منجزات رؤية 2030 تروي حكاية الأصالة.. 8 مواقع تراثية سعودية تلمع في سماء اليونسكو

منجزات رؤية 2030 تروي حكاية الأصالة.. 8 مواقع تراثية سعودية تلمع في سماء اليونسكو

محمد حسين

في قلب الصحراء، وعلى امتداد الجبال والسهول، تحتفظ المملكة العربية السعودية بكنوز حضارية تمثل فصولاً عظيمة من تاريخ البشرية. ومع انطلاقة رؤية السعودية 2030، لم يعد الحفاظ على هذه الكنوز مجرد مهمة وطنية، بل أصبح مشروعًا عالميًا يعكس التزام المملكة بنقل تراثها للأجيال القادمة، وتعزيز مكانتها الثقافية على الساحة الدولية.

في هذا التقرير، نأخذكم في جولة ملهمة إلى 8 مواقع سعودية تم إدراجها رسميًا في قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو، لنتأمل عبق التاريخ، ونتعرف على كيف ساهمت رؤية 2030 في إبراز هذه المواقع للعالم.

وذلك بالتزامن مع الإعلان عن المنجزات المهلمة لرؤية المملكة 2030 والتي تسير في الطريق الصحيح نحو ريادة سعودية في كافة مجالات الحياة.

وتضم قائمة المواقع السعودية المسجلة على قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو ثمانية مواقع هي: موقع الحِجر الأثري (1429هـ/ 2008م)، وحي الطريف بالدرعية التاريخية (1431هـ/ 2010م)، وجدة التاريخية (1435هـ/ 2014م)، وموقع الفنون الصخرية بمنطقة حائل (1436هـ/ 2015م)، وواحة الأحساء (1439 هـ/ 2018م)، ومنطقة حمى الثقافية (1442هـ/ 2021م)، ومحمية عروق بني معارض (1445هـ/ 2023م)، بالإضافة إلى التسجيل الحالي المتمثل في المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية (1446هـ/ 2024م).

حي الطريف في الدرعية التاريخية.. عاصمة الدولة السعودية الأولى

نبدأ رحلتنا مع المواقع الثمانية السعودية المسجلة لدى اليونسكو من قلب التاريخ الأصيل والتراث الساحر للمملكة وتحديدا حي الطريف في الدرعية.

يقع حي الطريف التاريخي الأصيل في قلب شبه الجزيرة العربية، شمال غرب الرياض، ويشكل هذا المكان أول عاصمة لأسرة آل سعود

حي الطريف في الدرعية.. تجربة أصيلة في مهد الدولة السعودية
حي الطريف في الدرعية.. تجربة أصيلة في مهد الدولة السعودية

ويحمل حي الطُّريف آثار الأسلوب المعماري النجدي الساحر الذي يتفرد به وسط شبه الجزيرة العربية، وتم تأسيس الحي في القرن الخامس عشر.

أضحى الحي مركزاً لسلطة آل سعود إثر تنامي دور الحي السياسي والديني في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر وهو موقع تاريخي يعكس الأسلوب العمراني النجدي التقليدي.

وتضم هذه الآثار قصور متعددة، فضلاً عن مدينة بُنيت على ضفاف واحة الدرعية لتشكل واحدة من أهم المواقع التراثية السعودية المسجلة في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"  في عام 2010.

محمية عروق بني معارض.. وجهة ساحرة لعشاق التاريخ الأصيل

محمية عروق بني معارض تعد أحد أبرز المواقع التراثية السعودية المسجلة في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو".

حيث تعد المحمية عبارة عن صحراء رملية تعكس مشاهد بانورامية لرمال صحراء الربع الخالي، إضافةً إلى الكثبان الخطية المعقدة الأكبر على مستوى العالم، كما تحتوي ظواهر طبيعية متميزة.

محمية عروق بني معارض.. مشاهد بانورامية لا مثيل لها
محمية عروق بني معارض.. مشاهد بانورامية لا مثيل لها

وتتضمن المحمية أغنى تنوع أحيائي وطبيعي في الربع الخالي، حيث يلتقي أكبر بحر رملي في العالم مع ثاني أطول سلسلة جبلية في الجزيرة العربية لتشكل لوحة طبيعية فريدة وثراء في التنوع رغم صعوبة المناخ، حيث تتراوح أطوال العروق من 200 إلى 300 كلم ويصل ارتفاعها إلى 100 م بينما يبلغ عرض العرق الواحد 5 كلم.

وتقع محمية “عروق بني معارض” على طول الحافة الغربية للربع الخالي على مساحةٍ تزيد على 12.765 كيلومتراً مربعاً، وتشكّل الصحراء الرملية الرئيسية الوحيدة في آسيا الاستوائية، وتُعد أكبر بحرٍ رملي متواصل على سطح الأرض، وتتميز بتنوع نُظمها البيئية التي توفّر موائل طبيعية حيوية لبقاء العديد من النباتات المتوطنة، ومن أكثر النباتات شيوعاً فيها الغضى والأثموم وأشجار الطلح، والبان، والحرمل والطرف، والعشر.

إضافةً إلى احتوائها على العديد من الحيوانات المهددة بالانقراض، والتي تعيش في واحدةٍ من أقسى البيئات على كوكب الأرض، بما في ذلك القطيع الحر الوحيد من المها العربي في العالم، والذّئب، والقطّ الرّملي، والثعلب الرّملي، والضبع المخطط، والوبر والأرنب البري، ومن الطّيور الحبارى والقطا والحجل والصرد الرمادي، والنسور، وعدة أنواع من القنابر، وأنواع عديدة من الزّواحف منها الضّب والورل.

منطقة حمى الثقافية.. تاريخ ما قبل التاريخ

تقع حمى في منطقة جبلية قاحلة في جنوب غرب المملكة العربية السعودية، وعلى أحد أقدم طرق القوافل القديمة التي كانت تعبر شبه الجزيرة العربية، وتتضمن منطقة حمى الثقافية مجموعة كبيرة من الصور المنقوشة على الصخور التي تصوِّر الصيد والحيوانات والنباتات وأساليب الحياة لثقافة امتدت على 7 آلاف عام دون انقطاع.

وكان المسافرون والجيوش، الذين يحلُّون في المكان، على مرِّ العصور وحتى وقت متأخر من القرن العشرين، يتركون خلفهم الكثير من الكتابات والنقوش على الصخور التي بقي معظمها محفوظاً على حاله.

وتأتي الكتابات على الصخور بعدة خطوط منها خط المسند والآرامي-النبطي والكتابة العربية الجنوبية والخط الثمودي والكتابة اليونانية والعربية.

منطقة حمى الثقافية.. روعة التراث والتاريخ الأصيل
منطقة حمى الثقافية.. روعة التراث والتاريخ الأصيل

كما أنَّ هذا الموقع والمنطقة المحيطة به يذخران بآثار لم يجري التنقيب عنها بعد، وهي تتكون من أرجام وهياكل حجرية ومدافن وأدوات حجرية مبعثرة وآبار قديمة

ويقع هذا الموقع في أقدم محطة معروفة لتقاضي الرسوم وهي كائنة على أحد الطرق الهامة القديمة للقوافل، حيث توجد بئر حمى التي يرجع تاريخها إلى 3 آلاف عام مضى على الأقل، والتي لا تزال تعطي المياه العذبة حتى الآن

وتمت إضافة منطقة حمى الثقافية في في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"  في عام 2021، وتشمل المواقع الأثرية التي تحمل آثارًا من الفن الصخري.

منطقة الفاو الأثرية.. متحف مفتوح في الهواء الطلق

تقع "منطقة الفاو الأثرية" في محافظة وادي الدواسر جنوب منطقة الرياض، وتمتد على مساحة محمية تبلغ 50 كم2، وتحيطها منطقة عازلة بمساحة 275 كم2، عند تقاطع صحراء الربع الخالي وتضاريس سلسلة جبال طويق التي تشكل ممراً ضيقاً يسمى "الفاو".

تقع هذه المدينة القديمة على بعد حوالي 700 كيلومتر جنوب الرياض، وهي مركز حضاري وتجاري قديم يدعوك لاكتشاف حوالي 12,000 من البقايا التي تمتد من عصور ما قبل التاريخ وحتى القرن الخامس الميلادي.

المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية
المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية 

وتضم منطقة الفاو الأثرية على مظاهر متنوعة فيها تفاعل الإنسان مع بيئته، ومنها: الأدلة الأثرية التي تعود إلى عصر فجر التاريخ، إضافة إلى المقابر الكبيرة التي تشكّلت بتشكيلاتٍ واضحة تتوافق مع التصنيفات الأثرية التي تعود إلى فترات زمنية قديمة، بالإضافة إلى احتواء الموقع على مجموعة كبيرة من العناصر الحضارية والمعمارية التي تُنسب إلى مدينة القوافل التي وُجدت في القرية، ومنها واحة قديمة احتوت على مجموعة من أنظمة الري، وهي معززة بمجموعة استثنائية من الاكتشافات الأثرية والفنون الصخرية، ومجموعة من النقوش الكتابية القديمة.

الفن الصخري في منطقة حائل.. نقوش تحكي قصة استثنائية

هذا الممتلك التسلسلي الساحر في منطقة حائل يتألف من موقعين صحراويين يوجد بهما جبل أم سنمان (جبة) وجبال المنجور وراطا (الشويمس)

أما تشرف سلسلة مرتفعات أم سنمان على بحيرة من المياه العذبة لم يبق منها أثر في الوقت الراهن. وكانت توفر المياه للناس وللحيوانات في الجزء الجنوبي من صحراء النفود الكبرى

وقد ترك أسلاف الجماعات السكانية العربية الحالية آثاراً تدل على تواجدهم، منها العديد من ألواح النقوش الصخرية إضافةً إلى الكثير من النقوش الأخرى

الفن الصخري في منطقة حائل.. تجربة استثنائية ساحرة
الفن الصخري في منطقة حائل.. تجربة استثنائية ساحرة

وتؤلف جبال المنجور وراطا منحدرات صخرية، لواد تغطيه الرمال، في الوقت الحاضر. وتمثل هذه الآثار عدداً كبيراً من الأشكال الآدمية والحيوانية يمتد تاريخها إلى 10000 سنة

و تم إضافة ذلك الموقع التراثي الساحر إلى قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"  في عام 2021، وتشمل المواقع الأثرية التي تحمل آثارًا من الفن الصخري.

جدة التاريخية.. نسمات التراث الأصيل في عروس البحر الأحمر

ومن أبرز المواقع التراثية السعودية التاريخية يبرز اسم منطقة جدة التاريخية الغنية بتراثها الأصيل وتاريخها الفاتن الذي يأسر قلوب زوارها.

تقع جدة القديمة، أو جدة البلد، أو جدة التاريخية على شط البحر الأحمر الشرقي لتوفر لزوارها واحدة من أروع التجارب التراثية والتاريخية الساحرة التي يمكن خوضها.

جدة التاريخية وجهة فاتنة لعشاق التراث
جدة التاريخية وجهة فاتنة لعشاق التراث 

وتم تأسيسها منذ القرن السابع الميلادي كميناء رئيسي لطرق التجارة في المحيط الهندي، والتي نقلت البضائع إلى مكة وكانت أيضا بوابة للحجاج المسلمين إلى مكة، الذين وصلوا عن طريق البحر.

تعد منطقة جدة التاريخية مركزاً مزدهراً للثقافات، يتميز بتقاليده معمارية، بما في ذلك المنازل البرجية التي بنيت في أواخر القرن التاسع عشر من قبل النخبة التجارية في المدينة، وجمعت بين تقاليد بناء الشعاب المرجانية في البحر الأحمر مع عدة حرف من طرق التجارة

موقع الحجر الأثري.. أول موقع سعودي على لائحة التراث العالمي

يشكل موقع الحجر الأثري في المملكة العربية السعودية، أول موقع لها يدرج في قائمة التراث العالمي وواحد من أجمل وأروع المواقع التراثية والتاريخية التي يمكن زيارتها في المملكة.

تقع مدينة الحجر على مسافة 500 كلم من شرق جنوب البتراء، شاملةً حوالي 50 نقشاً من الحقبة السابقة للأنباط، وعدداً من الرسوم في كهوفها.

الحجر أحد أهم المواقع التاريخية والتراثية في المملكة
الحجر أحد أهم المواقع التاريخية والتراثية في المملكة

وهذا يعطي موقع الحجر شهادة فريدة من نوعها عن حضارة الأنباط التاريخية ويقدم صورة متكاملة عن تلك الحضارة التاريخية الخالدة في تلك البقعة الاستثنائية من أرض الوطن.

تبلغ مقابر المدينة عدد 111 مقبرة (وقد زينت 94 منها بالزخارف) وآباره المائية، مثلاً استثنائياً عن الإنجازات الأنباط المعمارية، وخبراتهم الهيدرولوجية.

واحة الأحساء.. جنة ساحرة في قلب المملكة

تعد واحة الأحساء الساحرة من أبرز المواقع التراثية السعودية المسجلة لدى منظمة اليونسكو العالمية وتوفر لزوارها تجربة طبيعية لا مثيل لها.

تقع واحة الأحساء في الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية، وهي مجموعة من المواقع تضم حدائق وعيون المياه العذبة وقنوات الري والآبار بالإضافة إلى بحيرة الأصفر، ومبان تاريخية تمثل إستقرار البشر في منطقة الخليج منذ العصر الحجري الحديث وحتى يومنا هذا

إطلالة رائعة على واحة الأحساء الخلابة
إطلالة رائعة على واحة الأحساء الخلابة

ويتمثل هذا الاستقرار في حصون الأحساء التاريخية وجوامعها وينابيعها وقنواتها وغيرها من نظم إدارة المياه أحد الروافد الخالدة لتلك الوجهة الطبيعية الفاتنة.

وتعدّ واحة الأحساء أكبر واحات النخيل في العالم إذ يصل عدد أشجار النخيل فيها إلى 2،5 مليون شجرة لتوفر مظلة طبيعية ساحرة على أرض المملكة.

ويعد هذا المنظر الطبيعي الثقافي الفريد من نوعه مثالاً استثنائياً للتفاعل بين البشر والبيئة المحيطة بهم وتم تسجيل واحة الأحساء الساحرة في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"  في عام 2018، وهي أكبر واحة في المملكة وتحتوي على مجموعة من المواقع الأثرية.

رؤية 2030... حارسة التراث وصانعة المستقبل

لم تكن هذه النجاحات لتحقق لولا رؤية السعودية 2030 التي جعلت من الثقافة والتراث ركيزة أساسية للتنمية المستدامة. من خلال دعم الهيئات الثقافية، وتطوير البنية التحتية للمواقع التراثية، وتحفيز المجتمع المحلي للمشاركة في الحفاظ عليها، أصبحت المملكة اليوم مثالًا يُحتذى به في إدارة التراث العالمي.

كما أطلقت برامج ضخمة مثل برنامج جودة الحياة وصندوق التراث الثقافي لدعم التوثيق، والتأهيل، والترويج للمواقع الأثرية، مما ساعد في تسجيل مواقع جديدة، وترشيح مواقع أخرى للانضمام لقائمة اليونسكو قريبًا.