"أغنية المهاجر" وجرح الانسلاخ عن الوطن حوار مع الموسيقية المتعددة المواهب يمان الحاج

في إحدى أشهر القصائد التي كتبها الشاعر الكبير نزار قباني أثناء اغترابه، قال: "هنا جذوري هنا قلبي هنا لغـتي... فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح؟". عشق الوطن هو حب لثقافة، لحضارة، لأرض، لشعب، هو حب نتشاركه مع أبناء بلدنا. وكأي حب حقيقي آخر، يمر بتقلبات ترافقه فيها أحاسيس لا تنتهي، من الفخر والاعتزاز والفرح إلى الغضب والحسرة والألم وأحيانًا اليأس...

من حبّ وطنها ووجعها الناجم عن مغادرته وترك أرضها وبيئتها وأهلها للعيش والعمل في دبي، انطلقت الموسيقية اللبنانية الشابّة يمان الحاج في رحلة شخصية جدًا كتبت ووزّعت وأدّت خلالها أغنيتها المنفردة الثانية، بعنوان "أغنية المهاجر" The Immigrant’s Song، والتي تشاركها في غنائها والدتها الفنانة فاديا طنب مع مقطع باللغة العربية.

في هذه المقابلة الخاصة بموقع "هي"، نتحدّث عن فكرة الأغنية، ومشوار تأليفها وتنفيذها، والفيديو كليب المؤثر الذي تكامل معها بشكل رائع، والمشاريع التالية، مع يمان الحاج المغنية والعازفة والملحنة والكاتبة والمنتجة التي نشأت في كنف عائلة من الفنانين، وبدأت مسيرتها الموسيقية وهي بعمر خمس سنوات، وأسرت قلوبنا قبل أربعة أعوام  في برنامج "ذا فويس" حيث وصلت إلى المرحلة نصف النهائية.

"أغنية المهاجر" هي أغنيتك المنفردة الثانية. أخبرينا عن ما ألهمك في كتابتها وتجربة العمل على مراحلها المختلفة.

أكتب عن الهجرة منذ أن غادرتُ وطني لبنان، وقبل ذلك حتى، لأنني منذ صغري رأيتُ أشخاصًا قريبين منّي يسافرون أو يهاجرون. والدتي مثلًا كانت تسافر كثيرًا من أجل العمل، شأنها شأن شقيقتي التي كانت أيضًا تسافر وأنا في سن صغيرة. إذًا، اختبرتُ معنى الفراق بسبب مغادرة من أحبهم، في سن باكرة. وحين غادرتُ وطني وهاجرتُ، عادت هذه المشاعر المدفونة والمزروعة في وجداني منذ الطفولة إلى السطح لتنبت بل تنفجر، خصوصًا لأنني رحلتُ عن بلادي بطريقة أشعرتني بأنني أنسلخ عنها. 

لكنني فور وصولي إلى دبي، وخلال الفترة الأولى من مكوثي فيها، لم أسمح لنفسي بالتعمق في هذه المشاعر المؤلمة لأنني أردتُ أن أحمي نفسي بعض الشيء وأتوقف عن الإحساس. لمدة سنة كاملة، أغلقتُ باب أحاسيسي، قبل أن أعود وأفتحه شيئًا فشيئًا أمام كل ما أشعر به، وأول ما بدأتُ الكتابة عنه كان موضوع الهجرة. الأسطر التي صارت لازمة الأغنية كُتبت في الساعة الثالثة فجرًا، ومن بينها الاستعارة المجازية التي تشبّه الإنسان العربي بالطير الذي يضطر إلى التنقل والمهاجرة دون أن يكون له مسكن ثابت، فيبحث عن مكان أكثر "دفءا" حين يحاصره "برد" تستحيل مواجهته. وبعد ذلك، بقيتُ ليومين أو ثلاثة أيام في غرفتي أكمل كتابة الأغنية، وأبتعد عن العالم، وأفتح "جروحي"؛ فالكتابة العميقة والصريحة مع الذات هي تجربة حادّة ومؤثرة تتطلب انغماسًا في الذاكرة والقلب والروح. 

تحوّلت هذه الكلمات الصادقة والنابعة من مشاعر عميقة إلى أغنية ملحّنة وموزّعة، مغنّاة ومعزوفة. لكن ماذا عن مشاركة والدتك الفنانة فاديا طنب الحاج؟

وضعتُ اللمسات الأخيرة على الأغنية، كلمات ولحنًا، وسجّلتُ النسخة التجريبية الرئيسة التي أسمعتُها إلى من أثق بهم وبآرائهم، ومن بينهم والداي. أحبّها الكل، لكنني  سمعتُ من البعض أن هناك شيئًا ناقصًا، وقد يكون العنصر الشرقي الغائب عن الأغنية المكتوبة باللغة الانجليزية حصرًا، ولا سيما لأنها أغنية تتحدث عن شعبنا وناسنا. من هنا، خطرت لي فكرة التعاون مع والدتي، لأنني في الأغنية نفسها أذكر حديثًا بين ابنة وأمها وألمّح إلى مفهوم الهجرة الموروثة والمنتقلة من جيل إلى جيل، وكأننا محكومون بها إلى الأبد. أقول في الأغنية لوالدتي إنني لا أريد المغادرة وأطلب منها أن تبقيني بجانبها، فتردّ علي بأغنية كانت تغنّيها لها والدتها.
كانت الفرصة المثالية للغناء بجانب والدتي التي هي في الأصل فنانة وتغني باللغة العربية. شرحتُ لها الفكرة التي لم تكن موجودة في بالي في البداية لأن أسلوبينا الموسيقيين مختلفان جدًا، ولم أكن يومًا أعتقد أننا سنستطيع التعاون على عمل مشترك. وافقت فورًا، وطلبنا من والدي أن يكتب الكلمات التي ستغنيها ماما بالعربية لأن كتابته العربية رائعة. 

الخطوة التالية كانت التسجيل في استوديو داني بو مارون، وأدخلنا إلى التوزيع آلة العود، إلى جانب آلة الكمان التي شاركتُ في عزفها. والمرحلة الأخيرة تمثّلت في تصوير الفيديو كليب مع المخرج إيلي فهد في منطقة فالوغا اللبنانية الجبلية.

إيلي فهد كان أيضًا مخرج فيديو أغنيتك الأولى 90’s Kid. لماذا تعاونتِ معه من جديد؟

أرتاح في العمل مع إيلي لأن نهجه يحاكي نهجي، فيحب مثلي أن يسرد قصّة، ولا يكتفي بمجرّد تقديم عمل بصريّ تراه العين جميلًا. وأنا بدوري أحب أن يشعر كل من يسمع أغنيتي ويغمض عينيه وكأنه يشاهد فيلمًا. 

في فيديو "أغنية المهاجر" مشاعر كثيرة. كيف كانت تجربة تصويره؟

يوم التصوير غصّ بالمشاعر، واختبرنا فيه كل شيء، من البرد إلى الحرّ، من البكاء إلى الضحك! قرّرتُ مسبقًا أنني  سأعبّر عن مشاعري الحقيقية في الفيديو وسأدع دموعي تنهمر إذا شعرتُ بالحاجة لذلك، على الرغم من أنني لست ممثلة ولا أملك أدوات وتقنيات الممثلين المحترفين. في ظل وجود والدتي معي في الفيديو، وإلى جانبنا ممثلان لعبا دور الجدّ والجدّة وتأثّرا بدورهما وبكيا، لم أستطع كبح دموعي التي تساقطت عدّة مرّات. مع ذلك، ضحكنا كثيرًا، وأمضينا وقتًا رائعًا بذل الجميع خلاله كل جهده لإيصال الرؤية التي بنيناها والصور الرمزية التي تخيّلناها، لأننا كلّنا نفهم موضوع الهجرة والغربة الذي صار اليوم شيئًا مشتركًا بين أبناء شعبنا... كانت الأجواء جميلة وصادقة ونقيّة وغذّت روحنا بالفعل.

وكيف كان التعاون مع منسّقة أزياء المشاهير سارة كيروز، التي تولّت الإخراج الفنّي للكليب؟

سارة كيروز هي صديقة عزيزة، وقد تولّت مهمّتَي تنسيق أزياء كل الممثلين في الفيديو، وإخراجه الفنّي. اهتمّت بأدق التفاصيل، مثل شنطة السفر التي أحملها في الفيديو، والتي تطلّب العثور عليها وقتًا طويلًا إذ أردنا حقيبة "فنتج" قديمة تتسع لإنسان في داخلها وتكون بوزن أقدر أن أحمله بين يدي لساعات. 

بعد أغنيتين منفردتين في سنة واحدة، ما هي بعض المشاريع التي ستكشفينها لجمهورك في المستقبل القريب؟

هذا الشهر، أشارك في مشروع ضخم مع مدينة إكسبو دبي، وسأقيم حفلًا موسيقيًا أيضًا في وطني لبنان. وأعمل على عدد من الأغاني التي أخطط لإطلاقها في 2024. مواضيعها متنوعة، وسأحرص على أن تكون فيديوهاتها مختلفة وإبداعية لأواصل سرد قصص صادقة وملهمة وهادفة.