حديث خاص لـ"هي" مع الفنانة ياسمين برادة.. مؤسسة Loft Art Gallery ترفع إسم الفن المغربي في سماء العالمية
تُعدّ الفنانة ياسمين برادة سُنّي، الشريكة المؤسسة لـ "لوفت آرت غاليري" من الأسماء البارزة في عالم الفن الإفريقي المعاصر والصاعد، منذ تأسيسها المعرض عام 2009 مع أختها مريم في مراكش. في هذا اللقاء المميز، نتعمق في رحلتها الشخصية والمهنية التي بدأتها في سن مبكرة مع شقيقتها مريم من خلال رؤيتها الفنية والقدرة على دمج الفن المغربي والأفريقي المعاصر على الساحة العالمية. تكشف لنا ياسمين كيف تمكنت من تحويل معرضها إلى منصة رائدة للمواهب الناشئة، بينما تحافظ على التراث الفني الغني. كما تتحدث عن التحديات والفرص التي واجهتها، وعن الدور الذي يلعبه الفن في تمكين المرأة وتعزيز الحوار الثقافي، بالإضافة إلى مشاركة معرض "لوفت آرت غاليري" في "آرت بازل باريس" حيث أصبح أول معرض مغربي يُمثل في هذا الحدث المرموق.
شـــــاركتِ في تأســيـــس "لــوفــــت آرت غـــــاليري" وأنتِ في الخامـــسة والعــــشرين فـــــقط. ما الـــذي ألهمك أنت وأختك لخوض هذه الرحلة في هذه السن المبكرة؟
كانت بدايــــة مـــسيرتي المهــنــيـة في عالم الشؤون المالية، ولم يكن هــــناك ما يشير إلى أنني سأدخل عالم الفن وأصبح صاحبة غاليري. أعتـــقد أن بــعض الأمور تحدث بالصدفة، ولكن الصدفة لا تكون يوما مجرّد صدفة. فقد نشأتُ محاطة بالفن، لأن والدي كان يجمع العديد من الأعمال الفنية، وعمل عمّي في تجارة التحف الفنية. وبالتالي، وبشكل غير واعٍ، كنت أستمع إلى أحاديث حول الفن، وفي مرحلة لاحقة من حياتي، اتجهتُ إليه بشكل بديهي، بعد دراستي للعلوم المالية وعملي في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية.
عندما يتعلق الأمر بالفنانين الذين نمثلهم، فإن الأمور تحدث بشكل طبيعي جدا. إن موهبة الفنان هي طبعا الأساس، وكذلك إن القصة التي تقف وراء أعماله هي في غاية الأهمية، ولكنني أشدد أيضا على شخصيته وعلاقتنا به، وهذه الأخيرة هي شكل من أشكال الشراكة القوية التي تتيح لنا متابعته في مسيرته على المدى الطويل. يجب أن يكون هناك توافق معيّن، إضافة إلى وجود رؤية مشتركة لا يمكن أن نكذب بها، فعليها أن تكون صادقة شأنها شأن العلاقة الصادقة، لإيصال ثمارها بأصدق طريقة إلى الجمهور.
المشاركة في "آرت بازل" هي علامة فارقة حقيقية ونقطة تحوّل في قصّة "لوفت آرت غاليري". نحن موجودون منذ 15 عاما، وأعتقد أن هذا هو الوقت المناسب للانضمام إلى هذا المعرض العالمي، إذ نطوّر منذ بعض الوقت معرضنا وفنانينا أكثر فأكثر ليكونوا أكثر حضورا على الساحة الدولية. وكان هذا العام تحديدا مميزا جدّا، إذ افتتحنا فيه مساحة عرضنا الثانية في مراكش المدينة العالمية، التي وجّهتنا أكثر نحو المشهد الدولي. والآن، يشكّل معرض "آرت بازل" فرصة لمقابلة جامعين فنّيين جدد، ومؤسسات جديدة، ولبناء علاقات وتوطيدها واتخاذ خطوات تالية. نحن نعرض أعمال "محمد المليحي" هذا العام، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا لأنه يُعتبر رائدا في مجاله، وبالطبع سيبقى من المهم لنا دعم المواهب الشابّة في المستقبل.
ذكرتِ أنكم تعرضون أعمال الفنان "محمد المليحي" في "آرت بازل باريس". ما مدى أهمية تمثيل أحد أشهر الحداثيين المغاربة على هذا المسرح الدولي الضخم؟
في هذه الدورة، نقدّم ضمن قسم Premise أعمالا للفنان "محمد المليحي" تعود إلى فترات مختلفة من مسيرته المهنية: من نهاية الخمسينيات وصولا إلى أحدث أعماله. إنه نوعا ما معرض استعادي لأهم أعمال هذا الفنان الكبير والمعروف اليوم ليس فقط على الساحة المغربية بل أيضا على الساحة الفنية الدولية. عمله وخطابة غنيّان ومهمّان، ومن خلال فنّه تُطرح أسئلة كثيرة، والاهتمام بأعماله مدفوع بأسباب مختلفة. كانت أعماله صدى لأسئلة عالمية في ذلك الوقت، وجزءا من حركة "الحواف الحادّة"، فارتبطت بإبداع فنانين كبار من تلك الحقبة.
يزخر المشهد الفني المغربي بالموهبة والإبداع. في الواقع، هذا ينطبق على جميع الممارسات الإبداعية، لكن الفن يبلور هذه الفورة من الإبداع، وهذا الشباب، وهذه التقنيات، وهذه الرسائل القوية التي يجب أن تُنقل. هناك اهتمام متزايد بهذا المشهد الفني، ليس فقط في المغرب، ولكن أيضا على الصعيد الدولي؛ الأمر الذي لا يفاجئني على الإطلاق، لأن الثقافة المغربية غنية للغاية بفضل موقع المغرب الجغرافي في أفريقيا وتقاطع ثقافات متعددة على أرضه. لكل منطقة ما تساهم به، من حيث المعرفة والثقافة والحرف اليدوية وغيرها، وأعتقد أن الفن اليوم يستطيع أن يُبرز أيضا جوانب هذه الثروة الثقافية.
كيف تــــطوّر المشهد الفني المغربي منذ تأسيس "لوفت آرت غـــاليري" في عام 2009، وكيف ترين مستقبله؟
عندما بدأنا قبل 15 عاما، كان سوق الفن في المغرب محليا وأصغر حجما. ثم، على مدى السنوات الـ15 الماضية، شهدنا اهتماما متزايدا من قبل العديد من المؤسسات الفنية، وبدأ عدد أكبر من جامعي الأعمال الفنية الشباب في الشراء.
أفضل طريقة للحفاظ على ثقافة بلد ما هي عدم تجميدها ومنعها من التغير. هذا هو جوهر الحفاظ على التراث! إن دور صالات العرض هو بالتحديد أن تأتي وتغير الرموز قليلا، وأن تعيد النظر في الأمور من وجهة مختلفة، وأن تدفع الحدود، وتعيد تعريف المفاهيم، وتعيد البناء، وتشكك في ما يبدو جامدا. هذا التحدّي هو ما سيسمح لنا بإثراء هذه الثقافة التي من المهم أن نجعلها تتطور ولكن أيضا أن نلقي الضوء على تراثها، لأنه لا يمكن بناء المستقبل دون تاريخ.
لطالما كان الفن وسيلة للتعبير عن القوة والمرونة، خاصة بالنسبة للنساء. كيف تدعمين أو تروّجين لأعمال الفنانات اللواتي يتحدّين المعايير المجتمعية ويعكسن الصمود من خلال فنهن؟
اليوم، ودون أن أدرك ذلك حتى، أعمل مع عدد كبير من الفنانات. أنا حساسة جدا تجاه العمل والتعبير والرسائل التي تحملها النساء، وعلى وجه الخصوص، "علياء علي"، و"أمينة أكزناي"، و"جوانا شومالي"، و"أمينة رزقي"، و"ماريون بوم"، و"بشرى بودوا". ولكن أيضا "مليكة أكزناي"! هي سيدة في الثمانين من العمر، وهي في حد ذاتها شكل من أشكال الفن، وكانت في الستينيات من أوائل الفنانات اللواتي عرفن كيف يقفن في وجه الرجال في ذلك الوقت. كما أن فريق العمل في المعرض مكوّن من نساء فقط، ويضم اليوم حوالي ست نساء. وقد أدركتُ في الآونة الأخيرة أن مهمّتي والقصة التي أرويها هي في حد ذاتها تصريح. لن أنسى أبدا اليوم الأول الذي بدأت فيه العمل وقيل لي إن المعرض لن يستمر أكثر من ستة أشهر، وإننا سنفشل بسرعة كبيرة في هذا العالم.
كيف يمــكــن أن يـــؤثّـــر الــفـــن عـــلى تــمـكين النــســـاء، ســــــواء كفنانات أو كأفراد يتفاعلن مع الفن؟
أعتقد أن الفن هو أنعم طريقة لرواية القصص والنضال من أجل الأفكار. نرى عددا متزايدا من الفنانات النساء، ولكنني أعتقد أيضا أن الفن هو شيء يجمع الناس معا، ويسمح لنا بفتح النقاشات المهمّة. الفن محمّل بالثقافة والتاريخ والواقع والتراث، وهو في الوقت نفسه شيء مليء بالأمل للأجيال القادمة. وللفن اليوم دور في تعزيز هذا الأمل.