خاص "هي": بمناسبة يوم التأسيس... جدران الدرعية بعدسة سعودية وتاريخ يزهر بالحب والعراقة
لطالما عُرفت المرأة بحبها الفياض ودعمها ومساندتها لمن حولها، فالمملكة العربية السعودية منذ تأسيسها ارتكزت على النساء اللواتي حفرت أسماءهن في ذاكرة كل سعودي، لتخلد في سماء التاريخ. تُعتبر الدرعية أرض التاريخ والحضارة والانتصار، كانت وما زالت منبع أعظم النساء السعوديات، منها وإليها قدمت المرأة حبها وعطاءها ودعمها وتشجيعها. فكانت الدرعية آنذاك بمنزلة الأم الحنون التي يخشى عليها أبناؤها، والأخت التي يعتز ويتفاخر بها إخوتها، وأصبحت في زمننا الحالي كالجدة التي تحمل في طيات تجاعيدها تاريخا عريقا يزهر بالحب ويفيض بالحمية. يزداد حب المملكة العربية السعودية في قلوب الشعب يومًا بعد يوم، حدثًا بعد حدث واحتفالًا بعد احتفال، فهذه الأرض تأسست في سبيل الحب والولاء والانتماء والأصالة، وهذا ماوجدنا أنفسنا عليه اليوم، وهو إرثنا من آباءنا وأجدادنا وسيستمر إرثًا عريقًا جيلًا بعد جيل.
على وادي حنيفة في عام 1446 نشأت قصة مليئة بالحب والانتماء، عندما استوطنت عشيرة "المردة" من "الدروع" المنطقة بقيادة الأمير مانع المريدي، لتؤسس فيها إمارة الدرعية، وأصبحت هذه المنطقة المستقرة إحدى أهم نقاط عبور قوافل الحج والتجارة على الرغم من سوء الأحوال السياسية في شبه الجزيرة العربية. بعد ذلك، وتحديدا في عام 1727 أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى متخذًا الدرعية عاصمة لها، فقد كان شخصية ذات نظرة مستقبلية ثاقبة وتملك حسا إداريا عاليا، وحبا في صنع التغيير. ومن خلال ذلك، أعلن المؤسس الإمام محمد بن سعود بدء مرحلة جديدة تقوم فيها الدولة السعودية الأولى، متوجها بها نحو توحيد المناطق والقبائل لتضع يدها بيده حتى تقوم الحضارة في هذه الدولة.
وشهدت هذه المرحلة الكثير من الأحداث المهمة، وقد كان دور المرأة فيها فعالا وواضحا، كما هو الآن في زمننا الحالي، فكانت زوجة الإمام المؤسس محمد بن سعود امرأة محبة للخير، وتبدي اهتماما عاليا بالتعليم، ولها العديد من اللفتات الإنسانية في مساندة الفقراء والمساكين، وقد بنى لها ابنها الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود وقفا في حي الطريف سمي بـ"سبالة موضي"، والسبالة هي وقف خيري لخدمة المجتمع، وكانت سبالة موضي تخدم الفقراء وعابري السبيل وطلبة العلم.
ولم يقتصر حب المرأة في الدرعية على طريقة محددة، فمن لغات الحب في ذلك الحين كانت شجاعة الجوهرة بنت عبدالله آل معمر، وهي ابنة أمير العيينة عبدالله بن معمر، وتزوجت الجوهرة من الشيخ محمد بن عبدالوهاب عند قدومه للعيينة، وكانت رمزا من رموز الشجاعة لمساعدتها الإمام محمد بن سعود الذي أعطته الأمان حينما نوى حاكم العيينة الغدر به، حبا للعدالة ونصرة له.
لم تتوقف المرأة عن نشر حبها عبر الأزمان، ففي الدولة السعودية الثانية عام 1818 كان للإمام تركي بن عبدالله سند عظيم، وهو زوجته هويدية بنت غيدان آل شامر التي أكرمته وسقته قبل زواجه منها، وبعدها وقفت بجوار الإمام هي وعشيرتها في حربه لاستعادة حكم آبائه وأجداده، كما كانت فخرا لأبنائها وأحفادها لما قدمته من محبة ومساندة للإمام تركي.
استمر تواجد المرأة المحبة والمعطاء طوال فترة الدولة السعودية الثانية، وحتى انتهى عهدها وبدأ عهد الدولة السعودية الثالثة على يد الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي اشتهر بلقب "أخو نورة"، وبدأت حملات التوحيد دخول الرياض عام 1902. وكان للأميرة نورة بنت عبدالرحمن دور عظيم في مساندة أخيها قبل وأثناء فترة حكمه للمملكة العربية السعودية، ودعمته عندما اعتزم استعادة ملك آبائه وأجداده، فقد اتسمت بقوة الشخصية والشجاعة، لذا كانت للأميرة نورة مكانة خاصة لدى الملك عبد العزيز، وكان يردد في أصعب المواقف: "وأنا أخو نورة"، محتميا ومعتزا بها، لتصبح "نورة" اليوم رمزا عظيما للمملكة العربية السعودية ومصدر إلهام لفنانيها. ففي الدرعية يرتكز عمل فني سمي بـ "ركائز النورة" صنعه الفنان حمود العطاوي، مستلهما اسمه من عزوة الملك عبدالعزيز، وهو مصنوع من الأعمدة المتبقية من القصور والبيوت الطينية في حي الطريف.
ولا يزال حتى يومنا هذا اسم كل من هؤلاء النساء حاضرا في ذاكرة التاريخ، وتستمر المملكة في تأسيس أجيال عظيمة من نسائها اللواتي يتسمن بأسمى الخصال، فالمرأة في تاريخ السعودية عُرفت بحب العطاء، وحب المساندة، ونصرة من تنتمي إليهم، ومنذ تأسيس الدولة السعودية الأولى لم يتوقف التاريخ عن تخليد أسماء كان لها بصمة في تاريخ المملكة العربية السعودية.