العالم مع ثاني أطول سلسلة جبلية في الجزيرة العربية لتشكل لوحة طبيعية فريدة وثراء في التنوع رغم صعوبة المناخ، حيث تتراوح أطوال العروق من 200 إلى 300 كلم ويصل ارتفاعها إلى 100 م بينما يبلغ عرض العرق الواحد 5 كلم.
وتقع محمية “عروق بني معارض” على طول الحافة الغربية للربع الخالي على مساحةٍ تزيد على 12.765 كيلومتراً مربعاً، وتشكّل الصحراء الرملية الرئيسية الوحيدة في آسيا الاستوائية، وتُعد أكبر بحرٍ رملي متواصل على سطح الأرض، وتتميز بتنوع نُظمها البيئية التي توفّر موائل طبيعية حيوية لبقاء العديد من النباتات المتوطنة، ومن أكثر النباتات شيوعاً فيها الغضى والأثموم وأشجار الطلح، والبان، والحرمل والطرف، والعشر.
إضافةً إلى احتوائها على العديد من الحيوانات المهددة بالانقراض، والتي تعيش في واحدةٍ من أقسى البيئات على كوكب الأرض، بما في ذلك القطيع الحر الوحيد من المها العربي في العالم، والذّئب، والقطّ الرّملي، والثعلب الرّملي، والضبع المخطط، والوبر والأرنب البري، ومن الطّيور الحبارى والقطا والحجل والصرد الرمادي، والنسور، وعدة أنواع من القنابر، وأنواع عديدة من الزّواحف منها الضّب والورل.
الفن الصخري في منطقة حائل.. تجربة استثنائية ساحرة
هذا الممتلك التسلسلي الساحر في منطقة حائل يتألف من موقعين صحراويين يوجد بهما جبل أم سنمان (جبة) وجبال المنجور وراطا (الشويمس)
أما تشرف سلسلة مرتفعات أم سنمان على بحيرة من المياه العذبة لم يبق منها أثر في الوقت الراهن. وكانت توفر المياه للناس وللحيوانات في الجزء الجنوبي من صحراء النفود الكبرى.
وقد ترك أسلاف الجماعات السكانية العربية الحالية آثاراً تدل على تواجدهم، منها العديد من ألواح النقوش الصخرية إضافةً إلى الكثير من النقوش الأخرى
وتؤلف جبال المنجور وراطا منحدرات صخرية، لواد تغطيه الرمال، في الوقت الحاضر. وتمثل هذه الآثار عدداً كبيراً من الأشكال الآدمية والحيوانية يمتد تاريخها إلى 10000 سنة
و تم إضافة ذلك الموقع التراثي الساحر إلى قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في عام 2021، وتشمل المواقع الأثرية التي تحمل آثارًا من الفن الصخري.
موقع الحجر الأثري.. رحلة فاتنة عبر الزمن
يشكل موقع الحجر الأثري في المملكة العربية السعودية، أول موقع لها يدرج في قائمة التراث العالمي وواحد من أجمل وأروع المواقع التراثية والتاريخية التي يمكن زيارتها في المملكة.
تقع مدينة الحجر على مسافة 500 كلم من شرق جنوب البتراء، شاملةً حوالي 50 نقشاً من الحقبة السابقة للأنباط، وعدداً من الرسوم في كهوفها.
وهذا يعطي موقع الحجر شهادة فريدة من نوعها عن حضارة الأنباط التاريخية ويقدم صورة متكاملة عن تلك الحضارة الخالدة عبر التاريخ.
تبلغ مقابر المدينة عدد 111 مقبرة (وقد زينت 94 منها بالزخارف) وآباره المائية، مثلاً استثنائياً عن الإنجازات الأنباط المعمارية، وخبراتهم الهيدرولوجية.
منطقة حمى الثقافية.. روعة التراث والتاريخ الأصيل
تقع حمى في منطقة جبلية قاحلة في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، وعلى أحد أقدم طرق القوافل القديمة التي كانت تعبر شبه الجزيرة العربية، وتتضمن منطقة حمى الثقافية مجموعة كبيرة من الصور المنقوشة على الصخور التي تصوِّر الصيد والحيوانات والنباتات وأساليب الحياة لثقافة امتدت على 7 آلاف عام دون انقطاع
وكان المسافرون والجيوش، الذين يحلُّون في المكان، على مرِّ العصور وحتى وقت متأخر من القرن العشرين، يتركون خلفهم الكثير من الكتابات والنقوش على الصخور التي بقي معظمها محفوظاً على حاله
وتأتي الكتابات على الصخور بعدة خطوط منها خط المسند والآرامي-النبطي والكتابة العربية الجنوبية والخط الثمودي والكتابة اليونانية والعربية.
كما أنَّ هذا الموقع والمنطقة المحيطة به يذخران بآثار لم يجري التنقيب عنها بعد، وهي تتكون من أرجام وهياكل حجرية ومدافن وأدوات حجرية مبعثرة وآبار قديمة
ويقع هذا الموقع في أقدم محطة معروفة لتقاضي الرسوم وهي كائنة على أحد الطرق الهامة القديمة للقوافل، حيث توجد بئر حمى التي يرجع تاريخها إلى 3 آلاف عام مضى على الأقل، والتي لا تزال تعطي المياه العذبة حتى الآن
وتمت إضافة منطقة حمى الثقافية في في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في عام 2021، وتشمل المواقع الأثرية التي تحمل آثارًا من الفن الصخري.