
أسرار الجمال الملهم: رحلة في دواوين الشعراء وعقول الفلاسفة
في عددها لشهر أبريل 2025، تحتفي مجلة "هي" مجلة المرأة العربية الأولى، بمفهوم "الجمال الذي لا يشيخ، الجمال المستمر الذي لا يحد عمر ولا توقفه عوامل" "Beauty Beyond Aga" حيث نستكشف الجمال بعمقه الفلسفي والأدبي، وأنه ليس مجرد مظهر، بل هو انطباع نفسي وحكم عقلي ينبع من كمال الصفات، فالجمال هذه القيمة الوجودية التي أسرت الفلاسفة والأدباء عبر العصور، يوقظ فينا شعورًا بالارتياح والانجذاب.
وعلى رأي فريدريك شيلر فالجمال، هو ذلك المفهوم الذي نختلف حوله بقدر سعينا وانجذابنا إليه. فهو قيمة مرتبطة بالغريزة والشعور الإيجابي تجاه الأشياء، والنفس البشرية تنجذب تلقائيا إلى كل ما يولّد فيها إحساسًا بالمتعة والرضا والسرور، إذ لا شيء غير الجمال قادر على أن يجعل العالم بأسره سعيدًا.
فلسفة الجمال
وفيما تتوّج الجميلات في وقتنا الحالي في مسابقات عالمية بدأها إيريك مورلي في المملكة المتحدة العام 1951، كانت الجميلات عبر العصور موضع حفاوة وتقدير في النفوس والمنتديات بل إن الجميلات عبر التاريخ تم تقديرهن إلى درجة التأليه عند الشعوب في سالف الأزمان. فكانت عشتروت آلهة الجمال عند البابليين،وإيزيس آلهة الجمال عند المصريين، وأفروديت آلهة الجمال عند اليونان، وفينوس آلهة الجمال عند الرومان. أما العرب فكان لديهم العُزى وسُواع.
والإنسان ليس الكائن الوحيد الذي يستشعر الجمال ويسعد به، فهذا الإحساس فطري لدى معظم الكائنات الحية. وفي كل فصيلة هناك معايير وطقوس تعبر عن الجمال باعتباره سببًا للتودد والتقرب والتجانس والاقتران والتكاثر بين الكائنات.ويقول الإمام أبو حامد الغزالي: "إن الجمال مرتبط بالمحبّة، فالجمال دافعٌ للحبّ، وسببٌ من أسبابه".
ولطالما أثار الجمال أسئلة الفلاسفة والحكماء عبر التاريخ وسبق أن طرح أفلاطون تساؤلات عن علة جمال الوردة، وهل تكمن هذه العلة في لونها الجميل، أم في شذاها العبق؟ أم في علة أخرى معقولة أو لا يمكن عقلها؟!.
عشاق الجمال
وعلى امتداد التاريخ اهتم العرب في تقييمهم للجمال بالجسد الممتلئ بتفاصيل متموجة انسيابية. وهناك الميساء صاحبة العنق الطويل، والهيفاء ذات الخصر النحيل، والحوراء جميلة العينين، والعبلة الغضة الممتلئة.. وعشرات الصفات الأخرى ولكل منها اسمه وكل صفة تغنى فيها الشعراء بآلاف وآلاف من بيوت الشعر والقصائد التي لا تنتهي.
والجمال بكل صوره وأشكاله كان ومازال يثير قرائح الشعراء للوصف والغزل والتشبيب. فمن جمال المرأة إلى جمال الرجل إلى جمال الطبيعة: السماء البحر النهر الفرس.. والقلب يعشق الجمال الذي تراه العين وتسمع عنه الأذن.
فالجمال أول بغية للشاعر يبحث عنه للتغزل به وإكرامه وإحقاقه حقه. يقول الثعالبي في فقه اللغة: والصّباحة في الوجه، والوضاءة في البشرة، والحلاوة في العينين، والملاحة في الفم.
يقول الشاعر أبو فراس الحمداني:
قاتلي شادنٌ، بديعُ الجمالِ أعْجَمِيُّ الهَوَى، فَصِيحُ الدّلالِ
سلَّ سيفَ الهوى عليَّ ونادى يَا لَثَأرِ الأعْمَامِ وَالأخْوَالِ
وقال الشاعر جبران خليل جبران:
ألقى الجمالُ عليكِ آية سِحْرِهِ فغَدَوْتِ ما شاءَ الجمالُ حبيباً
حتى الهمومَ سَمَتْ إليكِ بودِّها مَنْ كانَ يَحْسَبُ للهمومِ قلوباً
خصال الجمال
لا حصر ولا حد للخصال والصفات التي يتغزل بها الشعراء وتثير قرائحهم وتستفز عواطفهم. وها هو النابغة الذبياني يتغزل بسيدة بيضاء فيقول:
بيضاءُ كالشَّمسِ، وافَتْ يومَ أسعُدِها
لم تُؤذِ أهلا ولم تَفْحُشْ على جارِ
ويقول ذو الرمة:
بيضاءُ في دَعَجٍ صفراءُ في نَفَجٍ
كأنها فِضَّةٌ قدْ مسَّها ذَهَبُ
وهناك من يعشق السمار والسمراوات، يقول الشاعر كريم العراقي:
ونسيتُ دائي حينَ جاء دوائي
مَنْ ذا يُقاومُ نظرةَ السَّمراءِ
الجسد والروح
والجمال ليس مجرد صفات حسية وحسي؛ بل هناك جمال نفسي وروحي لا تدركه الأبصار بل البصائر، كما قال عبد الله بن سليمان:
القلبُ يُدرِك مالا عينَ تدركُهُ والحُسْنُ ما استحسنتْه النفسُ لا البَصرُ
وما العُيونُ التي تَعْمَى إذا نظرَتْبل القلوبُ التي يَعمى بِها النظرُ
ويرتقي الوصف والغزل إلى صور بديعة وتشبيه القامة بالغصن الغضّ وصفاً حركيّاً لمشيها وتمايلها الأنثوي بما يوحي بجمال المحبوبة ورقّتها ورشاقة قدِّها وهي تجرُّ ذيل فستانها عُجْباً وتيهاً كما يقول عنترة:
تَمْشي وَتَرْفُلُ في الثِّيابِ كأنَّها
غُصْنٌ تَرَنَّحَ في نقــا رَجْراجِ
فيهِنَّ هيفـــاءُ القـــوامِ كأنَّهــا
فُلــكٌ مُشرّعةٌ علـى الأمـواج
جمال العيون:
يحبّ العرب عيون النساء الواسعة الحوراء وقد شبهوا عيون المراة بعيون غزال المها واسعة وسوداء العيون. والحور هو شدة سواد القزحية مع شدة بياض القرنية. يقول امرؤ القيس:
تصدّ وتبــدي عن أسيل وتتقي
بناظرة من وحش وجرة مُطْفِلِ
ويقول نزار قباني:
وعيناك داري ودار السلام وأنت البداية في كل شئ ومسك الختام
جمال الثغر:
لا شيء أشهى في المرأة من ثغرها ولا شيء يغري الرجل أكثر من ثغر بسام. يقول أمرؤ القيس:
بِثغرٍ كمِثْلِ الأقحوانِ مُنَـــــــوَّرٍ
نقيّ الثنايا أشنبَ غيرَ أثعَـــــلِ
ويقول عامر الكبيسي:
حنّت عليّ ببســمة من ثغرهـا
بانت وتحت الثغـر لؤلؤة الفـم
لم تبق لي عدلا لظلــم جمالها
ولقد رَضيْتُ على حنانك أظلمِ
جمال الأنف:
العرب تقول: الملاحة في الأنف، وقد انتبه العرب إلى جماليات الأنف وعددوا مناقبه وحالات جماله. وفضلوا منه الأنف الأقنى أي المستقيم ضيق المنخرين كما يقول معن بن أوس:
وأقنى كحدّ السيف يشرب قبلهــا
تخال بينهـــما أقنــى به شـــــمم
نعيم الحياة وسعادتها في وجه حسن، وخُلق حسن، وطبع حسن. ولا أجمل من موضوع الجمال ليشتغل عليه الشعراء فيصوغوه قصائد يتغنى بها المطربون ويطرب لها المستمعون.