فعاليات مهرجان البحر الأحمر .. توفيق الزايدي مخرج فيلم "نورة": العمل ليس نسويا وهذا سر اختيار العلا موقعا للتصوير
في ظل الانتعاشة التي تشهدها الحركة السينمائية السعودية في الآونة الأخيرة، شهدت مدينة العلا الأثرية تصوير فيلم "نورة"، أول فيلم سعودي من فئة الأفلام الروائية الطويلة، وأول فيلم روائي طويل للمخرج السعودي توفيق الزايدي، والذي يتناول قصة فتاة طموحة وحالمة تحب الحياة والفن على الرغم من عدم توافر الفرص المتاحة لها في ذلك الوقت، حيث أن أحداث الفيلم تجري في حقبة التسعينيات.
على هامش حضوره لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الثانية، يتحدث المخرج توفيق الزايدي في حوار خاص لمجلة "هي" عن مرحلة الاستعدادات والتحضير للفيلم، وأبرز الصعوبات التي واجهته حتى الآن، فضلا عن موقفه من الطفرة التي تشهدها السينما السعودية مؤخرًا، ودورها في دعم الصنّاع السينمائيين، وكذلك حرصه على الاستعانة بمنطقة العلا التي تم تسجيلها في قائمة اليونسكو للتراث العالمي وأصبحت خلال العامين السابقين وجهة لصناع الأفلام، لتشهد تصوير أحداث الفيلم بالكامل والدعم الذي تلقاه من إدارة "فيلم العلا" حتى يخرج "نورة" إلى النور.
"نورة" أول أفلامك الروائية الطويلة بعد سلسلة من الأفلام القصيرة.. ما الاختلافات والصعوبات التي واجهتك قبل وبعد الانتعاشة الفنية التي تشهدها السعودية مؤخرًا؟
بداية.. أعتبر صناعة الفيلم القصير "صناعة فردية" مهما كان معك من أشخاص، فأنت كصانع عمل تقوم بعمل الكثير من الأشياء بنفسك، بينما صناعة الفيلم الروائي الطويل صناعة فريق كامل، ربما يتجاوز عدد الأشخاص الذين يعملون تحت قيادتك كمخرج نحو 120 شخصًا، وبالتالي تنتقل من كونك واحدًا من الفريق لقائد الفريق ككل، والمخرج الذي لا يجيد القيادة يكون من الصعب عليه توجيه فريق بأكمله في العمل.
قدمت نحو 4 أفلام قصيرة قبل الانفتاح السعودي في مجال السينما والفنون.. أليس كذلك؟
بلى. ووقتها كان المقربون مني يتعجبون مما أفعله، وربما سألني البعض عن سبب "تضييع وقتي" في صناعة ليست موجودة ببلدي، لكن كانت لدي إجابة واحدة "دم السينما جواي.. أنا ما يهمني إذا كانت موجودة بالخارج أو لا"، لذلك عندما بدأت الحركة الفنية في المملكة لم أكن مندفعًا مثل البعض، بل كنت وما زلت لا أتعجل خطواتي، لأني أدري جيدًا أن الفيلم الطويل لا بد أن يأخذ وقته كاملًا ولا يجوز الاستعجال فيه، فضلًا عن أن هناك صعوبات في إيجاد الكثير من المواهب لأن الصناعة لم تكن موجودة أصلا، فالمشاهدة قديمة لكنها صناعة جديدة، وبالتالي لا بد أن تأخذ وقتها في التطور واكتشاف المواهب.
لو أتيحت لك الفرصة لتحويل أحد أفلام القصيرة السابقة لفيلم روائي طويل.. ماذا تختار؟
أعتقد فيلم "الخروج"، فهو عمل لا يعرفه الكثيرون، وبالتالي أريد إيصاله لأكبر قدر من الجمهور السعودي، فضلًا عن كونه الأقرب والأنسب من حيث الفكرة للتحويل لعمل طويل.
ماذا يستفيد المخرج السعودي من مهرجان البحر الأحمر السينمائي؟
يستفيد أشياء كثيرة؛ أولها أن المهرجان يفتح له نوافذ ولقاءات وشبكة تعارف من دول مختلفة، حيث يتواجد الكثير من صناع السينما العالميين، بالإضافة للدعم المستمر والتشجيع بفكرة وجود مجال تظهر من خلاله نتائج عملك، فأنا أذكر مثلا أن شخصا أجنبيًا سألني منذ سنوات عن سبب اهتمامي بصناعة السينما وتواجدي في إحدى الفعاليات بالخارج، رغم أنه لا توجد صناعة فنية في بلدي، وبالتالي وجود المهرجان في حد ذاته يشكّل حافزًا لكل العاملين بالمجال.
كيف ترى دعم مبادرة "ضوء" للصناعة السينمائية في المملكة؟
أمر إيجابي بالتأكيد، فسيناريو فيلم "نورة" فاز بجائزة ضوء لدعم الأفلام من هيئة الأفلام ووزارة الثقافة السعودية في سبتمبر 2019، وهي منحة هدفها دعم المواهب السعودية من محترفين وطلاب متخصصين في مجال إنتاج محتوى سعودي مبتكر. وبالتأكيد سنشارك في المسابقة بمشاريع جديدة مرة أخرة، فالدعم مهم لنا جميعا، لأن حتى في هوليوود توجد مشكلة في التمويل، أزمة عامة موجودة بالصناعة في كل مكان حول العالم، وبالتالي من الجيد أن يكون لدينا جهات ومبادرات مختلفة لدعم السينما.
ما الدعم الذي قدّمته العلا لك في الفيلم؟
أنا أعتبر العلا جزءًا من الفيلم كمنطقة وكدعم، فقد قدموا لنا الكثير من الدعم اللوجيستي والتسهيلات أثناء العمل، كما أن مواقع التصوير كانت أكثر من رائعة، وصورنا الفيلم بالكامل هناك.
تقصد أن أحداث الفيلم في القصة الأصلية تدور في العلا أم تم تعديلها لاحقا لتناسب التصوير هناك؟
بل هي كذلك من البداية، فقد كتبت القصة في عام 2015، والسيناريو في 2017، وقررت منذ ذلك الحين أن تكون المكان الذي تدور فيه الأحداث، لأنني أرى أن جزءًا من المكان هو خلفية للقصة، وبالتالي لا بد من تقديمها هناك.
انطلاقا من الحديث عن كتابتك للقصة.. لماذا بدأت السينما السعودية من نقطة سينما المؤلف في رأيك؟
لأنه لم تكن هناك صناعة، وأي مخرج في بداياته يميل لراوية القصة التي بداخله، وبالتالي أقرب إنسان يمكنه كتابة ما في نفسه هو نفسه، هذا بالإضافة إلى أن الأفلام الأولى عادة ما تستغرق وقتا طويلا حتى تخرج للنور، فهذا الفيلم مثلا أعمل عليه منذ 2015، فمن الكاتب الذي سينتظر 8 أعوام حتى تخرج قصته للنور، لكن في كل الأحوال أرى أن الصناعة في طور التطور بالتأكيد.
نفهم من ذلك أنت قد تكتب لمخرج آخر؟
لا أعتقد، ربما أقوم بالإنتاج لغيري، أما في الكتابة السينمائية فلا أعتبر ما أقوم به كتابة بقدر ما هو تصميم للقصة ككل.
هل اختيارك لاسم الفيلم "نورة" كان من البداية؟ وهل جاءت التسمية باسم البطلة لتوصيل رسالة نسوية معينة؟
نعم هذا هو الاسم الذي وقع اختيار عليه منذ البداية لأنه اسم أمي وليس لأي أغراض أخرى، فأنا لا أحب فكرة وجود رسالة بالأفلام، ولا أعتقد أن دور السينما تقديم رسائل معينة، هذا دور الصحافة والإعلام، بينما السينما دورها الموضوع، وفي هذا العمل لم أحب وضع الموضوع بالعنوان، فاستخدمت اسم الشخصية، لا سيما أن اسم "نورة" من الأسماء المشهورة في الجزيرة العربية.
العديد من الأفلام السعودية الأخيرة يشارك بها بعض مشاهير اليوتيوب.. هل واجهت مشكلة في اختيار فريق عمل الفيلم من الفنانين؟
نعم، فواحدة من أهم الصعوبات لدينا هي الكاستينج، لأن صناعة الأفلام مختلقة عن محتوى اليوتيوب وخلافه، لذلك مثلا في الفيلم شخصية نورة تقدمها وجه جديد اسمها ماريا بحراوي، فتاة سعودية اخترناها قبل التصوير بأسبوع، لدرجة إن اختيار الملابس وشكل الشخصية تم قبل أن نستقر عليها، حيث كنا نبحث عن دور فتاة في بداية المراهقة لكن بعقلية امرأة، وبالتالي كان العثور عليها صعبًا، لكن الحمد لله وجدناها وأعطيناها كل الثقة وهي "ماريا بحراوي" أما شخصية "نادر" الرسام فيجسدها "يعقوب الفرحان" وفخور بالتعاون مع الممثل الكبير "عبد الله السدحان"، أما بقية الممثلين المشاركين فهم أشخاص عاديين من العلا، وهم مجتهدون بحق، وبعضهم أتوقع يكون لهم مستقبلا كبيرا في التمثيل، فمثلا في أحد المشاهد يتواجد به العديد من السيدات، من بينهن سيدة في عمر 68 عاما تقريبا، لكن أعجبني ما قدمته من تمثيل وأداء، وبعد الحديث معها اكتشفت أن التمثيل كان حلمها منذ الطفولة، لذلك سعدت كثيرًا بفرصة التمثيل حين جاءتها، وتمسكت بها رغم أنها على أعتاب السبعين عاما.
العديد من الأفلام السعودية التي قدمت مؤخرًا تدور أحداثها في فترة التسعينيات مثل "حد الطار" وأغنية الغراب" وكذلك فيلمك الجديد "نورة".. هل هذه الحقبة ملهمة لكم جميعا أم الأمر مجرد مصادفة؟
فيما يتعلق بتكرارها في عدد من الأعمال، فأعتقد أن السبب هو كون التسعينيات بها جماليات محسوسة، بينما التقنيات والتكنولوجيا الحديثة قتلت هذه الجماليات في واقعنا الحاضر. أما في فيلم "نورة" فحقبة التسعينيات تشكّل موضوع الفيلم، لأن الفن كان موجود في داخل الإنسان فقط وليس في الخارج.
هل تمت الاستعانة بفنان تشكيلي للاستعانة برسوماته؟
نعم، أول شخص جلست وتناقشت معه في ذلك هو الراحل سعد العبيد أول فنان تشكيلي سعودي.
هل تطلع لعرض الفيلم في مهرجان أوروبي أو عربي أولا؟
بالتأكيد أحب أن يكون مساره مسار مهرجانات، وبمجرد الانتهاء منه سنقرر الأفضل والأنسب له، سواء كان مهرجانا أوروبيا أو عربيًا.