فيلم "Barbie".. دراما نسوية صاخبة داخل عالم باربي الوردي!
لم تكن حملة السوشيال ميديا العربية ضد فيلم "Barbie" "باربي" مُنصفة؛ وكانت في أغلبها مبنية على اتهامات سابقة التجهيز، وأدلة مُلفقة، واشارات إلى مشاهد لا وجود لها في الفيلم. مئات التغريدات والمنشورات تؤكد فراغ من كتبوها، وتورطهم في مُبارزة طواحين الهواء على جبهات الفضاء الإلكتروني، وصناعة تريندات مبنية على الظنون والإفتراضات، وبعد عرض الفيلم تهاوت جبال الإتهامات وبقيت باربي ومُغامرتها في الإنتقال من عالم الدمى الأنيقة الوردي إلى عالم البشر والزمن المُعاصر، وظهرت معالم الفيلم الحقيقية بعيدًا خيالات صُناع التريندات.
باربي وعروسة السُكر!
لم يكذب صُناع تريند باربي في السوشيال ميديا العربية حينما وجهوا للفيلم إتهامًا بتبني أجندة خاصة، والواقع أن كل فيلم في الدنيا له أجندة، وربما المصطلح الأصح هو رسالة ومضمون الفيلم، وأغلب أفلام السينما تحمل أفكارًا ورسائل، حتى لو كانت تسلية الجمهور والترفيه عنه داخل قاعة العرض المظلمة؛ فهذه رسالة لها قيمتها لو قُدمت بمعايير فنية تحترم المُتفرج.
أزمة تريند "باربي" كانت التعريف المرتبك لهذه الأجندة؛ فباربي لا تروج لميول معينة لأنها تجد سعادتها أكثر برفقة صديقاتها، وهذه فرضية سطحية وُمتطرفة؛ فقد صنعت شركة ماتيل للدمى دمية باربي عام 1959، وصنعت منها نُسخًا شبيهة، تختلف كل منها في الزي؛ ولأنها دمية للبنات الصغيرات فإهتمامها الأكبر بالموضة والجمال والأزياء، ورغم ذلك أضافت الشركة دمية كين، الشاب الوسيم الأنيق حبيب باربي، وحرصت على أن يكون وجوده في حياتها هامشيًا فحكاية دُمى باربي لا تحتمل تعقيد العلاقات العاطفية والاجتماعية؛ أنها دمية ترتدي ملابس زاهية تلعب بها بنات صغيرات، ولا تُعبر عن المرأة الناضجة، كما لا تُعبر دمية كين عن الرجل الناضج.
شاركت "جريتا جيرويج" في كتابة الفيلم بجوار مهمة الإخراج، وكانت الفكرة بسيطة: ماذا لو إنتقلت باربي من عالم الدمى إلى عالم البشر؟ وهذا التناول الخيالي صنعته أفلام سابقة وإستخدمت الفكرة كوسيلة غير مُباشرة لنقد المجتمع وعيوب البشر؛ في فيلم Toy Story "قصة لعبة" 1995 مثلًا تشكو اللعب من فقد إهتمام الأطفال حينما يكبرون، والأمر يُصبح عاطفيًا ويُصور تبدل عواطف البشر وفتور علاقتهم بشخصيات ساعدتهم في تخطي مرحلة الطفولة، وفي فيلم Tom & Jerry"توم وجيري" 2021 تنتقل معارك القط والفأر إلى عالم البشر، وسلسلة أفلام وحلقات The Muppet Show "عرض العرائس" تصور البشر حمقى وأشرار تقريبًا، وفي السينما المصرية نسخة تشبه فيلم "باربي" وتحمل أفكارًا أكثر عُمقًا من الفيلم الأمريكي، والفيلم بعنوان "عروسة المولد" 1954، وفيه تتحول دمية إحتفالات المولد النبوي الوردية المصنوعة من السكر حلاوة "تحية كاريوكا" إلى إمرأة حقيقية، ودخلت ببراءة عالم البشر وتتعرض للإستغلال والإنتهاك، وقدم الفيلم نقدًا أخلاقيًا لاذعًا للمجتمع ونظرته للمرأة بعيدًا عن مُباشرة أجندة تحرر المرأة التي ظهرت في بعض أفلام السينما المصرية في الخمسينيات.
رجل في عالم النساء!
الفيلم ينقل عالم باربي الملون إلى السينما، ويصنع أجواء مُبهجة مليئة بالألوان الزاهية، والإضافات البصرية، ويقف خلف الصورة البصرية الثرية مديرة الإنتاج "سارة جرينوود"، ومدير التصوير "رودريجو برييتو"، ومصممة الأزياء "جاكلين دوران"، وديكور "كاتي سبنسر" و"آشلي سوانسون"، ونجح فريق العمل في صناعة أجواء جذابة لشخصيات باربي الشهيرة، التي نراها شخصيات حية تعيش في عالم أُنثوي حالم لا يُعكر صفوه أي شيء.
بداية الفيلم ترتكز إلى قصة باربي المعروفة، وتصور نشاطها اليومي الروتيني، وبهجتها الدائمة، وسعادتها بصحبة رفيقاتها من شخصيات باربي الأخرى، وتظهر شخصية كين "رايان جوسلينج" ليقوم بدور حبيب باربي، وهو الدور الوحيد الذي يقوم به بعيدًا عن أي تفاصيل مُعقدة عن علاقة الرجل والمرأة؛ فعالم باربي الخيالي يتمحور حول شخصية باربي الرئيسية "مارجو روبي"، وكل ما حولها من شخصيات وأشياء مُكملًا وتفصيلًا لعالمها، وحتى شخصية كين لا تتجاوز هذا المفهوم.
سيناريو الفيلم تأليف "جريتا جرويج" بمشاركة "نواه بومباخ"، وهذا الأخير كتب وأخرج فيلم Marriage Story "قصة زواج"، وهو فيلم تناول حكاية حب زواج مُعقدة ومليئة بالتقلبات، وأعمال "جريتا جرويج" القليلة في مجال الإخراج ركزت على سرد حكايات المراحل المُضطربة في حياة المرأة؛ ومن أبرز هذه الحكايات حكاية البلوغ والنمو في فيلم Lady Bird ، وحكاية أخرى في فيلم Little Women حيث تسعى أربع شقيقات إلى المستقبل كما تحلم به كل منهن، وتُحاولن تجاوز صعوبات الحياة.
خطابات نسوية!
حاضر باربي هو مُستقبلها؛ فهي شخصية سعيدة مُكتفية ببهجة الحاضر، ولا تسعى إلى مستقبل له مواصفات خاصة؛ ولذا تظل علاقتها بشخصية كين مُقيدة بحدود البدايات الرومانسية، ولا تتجاوز ذلك؛ فباربي تكتفي بجمالها وبهجتها الذاتية ورفيقاتها من الجميلات.
في عالم باربي لا توجد تعقيدات الحب والزواج كما في "قصة زواج"، ولا توجد ميلودراما البحث عن الذات كما في حكاية "نساء صغيرات"، ولكن سيناريو الفيلم الذي قدم باربي في إفتتاحية لطيفة تلائم أجواء عالم خيالي ساحر قرر الدفع بشخصيتي باربي وكين إلى أرض الواقع.
المجتمع خارج مدينة باربي لاند الخيالية يسحر باربي وكين، بعد أن يتسبب خلل في إنتقال مشاعر وهواجس بشرية إلى باربي، وتنتقل إلى عالم الواقع لتجد حلًا لها، ويصحبها كين الذي يجد الرجل في الواقع يحظى بسُلطة ونفوذ، وينقل إلى عالم باربي الأنثوي ثورة ذكورية، لكنها تتحول إلى صراع بين الرجال والنساء بعد أن فقد عالم باربي بساطته وبرائته الأولى.
الفيلم عرض كلاشيهات الخطاب النسوي المُعاصرة ضد الرجال بصورة مُباشرة ووعظية، وترنح في النصف الثاني بين جنون وغرابة أجواء باربي لاند، والخطاب النسوي "الزاعق".
العمل كان يميل للأجواء الكاريكاتورية في بدايته وفي الجزء الذي صور تعامل إدارة شركة ماتيل مع أزمة تجسد باربي في عالم الواقع، وكانت أمامه فرصة لتقديم عمل ساخر من أزمات علاقة الرجل والمرأة، ولكن صوت سيناريو "جريتا جرويج" و"نواه بومباخ" الصاخب طغى على مود الفيلم، وإستحضار قضايا المرأة بشكل جاف إلى حفل باربي الملون كان أسوأ إختيار للفيلم، ولكن ذلك لم يُفسد الفيلم تمامًا؛ فهناك لحظات من المرح هنا وهناك.