خاص لـ"هي": الفنانة أرين حسن ترسم الهوية الفلسطينية بالخيط... حين يصبح النسيج أداة للرؤية والذاكرة

خاص لـ"هي": الفنانة أرين حسن ترسم الهوية الفلسطينية بالخيط... حين يصبح النسيج أداة للرؤية والذاكرة

رهف القنيبط
14 أبريل 2025

في زمن تتسارع فيه الخطوط وتتقاطع فيه الحكايات، تظهر الفنانة الفلسطينية أرين حسن كمن تُعيد ترتيب النسيج من جديد — لا كحرفةٍ تقليدية، بل كفلسفة بصرية وروحية تستنطق الذاكرة وتعيد تشكيل الهوية. أعمالها لا تُعرض فقط، بل تُقرأ وتُحسّ وتُتَرجم كرحلة بين الجغرافيا والرمز، بين الأرضي والشفاف، بين الماضي الذي لا يزال حيًا والحاضر الذي يُخاطبه بلغة الخيط.

في هذا الحوار الخاص مع "هي"، تكشف أرين حسن كيف يتحوّل القماش إلى قصيدة، والغرزة إلى موقف، وتفتح لنا نوافذ على مشروع فني يتجاوز حدود الشكل ليصل إلى جوهر الإنسان.

أرين حسن
العمل الفني Flowing Threads

في يد تحمل أرين ذاكرة فلسطين، وفي اليد الأخرى رؤى معاصرة تُعيد تعريف فن النسيج. ترى الأقمشة كوسيط بصري وروحي يعيد تشكيل الهويات ويمنح الذاكرة صوتًا ملموسًا. تقول أرين لـ"هي": "النسيج هو استعارة لهويتنا، خيوط تتشابك وتتداخل وتتفكك وتُعاد صياغتها."

وتكمل الحديث موضحة:" تراثي الفلسطيني حاضر في كل عمل أقدمه، لا كزخرفة فقط، بل كنداء داخلي. التطريزات التقليدية الفلسطينية تحمل سرديات لا تُروى بالكلمات، بل بالغرز. إنها لغة الأمهات، لغة البقاء والمقاومة والانتماء."

من هذا التراث، تنطلق أرين نحو العالم، حاملة معها فلسفة فنية تتجاوز الزمان والمكان. لا تكتفي بالاستلهام من الثقافة العربية، بل تسعى لإعادة تفسيرها في سياق معاصر، حيث يصبح الماضي قاعدة لانطلاقات جديدة، لا قيدًا. تقول أرين لـ"هي": "لا أتعامل مع الثقافة العربية بوصفها ثابتة، بل حية، تتغير وتتنفس. أستلهم من حديقة الجنة الإسلامية وأعيد تخيلها كعالم مُعلّق بين الأرض والسماء. بهذه الطريقة، أُعيد صياغة الجماليات الإسلامية من الداخل، لا بهدف الزينة، بل بهدف خلق حالة روحية تتجاوز الحواس."

أرين حسن

وبين الفن والتجارة، تسير أرين بخفة تامة. لم تحصر فنها في صالات العرض فقط، بل دخلت من أبواب التعاون مع علامات تجارية عالمية، دون أن تفقد صوتها الداخلي أو رؤيتها الجمالية. تقول أرين لـ"هي": "حتى حين أعمل مع مؤسسات تجارية، لا أتنازل عن القصة."

وتكمل:" كل قطعة أُصممها، سواء كانت مفهومية أو تجارية، تبدأ من الحكاية، من الرمز، من خيط يُعيد سرد الحاضر من منظور الذاكرة. بهذه الطريقة، أظل أمسك بخيط هويتي بينما أتحرك في فضاءات جديدة."

في معارضها، تحرص أرين على ألا تترك المشاهد بمجرّد إعجاب بصري، بل بدعوة مفتوحة للتأمل والسفر الداخلي. أعمالها لا تُشاهد فقط، بل تُحسّ وتُقرأ بين الطبقات. توضح أرين ذلك قائلة: "أريد من المتلقي أن يشعر بالحركة، بالتحوّل، وكأن القماش يمتد من داخله. قطعة مثل Flowing Threads ليست مجرد نسيج؛ هي مسار حياة، تجربة تحول. مؤخرًا أصبحت أستكشف فكرة الفردوس كحالة روحية، لا مكانًا. أستخدم الألوان المتدرجة من دفء الأرض إلى صفاء السماء كجسر رمزي بين ما نعيشه وما نطمح إليه."

أرين حسن
"ابتكرت تقنية 'unraveling' "أي التفكيك" لتفكيك بُنية النسيج دون فقدانه لجوهره."

ولأن النسيج بالنسبة لها ليس مادة جامدة بل كائن متحوّل، أدخلت أرين تقنيات ابتكارية إلى عملية التصميم، كالتفكيك الشفاف، لتُحرر القماش من وظيفته التقليدية وتمنحه أبعادًا مفاهيمية جديدة. تعبر أرين قائلة: "ابتكرت تقنية 'unraveling' "أي التفكيك" لتفكيك بُنية النسيج دون فقدانه لجوهره. هذه التقنية تجعل من القماش كائنًا حيًا، يتغير مع الضوء والحركة. لم يعد النسيج بالنسبة لي غطاءً، بل لغة، حالة وجودية تتنفس وتتلاشى."

ومن لندن إلى ستوكهولم، من إسطنبول إلى بيروت، عبرت أرين المدن حاملة معها فلسطين على هيئة خيط، وعائدة في كل مرة بلون جديد، برؤية أكثر توسعًا وانفتاحًا. تقول أرين لـ"هي": "المدن التي عشت وعرضت فيها علمتني كيف أُعيد تعريف علاقتي بالنسيج. لندن منحتني الدقة، ستوكهولم منحتني البساطة، أما دبي، فجمعت كل ذلك وأعادت ربطه بخيط الهوية. هذا التنوع الثقافي جعلني أؤمن أن فن النسيج هو لغة عابرة للحدود، لغة توحّد البشر مهما اختلفت مرجعياتهم."

أرين حسن
العمل الفني urban jerusalem

وحين سألناها عمّا تعمل عليه حاليًا، كشفت لنا عن مشروع يحمل كل عناصر رؤيتها: الجذور، الروح، والتجريب: "أعمل على مجموعة سجاد تُعيد تعريف السجادة كوسيط فني وروحي. القطعة المحورية في المشروع تُدعى Infinite Garden – حديقة لا نهائية – وهي سجادة مُعلّقة من السقف إلى الأرض، ترمز إلى الصعود والاتصال بين السماوي والأرضي. فيها يمتزج الماء كرمز روحي، مع الزخارف الهندسية والخط العربي، ليخلقا معًا انطباعًا بصريًا لا نهائيًا."

وللفستان مكانة خاصة في ذاكرتها. من بين كل أعمالها، يبرز فستان "Urban Jerusalem" كقطعة أيقونية تجاوزت الموضة لتُصبح بيانًا بصريًا عن الوطن والانتماء واللغة الأولى. تقول أرين لـ"هي": "Urban Jerusalem هو فلسطين على هيئة قماش. ألوانه مستمدة من ذاكرة المكان، من زخارف الأمس وتفاصيل البيوت."

وأخيراً تختتم الحديث:" يجمع الفستان بين التقنيات الحديثة كالطباعة والتفكيك والتطريز اليدوي، ويعيد تخيّل التطريز الشامي كوسيلة تعبير معاصرة. لقد عُرض هذا الفستان في سبع دول وشارك في 11 معرضًا فنيًا، لأنه يتحدث لغة يفهمها الجميع: لغة الحنين، ولغة الجمال المتجذر."