تسعى للحفاظ على التراث الثقافي.. الأميرة حياة أرسلان لـ"هي": أدعو للعودة إلى الجذور والتمسك بالعادات والتقاليد
انطلقت الأميرة حياة أرسلان من الخلفية الجبلية التقليدية، لكنها أصبحت نصيرا قويا للمرأة، وناشطة في مجال حقوق الإنسان، كما في الحفاظ على التراث الثقافي لمنطقة عاليه في لبنان وتاريخ هذه المنطقة الغني. في بداياتها كانت "إسفنجة" تمتص الخبرات من الحياة الحافلة لقصر الأمير مجيد أرسلان، أحد الرجال الذين أسهموا في حصول لبنان على استقلاله، وأول وزراء دفاعه. وبعد أن تمكنت، كانت انطلاقة حافلة لم تقوَ سنوات العمر على كبح جماحها. فـ"الأميرة الثائرة" لا تزال تشغل كل لحظات نهارها بقضايا المرأة وقضايا أهل منطقة الجبل التي نشأت فيها. هي زوجة السياسي اللبناني الراحل فيصل أرسلان، الذي كان قد تولى زمام الأمور في عائلته السياسية بعد وفاة والده الأمير مجيد أرسلان، وهو أحد رجالات الاستقلال في لبنان. وبعد وفاته أصدرت حياة أرسلان، كتابا بعنوان "فيصل مجيد أرسلان.. اعتنق الوطن مذهبا" سنة 2016، كما افتتحت متحفا باسمه سنة 2015 ليس تكريما لزوجها فحسب، بل أيضا لتاريخ أسرة أرسلان... أسست عام 1983، جمعية لبنان العطاء الخيري، وهي جمعية تركز على التعليم والرعاية الاجتماعية. وأطلقت برنامج تمكين النساء اقتصاديا. كما أنشأت مدرسة تدريبية للنساء في عاليه، وأسست لجنة التمكين السياسي للمرأة، إلى جانب طاولة حوار المجتمع المدني. "هي" كان لها لقاء مع الأميرة الاستثنائية بذكائها وأدوارها في مختلف محطات حياتها، وفي حرصها على التمسك بالجذور والعادات والتراث.
لقب الأميرة يعود إلى أكثر من 1300 سنة، وهو يمثل عراقة العائلة، فما المسؤوليات التي حمّلك إياها هذا اللقب؟
لقد قدّم اللقب لي الكثير، وأبرزها الاندفاع في الحياة، وفتح أمامي الكثير من الأبواب في أي مكان أحضر فيه، لكنه أيضا مسؤولية كبيرة. فبمجرد ذكر اسم أميرة قبل الاسم تنشدّ الأنظار إلى حاملة اللقب لاكتشاف مدى تطابق هذا اللقب معها، ومدى مقدرتها على حمل مسؤوليته. أنا أؤمن بأنه عندما يختار لنا الله مكانا أو دورا معينا في الحياة، لا بد أن نؤديه، واختارني الله لهذا الدور لأتمم مسؤولياته لا للتمتع به على المستوى الشخصي. ولا أستطيع أن أنكر أن هذا اللقب يدغدغ المشاعر، فيجلب السعادة إلى حامله، لكن إذا لم يكن حامله على قدر مسؤوليته يصبح هذا اللقب عبئا ثقيلا، لا بل يكون وقعا سلبيا عليه. ولطالما رفضت مناداتي بالأميرة من الناس المحيطين بي من الأهل والأقارب، لأني أريد أن أشعر بأننا متساوون ولا يفصلنا اللقب، بل يجمعنا المصير الواحد والمستقبل الواحد، لذلك أرفض أن يفرق اللقب بيني وبين الناس الذين أتعاطى معهم.
وأذكر في أنه في أحد المؤتمرات التي شاركت فيها، كنت أحضر لجلسة حوار، ولاحظت كم كان الحضور محتشدا، وعرفت فيما بعد أن سبب هذا الحضور كان بسبب الحماس لمتابعة ما ستقدمه "الأميرة" في هذه الجلسة. وعلى الرغم من المسؤوليات التي يلقيها اللقب على عاتق حامله، يمكّن صاحبه من تنفيذ الأعمال الواجبة عليه.
سنة 2016 كتبتِ قصة الأمير فيصل مجيد أرسلان، ونشرتها في كتاب يحمل الكثير من التفاصيل، ويحكي عن تاريخ العائلة الأرسلانية.. ما الذي دفعك إلى هذه الخطوة؟
لا بد من الإشارة بداية إلى أن التوثيق أمر في غاية الأهمية في حياة الناس. كانت الغاية الأساسية من هذا الكتاب أن أوثق مسيرة الأمير فيصل، وأن أقدم رسالة من هذه المسيرة، وأقدم نموذجا عن الإنسان الذي ينحو إلى السلم، وليس إلى الحرب أو العنف. فالتزام الأمير فيصل بوطنه أوحى لي بعنوان الكتاب "الأمير فيصل مجيد أرسلان، اعتنق الوطن مذهباً"، فأردت أن أظهر مكونات شخصيته، فهو أبن الأمير مجيد أرسلان، وحفيد الأمير خالد شهاب، وكان أول رئيس وزراء في لبنان، وقريب العائلة الجنبلاطية من جهة زوجة الأمير مجيد السيدة خولة أرسلان، ومقترن بعائلة وهاب صاحبة التاريخ المجيد الحافل، وكان لا بد من الإضاءة على مختلف نواحي وجوانب حياته، لأثبت كم كان أميرا بكل مواصفاته. وبكل فخر وتواضع أقول إنه من القلائل الذين فضلوا الوطن على مصلحتهم الشخصية. فألقيت الضوء على مسيرته في كل الحقب التي مرت، لأوصل رسالة صادقة وواضحة أقول فيها: إن القضية لا تمثل أي شخص، بل تمثل الوطن والجماعة.
متحف الأمير فيصل هو امتداد للقصر الذي تقيمين به، ماذا عن فكرته؟
هو أول متحف في عاليه، وقد بادرت به تكريما ليس لزوجي فحسب، بل لأسرة أرسلان في نفس الوقت. والواقع أن تحويل قصر الأسرة إلى مكان ذي أهمية تاريخية كان رغبة الأمير فيصل نفسه، الذي أصر على أن "ما حققه اللبنانيون هو ملك لبنان". ويحتضن المتحف الكثير من ذاكرة الجبل كما من ذاكرة الوطن، وكان لا بد من الإشارة إلى هذا التاريخ، وخاصة أنه يتضمن الكثير من التفاصيل التاريخية العريقة. ويحظى المتحف باهتمام لبناني بارز، وأيضا من قبل شركات السفريات التي تعمل على تنسيق الجولات السياحية للسياح الأجانب المهتمين بتاريخ لبنان القديم، ويقدم ابني الأمير عادل للسياح تفاصيل هذا التاريخ بمراحله المهمة وبأسلوب وتفاصيل مشوّقة، وأتابع بعدها شرح دوري في العمل على تمكين المرأة اقتصاديا وسياسيا. وهذا يعكس وجها جميلا لمنطقة الجبل تحديدا، وللبنان عموما، وهنا تكمن أهمية هذا المتحف الذي افتُتح في عام 2016، ووصل إلى هذه المرحلة المهمة في السياحة التراثية للبنان.
مقتنيات القصر كثيرة، حيث تحتضن كل زاوية تحفة أو قطعة في حناياها قصة طويلة، ماذا تعني لك؟
هذا المكان الذي أعيش فيه يعني لي الكثير، لأنه يحتضن الكثير من الذكريات العائلية، وأتذكر في أول أيام شبابي عندما كنت أسلك طريق عاليه مع عائلتي بالسيارة، كنت ألتفت دائما إلى هذا القصر الذي كان يسحرني بجماله وبمدخله الدائري المميز، وكانت صدمتي كبيرة عندما دعيت للمرة الأولى مع عائلتي إلى منزل أهل خطيبي، لأفاجأ حينها أن هذا القصر الذي طالما بهرني هو لعائلة أرسلان، وكأني كنت أنظر إلى مستقبلي من خلال اعجابي بهذا القصر. فهذا القصر عبارة عن كيان متكامل يكمن في قلبي، أمضيت فيه أجمل أيام حياتي وخصوصاً عطلات الصيف مع العائلة.
إلى أي مدى كانت المسؤولية كبيرة على عاتقك، بزواجك المبكر في سن العشرين وتولي تربية أولادك الأربعة بصفتهم أحفاد الأمير مجيد أرسلان ضمن الأصول والعادات وتقاليد أهل الجبل؟
بقيت متمسكة بالعادات والتقاليد التي تربيت عليها طوال سنوات وجودي في بيت أهلي، ووجدت الانفتاح الأكبر مع عائلة أرسلان بالنسبة للاختلاط والمظاهر المختلفة بين فئات الناس، حيث الاستقبالات الشعبية نهارا، وهي الأقرب لي لكوني ابنة ضيعة (قرية). أما في المساء، فكان الأمير مجيد يستقبل كبار السياسيين في الدار، وكنت أحافظ على وجودي بينهم بكل وقار، دون أن أشعر بالخجل أو أتصنع الاهتمام. وكنت أشبه بالإسفنجة في سنواتي الأولى في هذا القصر، حيث كنت أتعرف إلى كل ما يحيطني، وأعمل على ثقافتي لأنطلق فيما بعد بأسلوبي الخاص.
تولت ابنتك الوسطى غنى مؤخرا رئاسة جمعية لبنان العطاء الخيرية، ماذا عن مهماتها؟
لهذه الجمعية دور أساسي في تمكين المرأة اقتصاديا، وتوعيتها بدورها في الحياة وزيادة ثقتها بنفسها، والعمل على تمكينها اقتصاديا بوساطة أشغالها اليدوية، وحثها على الإنتاج لحماية وتحرير نفسها والاستقلال. وبدأت غنى من خلال هذا الدور وضع الخطط اللازمة للنهوض بوضع المرأة، والإشراف على جميع التفاصيل على الرغم من أنها حاليا انتقلت للسكن في هولندا بحكم التزامها المهني. قريبا ستكمل هذه الجمعية عامها الأربعين، وما زلنا حتى اليوم نقيم المعارض التي تقدم أشغال السيدات اليدوية والحرفية. وآخر إنجازات الجمعية إنشاء مكتبة ديالا أرسلان، إذ تتولى الجمعية تسويق فكرة المكتبة لبنانيا وعربيا، والعمل على توأمتها مع المكتبات العربية.
ماذا تخبرين عن بقية أولادك؟
مدى ابنتي الصغرى تعمل في مجال إدارة الأعمال، وتحديدا في مجال تمويل المشاريع الناشئة، وهي إنسانة ناجحة كرست حياتها لمهنتها، أما ابني عادل، فهو يقبل على الحياة بأسلوبه الخاص، فهو جريء ومنطلق وصاحب شخصية مقدامة وشجاعة، ويجمع بين طيبة وشفافية والده، وجرأتي واستعداداتي التي لا كوابح لها.
إلى أي مدى لعب الرجل دوره في حياتك؟
الرجل كان أساسيا في حياتي، وكل اندفاعاتي وقوة شخصيتي استُمدت بداية من والدي، فقد كان صاحب شخصية مميزة بقوته وصدقه وجرأته وحنانه، فهو إنساني وخيّر للغاية، لكنه في الوقت نفسه لا يسكت عن الحق أبدا، ولا يرضى بالظلم، فكان مزيجا من شخصية هادئة ومفكرة واجتماعية تتلاقى مع شخصية صلبة وقوية.. تأثرت فيه لأقصى الدرجات، وقوة شخصيتي تنبع من قوة شخصيته، أما والدتي، فتمثل الشق الجميل في حياتي من خلال شخصيتها المحافظة والمتدينة والمتفانية، والتي زرعت في أولادها الكثير من القيم، فتأثرت بهذه الأجواء إلى أن ارتبطت بالأمير فيصل الذي حمّلني الكثير من المسؤوليات بكل ثقة، فاعتمدت على نفسي كثيرا، وناضلت في الحياة بأسلوبي الخاص، ونلت شهادتي الجامعية في العلوم السياسية بعد إنجابي لولديَّ ديالا وعادل وبعد معارضة أولية من زوجي ووالدي، لكني استطعت إقناعهما، لأني كنت مصرة على نيل الشهادة الجامعية. وكانت شهادتي في العلوم السياسية المفتاح الذي ساعدني لمعرفة خلفيات الإشكالات السياسية التي مرت وتمر على لبنان.
ما الرسالة التي ترغبين في إيصالها لكل امرأة لبنانية وعربية؟
على كل امرأة لبنانية أن تعتدَّ بنفسها، وتعرف أنها قيمة كبيرة بسبب الظروف الصعبة التي مرت بها، واستطاعت أن تتخطاها وتحافظ على عائلتها، وأثبتت نفسها في مجتمعها ومحيطها دون أن تتشرذم عائلتها. وبكل فخر أقول إن العائلة اللبنانية من أكثر العائلات ترابطا وتماسكا، وهي مصدر استقرار عاطفي ونفسي. وكل هذا نتيجة عقلية وتربية وعمل المرأة اللبنانية. أما المرأة العربية، فلا يسعني إلا أن أتقدم لها بكل معاني التهنئة للخطوات الكبيرة والجبارة المميزة التي قامت بها في فترة زمنية قياسية، وجاءت النتيجة مميزة ومدهشة، بعد أن تألقت المرأة العربية في مختلف المجالات بكل قوة ورقي.
إلى أي مدى تدعين إلى العودة إلى الأصول والتمسك بالجذور؟
دعوتي تتمثل في كل ما أفعله، فشخصيا تمسكت بالجذور في كل مسار حياتي، وطالبت بالعودة إلى الجذور في كل مجالات عملي، لأنها أساس الوجود وأساس ارتباطنا بأرضنا وشخصيتنا.