"درزة".. المشروع البحثي الأخير الذي عملت عليه رائدة الفن السعودي "صفية بن زقر" قبل رحيلها
فقدت الساحة الفنية الثقافية في السعودية رائدة الفن التشكيلي السعودي الفنانة "صفية بن زقر"، والتي وافتها المنية بعد مسيرة تشكيلية حافلة وضعت فيها بصمتها المضيئة بالإبداع في المشهد الثقافي والفني، والتي تُعدّ من أوائل مؤسسي الحركة التشكيلية في المملكة، ولها دور كبير في ريادة الحركة التشكيلية النسائية، بل تعد ضمن رموز الثقافة والتراث والفنون في المملكة من خلال مسيرتها الفنية الإبداعية، إلا أن إرثها الذي تركته سيسهم في إلهام الأجيال القادمة من الفنانين والمبدعين... فلنتعرف على مشروعها البحثي الأخير "درزة"، وعلى الفيلم الوثائقي الذي يهدف إلى تكريم مسيرتها الفنية والاحتفاء بإسهاماتها الكبيرة في إثراء الفن والثقافة في المملكة، وعلى "دارة صفية بن زقر" إرث الفنانة الخالد.
"درزة".. المشروع البحثي الأخير الذي عملت عليه رائدة الفن السعودي "صفية بن زقر"
كشفت الباحثة والمؤرخة الفنية، الدكتورة "إيمان الجبرين"، عن المشروع البحثي الأخير الذي عملت عليه الفنانة صفية بن زقر -رحمها الله- لمدة 10 سنوات، وهو كتاب "درزة" darzah ، مشيرة إلى أنه من المقرر صدوره في شهر نوفمبر القادم بثلاث لغات هي: (العربية - الإنجليزية - الفرنسية)، كما نوهت إلى أن صورة الغلاف الخاصة بالكتاب تتضمن ثوب مصنوع خصيصا للعائلة الملكية السعودية ويظهر ذلك بطرف النسيج.
Darzah : 200 Years of Sartorial Heritage in Saudi Arabia يعد أول مجلد راقي عن الأزياء التقليدية للمملكة العربية السعودية، مع أعمال فنية ووثائق أصلية وغير منشورة سابقًا من مجموعة دارة صفية بن زقر المشهورة، ومن خلال عرض الألوان والأنماط الجريئة والتصميمات المطرزة بشكل معقد من المملكة العربية السعودية، لا يمكن إنكار جمال وتنوع هذه الملابس والمجوهرات العربية، على الرغم من أنها غير معروفة عمليًا للعالم الغربي.. فكل غطاء للرأس، والملابس، والقلائد هو تعبير عن الهوية الشخصية والإقليمية، ويضم الكتاب التأثيرات الإسلامية والهندية والإندونيسية والماليزية والتركية التي تعود إلى العالم الأسطوري لطريق الحرير القديم.
ويأتي هذا الكتاب للحفاظ على الأزياء التي لم نعد نرتديها والاحتفال بتلك التي لا تزال في قلب المجتمعات والعائلات على حد سواء، فيما يقدم هذا الكتاب الفخم رؤى لا تقدر بثمن وأكثر من 300 صورة تعرض تاريخ وقصص المملكة العربية السعودية من خلال التعبيرات الإبداعية لأقدم سكانها، وذلك وفقا لما أشارت إليه دار منشورات ريزولي الدولية Rizzoli New York .
فيلم وثائقي عن الفنانة السعودية صفية بن زقر
وكانت الباحثة والمؤرخة الفنية، الدكتورة "إيمان الجبرين"، قد أشارت مؤخرا إلى الفيلم الوثائقي المتواضع الذي تم تسجيله عام 2018 بمناسبة مرور 50 عام على معرض الفنانة القديرة "صفية بن زقر" الأول، والذي يعرض عبر اليوتيوب، متاح لكل من يرغب بالتعرف أكثر على محطات مسيرتها الفنية، حيث يضم التسجيل مقاطع وصور نادرة لم تعرض من قبل.
ويلقي هذا الفيلم الوثائقي الضوء على إحدى أبرز المراحل في حياة صفية بن زقر والتي كانت في عام 1968 عندما أقامت معرضها الفني الأول، الذي كان نقطة تحول في مسيرتها، حيث عكست لوحاتها الحياة اليومية والثقافة الشعبية في المملكة، مظهرة جمال وتفاصيل التراث السعودي، وجاء هذا الفيلم بهدف تكريم مسيرتها الفنية والاحتفاء بإسهاماتها الكبيرة في إثراء الفن والثقافة في المملكة، حيث يعرض تطور أعمال صفية بن زقر منذ بداياتها وحتى وقته، مسلطًا الضوء على المراحل المهمة والتحديات التي واجهتها والإنجازات التي حققتها.
كما يضم الفيلم مقاطع وصور نادرة لم تُعرض من قبل، مما يتيح للمشاهدين فرصة لاكتشاف جوانب جديدة من حياة وإبداع هذه الفنانة الرائدة، ويسرد الفيلم قصة صفية بن زقر من خلال لقطات توثق أعمالها الفنية، ومقابلات مع زملائها وأصدقائها الذين رافقوها خلال مسيرتها، كما يتيح للمشاهدين التعرف على السياقات التاريخية والثقافية التي تأثرت بها صفية وكيفية تطورها كفنانة.
دارة صفية بن زقر.. إرث الفنانة الخالد
تعتبر صفية بن زقر "الأم المؤسسة" لحركة الفنون الجميلة في المملكة العربية السعودية، وقد صاغت طريقا ثمينا وفريدا من الفرص والتطور الإبداعي للعديد من الفنانين، وخاصة الشابات اللاتي سرن على خطاها، باعتبارها رمزًا ثقافيًا وطنيًا، وكانت قد أسست في عام 1995 "دارة صفية بن زقر"، بعد رحلة 30 عاماً على طريق الفن التشكيلي، وهي تضم لوحاتها ومقتنياتها الفنيّة، كما تحوي مرسمها ومكتبتها الخاصة.
وفي عام 2000 صدر كتابها "رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي"، وفيه أوضحت أهداف الدارة ونشاطاتها بعد رحلة 30 عاماً من العمل المتواصل، والمثابرة من أجل توثيق هذا التراث الغني بشكل جمالي وبنّاء، فيما أشارت الفنانة بأنها تعتبر هذه الدارة إرثها وطلبت من عائلتها المحافظة على هذا الإرث، لأنها تعتبره صدقة جارية، فمكتبتها بها مايزيد عن 5 آلاف كتاب أدب وفن عربي وإنجليزي سيستفيد منه الباحثون، وذلك وفق لقاء لها مع العربية.
وتضم الدارة لوحاتها ومقتنياتها الفنية كما تحتوي على مرسم الفنانة ومكتبتها الخاصة، وتضم أعمال الفنانة بأكملها بالإضافة إلى مجموعتها الخاصة من التحف التقليدية والمنسوجات والأزياء، مع معلومات موثقة بدقة تراكمت على مر العقود، لتكون الدارة منبراً ثقافياً وفنيا شاملاً تستنير به الأجيال، حيث تفتح الدار أبوابها لاستقبال كل زائر وباحث، للتعرف على هذه المسيرة الفنية الاستثنائية التي جعلتها واحدة من أهم الأسماء الفنية المعاصرة، والتي حظيت خلالها بالكثير من الجوائز والتكريمات وكذلك شهادات تقدير عديدة ودروع تكريم لإنجازاتها الفنية الثرية.
المملكة العربية السعودية: نظرة فنانة إلى الماضي
كتاب "المملكة العربية السعودية: نظرة فنانة إلى الماضي" باللغتين الإنجليزية والفرنسية، من أبرز مؤلفات الفنانة صفية بن زقر، وهو الكتاب الذي يعد إرثا خالدا تركته الفنانة والمؤلف من 139 صفحة، ويحتوي على مقدمة تعريفية عن تاريخ الحياة الإجتماعية في المملكة العربية السعودية مع أعمال فنية للفنانة صفية بن زقر تصف بها مظاهر هذه الحياة، والتراث المعماري، وطرز الملابس التراثية، خاصة وأن التراث السعودي الذي كان حاضراً في أغلب أعمال الفنانة السعودية، قد امتد ليشمل العمارة القديمة في الأسواق الشعبية والمنازل التقليدية والأزياء السعودية، حيث سجلت طرز الملابس التراثية لتحافظ عليها في سجل توثيقي، لعدم وجود المراجع الكافية التي توضح لنا أشكالها وكيفية لبسها وتسميتها، وكذلك تصوير للحياة التقليدية اليومية للسعوديين، هذا بالإضافة إلى التراث المعماري بإختلاف الأساليب والأنماط المعمارية في المملكة من منطقة الى أخرى حسب الطبيعة الجغرافية والمناخية لكل منطقة وحسب إحتياجات السكان فيها، إذ تزخر العديد من المباني العامة بجدارياتها التي تصور هذا التراث بأسلوب زاهي يعكس غنى الهوية السعودية ماضياً وحاضراً.
الصور من موقع "دارة صفية بن زقر للفنون"، وحساب الدكتورة إيمان الجبرين على الانستجرام.