الورد الطائفي ملك على عرش عطور الشرق الأوسط منذ 30 سنة
تشكّل العطور جزءا لا يتجزأ من الثقافة الغنية الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، وترافق حياتنا بشكل يومي. عبر التاريخ، تبادلت الأجيال الزيوت والعطور الحسية كهدايا خلال أوقات الاحتفال. حتى إن أجمل النفحات العطرية تنتشر بسخاء في أجواء مراكز التسوق، والجوامع، والأسواق الشعبية. الخلطات التي تمزج بعناية بين الورد والعود تعتبر من الخيارات المفضلة والمعروفة في الشرق الأوسط، حيث تبدّل النساء في أحيان كثيرة بين النفحات المختلفة بحسب مزاجهن أو الموسم. أما الأريج الساحر الذي يبقى لساعات وساعات، وينبع من الوردة الطائفية، فشكّل أحد المكونات العطرية المفضلة لديهن على مدى الأعوام الثلاثين الماضية.
العطور وعلاقتها بشخصية المرأة
اختيار المرأة لعطرها تصريح قوي حول شخصيتها الفردية، وهو مفهوم يحاكي بقوة أفكار نساء هذه المنطقة. النساء الشرق أوسطيات ضليعات في عالم الروائح الجذابة والمميزة، ويشتهرن بكونهن من ابتكر مفهوم "طبقات العطور"، وهي عادة وضع طبقات متعددة من العطور عبر غمر البشرة بموجات النفحات العطرية المختلفة لوضع أسس عطر جديد ت
ماما يكون فريدا وطويل الأمد. وتعتمد المرأة الشرق أوسطية التي تجذبها عادة الروائح الحلوة، على عطرها لتقديم نفسها بكل ثقة لدى دخول أي غرفة مليئة بالناس، من دون أن تحتاج إلى النطق ولو بكلمة.
الوردة منذ عقود مكوّن أساسي مستعمل في عالم التجميل والعناية بالبشرة، كما كان استخدامها شائعا في الممالك القديمة بفضل خصائصها الشفائية، ويقال إن "كليوباترا" كانت تهدئ نفسها في حمام من الحليب الدافئ المليء ببتلات الورد المقطوف. وما زال الورد يلعب دورا مهما في عالم الجمال بفضل عبيره في المقام الأول، وقد استقت دُور العطور إلهامها من الثقافة الشرق أوسطية من أجل مزج نفحات الورد الطائفي الحسي بالمكونات الغربية النموذجية لجذب خبراء العطور من حيثما أتوا.
يتم استخراج هذا الشذا الذي صار من الأعلى طلبا في العالم وما زال يفوز بالقلوب ويأسر الحواس، من الوردة الطائفية الشهيرة بلونها الوردي الجميل وبتلاتها الثلاثين، والتي تعالج بعملية فريدة تستغرق 12 ساعة. أرست وردة الطائف نفسها مكونا أساسيا مسيطرا لدى أهم علامات العطور حول العالم وأكثرها حصرية؛ وعلى الرغم من أن قصة وصول الوردة إلى المملكة العربية السعودية يبقى لغزا، تزهر وفرة من هذه الوردة الحيوية في مدينة الطائف السعودية الغربية في كل ربيع، وتحديدا خلال شهر أبريل الدافئ. هناك في أحضان الجبال، تتدفق النسائم حاملة معها عطورا لملمتها من حقول الأزهار. وفي فترة حصادها، تملأ الورود الزهرية المتفتحة أرجاء المدينة بعبيرها الفريد والساحر، محوّلة صحراء المملكة وبيئتها الجبلية إلى حديقة خلابة ملونة بتدرجات وردية رقيقة. الزيت العطري الآتي من الوردة الطائفية قوي واستثنائي بفضل عملية استخراجه الطويلة التي تتطلب في الكثير من الأحيان استعمال ما يصل إلى نحو 40 ألف وردة في وقت واحد.
عطور برائحة وردة الطائف
الأريج الرائع لوردة الطائف يتجلى بكل وضوح في عطر "عود كوتور أو دو بارفان" Oud Couture Eau de Parfum من "كارولينا هيريرا" Carolina Herrera.القارورة الأنيقة المستوحاة بتصميمها من نزعة الآرديكو تحكي قصة تبدأ حلوة ومعتدلة مع نفحات افتتاحية من الياسمين، قبل أن ينبض قلبها بدفء راتنج العود المترف والمعزز بالورد الجوري الحلو، إلى جانب وردة الطائف الآتية من المملكة العربية السعودية. إضافة نفحة الوردة الطائفية تعزز التأثير المزهر العميق في التركيبة، وتلقي الضوء في الوقت نفسه على ارتباط العطر بثقافة الشرق الأوسط.
"لا بوتيت روب نوار" La Petite Robe Noire من "جيرلان" Guerlain مستوحى من الأناقة الفريدة التي تميز إطلالات النساء الباريسيات، ويضم بدوره نفحات الوردة الطائفية. تنطلق رحلة هذا العطر الشهير بنكهة فاكهية كرزية الروح توازنها فورا قاعدة خشبية عصرية تجتمع بشكل مثالي مع الأريج المزهر النابع من الورد الطائفي في النفحات الوسطى.
أما "فيري إريزيستيبل" Very Irresistible من "جيفنشي" Givenchy الذي يتضمن 5 أنواع من الورود، فهو أيضا من العطور المفضلة في الشرق الأوسط بسبب تركيبته الوردية الغنية. يتألف قلب العطر من ورد نضر رقيق ومغنوليا وخلاصة الفوانيا النقية. والنفحة القاعدية التي ترسم إطار هذا العبير الفاخر والجذاب هي وردة الطائف التي تجعل هذا العطر خيارا يفرح عشاق الورد الباحثين عن سحابة عطرية أنيقة ترافقهم.
إن وردة الطائف الرقيقة والقوية في الوقت عينه موجودة منذ قرون، وقد سيطرت على العطور العالمية، وجذبت اهتمام محبي مستحضرات التجميل والعطور في كل أنحاء العالم خلال الأعوام الـ 30 الأخيرة. نجاحها لا يومئ بأي تباطؤ، ويبدو أنها ستحافظ لعقود آتية على مكانتها بين المكونات المؤثرة والملهمة في مجالي العناية بالبشرة والعطور.