Poker Face.. راسل كرو و مُقامرة الكتابة والإخراج في فيلم يسهل نسيانه!
قدم "راسل كرو" نفسه مخرجاً عام 2014 من خلال الدراما التاريخية "The Water Diviner"، وهو فيلم إنساني عن أب مكلوم يبحث عن جثث أبناءه الثلاثة الذين قُتلوا في الحرب العالمية الأولى داخل الأراضي التركية، وجسد "راسل كرور" في الفيلم دور الأب الحزين الذي ندر حياته لمهمة صعبة في بلاد لا يفهم ثقافتها، ولا يثق أهلها بالأجانب، وكان أداءه كممثل أفضل كثيراً منه كمخرج، ولكن الفيلم كان مقبولاً بشكل عام.
مؤخراً عُرض فيلمه Poker Face "وجه المُقامر"، وهو ثاني فيلم طويل يقوم بإخراجه، وقد شارك في كتابته بالإضافة إلى بطولته، وتلك بلا شك مُقامرة من نجم كبير منطقته الأكثر نجاحاً وتقديراً هى التمثيل.
أحزان لاعب البوكر!
وجه لاعب البوكر لا يعرف الإنفعالات، ولا يعبر عما يدور داخل عقل اللاعب من حسابات، ولكن وجه جيك فولي "راسل كرو" حزين منذ بداية الأحداث؛ عيونه ذابلة ويُوشك على البكاء، وصمته مشحون بالأسى؛ ولهذا ليس مفاجئاً أن نتوقع أن لاعب البوكر العبقري يعيش ماساة كما نفهم لاحقاً.
جيك فولي ملياردير يعمل في مجال التكنولوجيا، وقد كون ثروته من برامج ألعاب القمار على الإنترنت، ولديه كثير من العلاقات والنفوذ، ولكن تحاليله الطبية تؤكد أنه في مرحلة متأخرة من السرطان، وعلى وشك الموت. الفيلم ركز منذ البداية على شخصية البطل، وعلى علاقته في سنوات الصبا مع مجموعة من الأصدقاء لديهم ولع بلعب البوكر، ولديه زوجة وإبنة شابة، لا نعرف الكثير عنهما.
بعد مرور سنوات عديدة يوم يدعو أصدقاء الصبا إلى منزله الفاخر المنعزل، وبدا الأمر كما لو كان حفل وداع أراده غامضاً شديد الخصوصية؛ وفي البداية يُخير كل واحد منهم بين الحصول على السيارة الفاخرة التي أحضرته كهدية، أو الحصول على مبلغ مالي ضخم للغاية لو فاز في لعب البوكر؛ ولأنهم مقامرون بطبعهم يوافقون على اللعب، وهنا تبدأ أحداث السهرة البريئة ونقطة تحول درامي متوقع.
ما يقرب من ساعة من زمن الفيلم نُتابع بعض المعلومات التي تؤسس في بطىء قاتل لما سيأتي من أحداث، وترسم بركاكة شديدة شخصيات الفيلم؛ ولكن للأسف لا شىء يأتي لاحقاً يبرر مرور ساعة بلا أحداث ذات قيمة درامية، وهى ساعة محشوة ببعض التأملات الروحانية، ومشاهد الفلاش باك، والحوار الفقير المُمل الذي يدور بين أصدقاء يلتقون بعد سنوات طويلة، والذي يردده الممثلون بلا حماس، وكان مُدهشاً أن كل ذلك يحدث في فيلم إجمالي مدته لا تتجاوز 80 دقيقة فقط.
حبكة تبحث عن مؤلف!
يفتقر الفيلم إلى تفاصيل درامية تدعم مضمون الفكرة الأساسية، وهى الصداقة ولعبة البوكر، وحتى الخيانة التي تعرض لها البطل من واحد من أصدقائه ويكشفها أمام الجميع بدت كحدث يُمكن أن يحرك دراما تلك الليلة الغامضة بتفاصيلها المشوشة، ولكن السيناريو يسير في كل الطرق ولا يكملها حتى النهاية، وينحرف إلى طرق درامية فرعية.
لقاء الوداع الذي قام به البطل يتحول من حفل كريم لتوزيع ملايين الدولارات على أصدقاء العمر إلى ليلة مُرعبة؛ إذ يجبرهم مضيفهم على الكشف عن أدق أسرارهم في مقابل أن يحصل كل منهم على ترياق السم الذي وضعه في مشروباتهم.
ما هى هذه الأسرار؟ وما هى قيمتها بالنسبة إليه؟ ولماذا قرر قتل الجميع؟
هذه الأسئلة جزء من حالة الإثارة التي يشرع في بنائها سيناريو الفيلم، ولكنه يتخلى عنها سريعاً، كما يتخلى لاحقاً عن فرص صناعة تشويق قوي، ويفشل في نسج علاقة مع المشاهد؛ فالشخصيات مُرتبكة مما يحدث، وكذلك المشاهد، ومعهم راسل كرو (البطل والمؤلف والمخرج) وكنوع من إنقاذ السيناريو الغامض من مزيد من التدهور تحدث جريمة سطو على الفيلا الفارهة، وهو نوع من السطو الأحمق لفيلا يُفترض أنها مؤمنة بشكل مُفرط، وكلما ذهب الأكشن إلى مسار يُحقق درجة من الخطورة ينهار كل شىء على الشاشة بعبث يلائم حبكة متواضعة وإخراج يفتقر للتركيز واللمسات الإبداعية.
ينتمي الفيلم إلى نوعية أفلام الجريمة والتشويق، ورغم ذلك فالسرد يُخاصم ذلك، ويحكي تفاصيل حياة البطل ورفاقه بفتور يتنافى مع فكرة التشويق؛ فكل الخطط والترتيبات التي قام بها البطل مع أصدقاء عمره لا تبدو مبررة، والأسرار التي يحكيها كل منهم غير مثيرة، وحتى الخط الدرامي للخيانة تم إهداره.
هل أنقد الأكشن الفيلم؟
مجموعة أصدقاء البطل تضم مثلاً الممثل "ليام هيمسورث"، وهو يبدو في نصف عمر "راسل كرو"، ومن غير المنطقي أن يجسد شخصية صديق صبا رجل يقترب عمره من العقد السادس، وباقي الشخصيات مرسومة بإرتجال وبدون تفاصيل تدعو للإهتمام بها أو بمتابعة تصرفاتها وسلوكياتها الفاسدة، وهى تصرفات نعرف عنها معلومات محدودة للغاية، وحينما توضع كل الإعترافات على مائدة الدراما لا تتطور الأحداث التي خطط لها البطل بدقة وعناية، وينهمك الثلث الأخير من الفيلم في عملية سطو تافهة، وبعض مشاهد الأكشن العادية، وحتى حينما يلجأ البطل وضيوفه إلى الغرفة المحصنة لا يجد السيناريو ما يفعله مع تلك التفصيلة التي صنع منها الكاتب "ديفيد كويب" فيلم إثارة بأكمله بعنوان "Panic Room" " قبل 20 عاماً.
ربما السؤال الذي يُلح على من شاهد الفيلم هو: ماذا يريد الممثل والمخرج وكاتب السيناريو "راسل كرو" من هذا الفيلم المتواضع؟ لو كان يرغب في رسم تفاصيل الأيام الأخيرة في حياة ملياردير شديد الثراء فالرسم كان باهتاً ولا يثير التعاطف، ولو كان يرغب في تسلية المشاهد بفيلم جريمة وإثارة فقد خاب مسعاه ولم يصنع حبكة تشويق محكمة وجذابة.
وجود "راسل كرو" منح الفيلم بعض القيمة وبعض لحظات الأداء الجيد، ولكنه المسؤول الأكبر عن صناعة فيلم لا يحمل أى لمسات فنية أو متعة مشاهدة، لقد قامر على كتابة وإخراج فكرة باهتة، وكان التنفيذ مُتواضعاً، وقد خسر الرهان، وصنع فيلماً مؤهلاً للنسيان.