
ما هي دولة الفاتيكان وما أبرز معالمها السياحية التي تستحق الزيارة
في قلب العاصمة الإيطالية روما تتربع دولة الفاتيكان على مساحة صغيرة لا تتجاوز 44 هكتارًا، لكنها تتمتع بمكانة عظيمة من الناحيتين الدينية والثقافية، وتُعد هذه الدولة المستقلة الأصغر في العالم من حيث المساحة وعدد السكان مركزًا روحيًا وإداريًا للكنيسة الكاثوليكية، حيث يقيم البابا ويُدار منها شؤون الكنيسة على امتداد العالم، وتم الاعتراف باستقلالها رسميًا عام 1929 ومنذ ذلك الحين أصبحت وجهة بارزة تجذب الملايين ليس فقط للأسباب الدينية، بل أيضًا لما تزخر به من إرث فني وتاريخي بالغ الأهمية.
وبين جدرانها الضيقة تنكشف أمام الزائر عوالم من الفنون والعمارة التي تعود إلى عصور النهضة والباروك، فكل زاوية وكل رواق يحمل طابعًا خاصًا يستحضر عصورًا مضت من الفكر والقوة والإبداع البشري، وعند التجول بين الكنائس والمتاحف والحدائق يمكن الشعور وكأن الزمن يعود الى الماضي ليمنح الزوار لحظات تأمل نادرة.
ورغم صغر المساحة تتسع الفاتيكان بعمقها الروحي والفني والتاريخي، فمن الوقوف تحت قبة كنيسة القديس بطرس إلى التجول في حدائقها الغنّاء أو التأمل في تفاصيل لوحات كنيسة السيستينا حيث تتألق صفحات من حضارة تاريخية وإنسانية عريقة، وكل خطوة فيها تقود إلى فهم أعمق لتراث الغرب الديني والثقافي.
وبين الشغف بالتاريخ أو عشق الفن والجمال يجد الزائر نفسه في تجربة لا تُنسى، تمتد آثارها في النفس طويلاً بعد مغادرة الأسوار القديمة لهذه الدولة الفريدة، فهي ليست وجهة سياحية عادية لكونها تحمل تفاصيل فريدة من التاريخ الانساني الحديث..وللاستمتاع بهذه التجربة الساحرة نستكشف اليوم مجموعة من أبرز المعالم والوجهات السياحية في الفاتيكان التي ننصحكم بزيارتها أثناء التجول في هذه الوجهة الرائعة.
كنيسة القديس بطرس Basilica di San Pietro

تُعتبر كنيسة القديس بطرس واحدة من أكثر المعالم شهرة وروعة في الفاتيكان وقد شُيّدت على الموقع الذي يُعتقد بأنه يضم ضريح القديس بطرس أول بابا للكنيسة الكاثوليكية، وقد بدأ بناؤها في القرن السادس عشر واستمر حتى القرن السابع عشر بمشاركة نخبة من أبرز المهندسين والفنانين مثل مايكل أنجلو وجيان لورينزو برنيني ودوناتو برامانتي، والقبة الضخمة التي صممها مايكل أنجلو ترتفع شامخة في الأفق ويمكن رؤيتها من مسافات بعيدة، حيث ترمز إلى قدسية المكان وروعته المعمارية، أما من الداخل فتنتظر الزائر تفاصيل دقيقة من الفسيفساء والمذابح الكبرى ومنحوتة البلدكين البرونزية لبرنيني فوق المذبح البابوي.
وعند دخول الكنيسة يشعر المرء بتأثير المشهد على المستوى الإنساني والفني حيث الصمت والرهبة يلفان المكان، مما يجعل التجربة ذات طابع خاص، وينصح بالتوقف أمام تمثال بييتا لمايكل أنجلو والذي يصور السيدة مريم وهي تحتضن جسد السيد المسيح، ويمكن أيضًا الصعود إلى أعلى القبة للاستمتاع بإطلالة بانورامية على روما والفاتيكان وهي تجربة فريدة من نوعها.
ساحة القديس بطرس Piazza San Pietro

أمام الكنيسة مباشرة تمتد ساحة القديس بطرس وهي مساحة واسعة بُنيت في القرن السابع عشر على يد الفنان برنيني حيث تمثل نموذجًا رائعًا في تخطيط المدن، وتحيط بها 284 عمودًا دوريكياً على شكل نصف دائرة لتمنح الزائر شعورًا بالاحتضان والترحيب، وفي وسط الساحة تقف بشموخ مسلة مصريةتعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام، جُلبت إلى روما في عهد الإمبراطور كاليغولا وتحيط بها نافورتان رائعتان.
وتعد الساحة من أكثر المواقع حيوية حيث تُقام فيها المناسبات الدينية الكبرى وتُلقى منها البركات البابوية، كما كانت شاهدة على لحظات تاريخية مهمة مثل إعلان انتخاب بابا جديد، وفي ظهيرة كل أحد يتجمع الزوار للاستماع إلى صلاة التبشير الملائكي التي يُلقيها البابا من نافذة شرفته، وتعد الساحة نقطة انطلاق أو ختام مثالية لجولة في الفاتيكان.
متاحف الفاتيكان Musei Vaticani

عند الحديث عن الفنون والتاريخ تتربع متاحف الفاتيكان على قمة القائمة، حيث تضم مساحات تمتد لأكثر من سبعة كيلومترات من القاعات والممرات المليئة بالكنوز الفنية، وقد تأسست هذه المتاحف في أوائل القرن السادس عشر بأمر من البابا يوليوس الثاني، ومنذ ذلك الحين أصبحت من أكبر المجمعات المتحفية على مستوى العالم، وتشمل المعروضات تحفًا من العصور الرومانية ولوحات من عصر النهضة ومنحوتات نادرة وكل منها يحكي قصة مختلفة.
ومن بين الأقسام المميزة يمكن التوقف عند متحف بيو-كليمنتينو الذي يضم تماثيل كلاسيكية، ومعرض الخرائط الذي يعرض خرائط من القرن السادس عشر بدقة مدهشة، وكذلك غرف رفائيلو المزدانة بلوحات جدارية رسمها الفنان رفائيل وطلابه، ورغم كثرة ما يمكن مشاهدته يبقى الطريق إلى كنيسة السيستينا هو ذروة الرحلة داخل المتاحف حيث تحتضن هذه الكنوز مجتمعة صفحات من تاريخ الفن الأوروبي.
كنيسة السيستينا Cappella Sistina

لا تكتمل زيارة الفاتيكان دون الوقوف تحت سقف كنيسة السيستينا والتي تُعد من أبرز الإنجازات الفنية في العالم، وتولى مايكل أنجلو مهمة تزيين السقف بين عامي 1508 و1512 حيث رسم مشاهد من سفر التكوين، أشهرها صورة خلق آدم التي أصبحت رمزًا عالميًا للفن والإبداع، كما عاد الفنان بعد سنوات ليرسم على الجدار الخلفي مشهد يوم القيامة بلوحات تجمع بين القوة والعاطفة والتقنية العالية.
وتُعتبر الكنيسة أيضًا مكانًا ذا قدسية خاصة حيث تُعقد فيها جلسات الكونكلاف البابوي التي يتم خلالها انتخاب بابا جديد، وتُحاط الزيارة داخل الكنيسة بهدوء واحترام واضح إذ يُمنع التصوير، ويُطلب من الزوار المحافظة على الصمت احترامًا للمكان وأعماله الفنية.
حدائق الفاتيكان Giardini Vaticani

بعيدًا عن صخب المتاحف والكنائس يمكن أن تكون حدائق الفاتيكان مكانًا مناسبًا للتأمل والهدوء، وتمتد هذه المساحات الخضراء على نصف أراضي الفاتيكان تقريبًا وقد بدأت زراعتها وتزيينها خلال عصري النهضة والباروك، وتحتوي الحدائق على نوافير وتماثيل وكهوف صغيرة ومسارات متعرجة، كما تحيط بها أشجار مزهرة ومناظر طبيعية مريحة للعين.
ولأن الدخول إلى الحدائق ممكن فقط من خلال جولة بصحبة مرشد فإن التجربة تكتسب طابعًا خاصًا من الهدوء والخصوصية، وأثناء التجوال يمكن مشاهدة قبة القديس بطرس وهي تطل بين الأشجار، أو اكتشاف مصليات خفية بين الأروقة، وتتيح هذه الحدائق فرصة للاسترخاء والتواصل مع الطبيعة في بيئة تتناغم فيها العمارة مع النباتات والمياه.
القصر الرسولي Palazzo Apostolico

يمثل القصر الرسولي المقر الرسمي للبابا داخل الفاتيكان، ويشمل مجموعة من الأبنية المتصلة تضم مصليات ومكاتب إدارية ومكتبة خاصة وقاعات للاجتماعات والاستقبالات الرسمية، مثل قاعة ريجيا وسلالم ريجيا ذات الطابع الفخم، ورغم أن كثيرًا من أجزاء القصر لا يُسمح للعامة بدخولها إلا أن بعض الغرف يمكن مشاهدتها خلال زيارة متاحف الفاتيكان.
ومن أبرز هذه الغرف غرف رفائيل والتي زُينت جدرانها بلوحات جدارية مبهرة، أشهرها لوحة مدرسة أثينا التي تُعتبر من روائع الفن في عصر النهضة، ويجمع هذا القصر بين الوظيفة الرسمية والجمالية وهو مساحة تُعبّر عن السلطة الروحية والثقافية التي يحملها المكان.
مكتبة الفاتيكان الرسولية Biblioteca Apostolica Vaticana

تُعد مكتبة الفاتيكان الرسولية من أقدم وأهم المكتبات في العالم حيث تأسست في القرن الخامس عشر وتضم أكثر من 1.1 مليون كتاب مطبوع، إلى جانب 75 ألف مخطوطة و8500 عمل طُبع قبل عام 1501، وتُفتح أبواب المكتبة أمام الباحثين المتخصصين فقط إذ تتيح لهم الوصول إلى كنوز معرفية ثمينة، تشمل مخطوطات دينية ونصوصاً نادرة وإصدارات أولى لكبار المفكرين.
كما أن قاعة القراءة في المكتبة تتميز بأجواء تفيض بالهيبة من خلال نقوشها الخشبية وأسقفها المزينة بالرسوم وأثاثها العتيق، وتُعتبر هذه المكتبة تجسيدًا للعناية بالعلم والحفاظ على التراث الفكري والروحي.