خبيرة العطور "سيلين باريِل"

"أورنر أو دو بارفوم" من Aesop كما تخيّلته "سيلين باريِل".. زهرة متمردة تنبض بالتناقضات

ماري الديب
17 أكتوبر 2025

في عالم العطور، حيث تتكرر التركيبات وتسلك الأزهار دروبا مألوفة، تبرز خبيرة العطور "سيلين باريِل" بصفتها صوتا عطريا فريدا يشق طريقه بعشق للتجريب وجرأة في كسر التوقعات. من قلب مدينة "غراس" الفرنسية، عاصمة العطر، إلى تعاونها المستمر مع علامة Aesop، تمضي "سيلين" في مسار عطري ينبض بالشغف، ويعيد رسم حدود الحواس. في أحدث ابتكاراتها، عطرAurner Eau de Parfum ، تنسج "سيلين" زهرة متمردة من نوتات غير مألوفة، حيث تتقاطع أوراق الماغنوليا مع البابونج الروماني، في توليفة تتأرجح بين الرقة والقوة. وفي هذا الحوار الحصري معها، تكشف لي، أنا محرّرة الجمال "ماري الديب"، عن الرؤية وراء العطر، ومسيرتها العطرية مع Aesop، وسرّ اللوحة العطرية التي تخيّلتها قبل أن تمزج أول نوتة.

حوار: "ماري الديب" Mari Aldib

وصف عطر" أورنر أو دو بارفوم" بأنه "زهرة تنبض بروح التحدي". كيف جسدت هذا التباين بين الهشاشة والقوة، والدفء والبرودة؟

يتألق عطر "أورنر أو دو بارفوم" المركّز بتوليفة من الأزهار المتمردة التي تنبض بالتناقضات والتباينات. ابتُكر هذا العطر ليوسع آفاق مكتبة "إيسوب" العطرية، من خلال استكشاف الأزهار بأسلوب الدار المتفرد. تتجلى هذه التناقضات في تباينات آسرة، بين هشاشة الأزهار وقوة الأخشاب، وبين شفافية الريعان وصلابة الخشب، وبين النضارة والدفء، وبين النبات والمعدن، وبين الأنوثة والرجولة، وبين البساطة والتعقيد. لطالما أحببتُ الاعتماد على التباين في تركيب العطر، وهذا ما يتجلى بوضوح في هذا التعبير العطري عن "زهرة تنبض بروح التحدي".

خبيرة العطور "سيلين باريِل"
خبيرة العطور "سيلين باريِل"

لماذا اخترت ورقة الماغنوليا بدلا من زهرتها كمكوّن محوري في العطر؟

بدأنا العمل على تجارب عطرية مختلفة باستخدام عدد من الأزهار، لكن سرعان ما برزت الماغنوليا كخيار مثالي، وتحديدا ورقتها، لا بتلتها. فزهرة الماغنوليا تميل إلى النفحات الفاكهية الناضجة وتمنح انطباعا عطريا زهريا مع لمسة من التوابل، بينما تمتاز ورقة الماغنوليا بنضارة عطرية هشة، تجمع بين عبق الورق المهروس ونفحات الخزامى. تتميز هذه النفحة العطرية بتركيبتها المعقدة والمشرقة، وهي نظيفة ونضرة، كما أنها أقرب إلى نفحة الحمضيات من نفحة الأزهار، وبذلك فإنّها تنسجم تماما مع مقاربة "إيسوب" الخارجة عن المألوف.

"أورنر أو دو بارفوم" من Aesop
"أورنر أو دو بارفوم" من Aesop

هل تعمّدت اختيار مكونات غير متوقعة في "أورنر" لكسر النمط الكلاسيكي للعطور الزهرية؟

أعتقد أنّ البابونج الروماني هو العنصر الذي قلب المقاييس في هذا العطر. فعلى الرغم من أنّ ورقة الماغنوليا تشكل القلب الزهري للعطر، إلا أن المزج بينها وبين البابونج الروماني هو ما منح التركيبة بعدا جديدا وجعلها أكثر غنى وعمقا. يعد البابونج الروماني عنصرا محوريا في تركيبة العطر، إذ يؤدي دور الجسر الذي يربط بين طبقات العطر المختلفة بانسيابية مذهلة. ويمتاز أيضا بنفحة خفيفة، تضفي بعدا من الانتعاش يحاكي نضارة خشب الأرز والباتشولي، وهو ما يسهم في إبراز النفحات الأساسية للعطر وتثبيتها، مقابل تهدئة الطبقات العليا وجعلها أكثر تجذرا. أما زهرة البابونج، فتحمل في طياتها أبعادا خفية تحاكي نفحات الجلد، ولا تكشف عن نفسها بسهولة. وهكذا، تتشكل طبقات تضفي على العطر طابعا حسيا ملموسا يعزز مفهوم التباين في هذه التركيبة.

منذ تعاونك الأول مع "إيسوب" في 2015، كيف تطور الحوار الإبداعي بينكما؟ وما الجديد الذي حمله عطر "أورنر"؟

لقد كانت تجربتي مع "إيسوب" استثنائية بحق. ما يميز العلامة هو مقاربتها المختلفة التي تمنح العطار حرية إبداعية واسعة بعيدا عن التوجيهات التقليدية. بدأت علاقتنا عام 2006، لكنها ترسخت فعليا في 2015 مع عطر "تاسيت أو دو بارفوم سيت". وفي 2021، عدنا للتعاون على "أورنر"، من خلال لقاءات غير رسمية وموجز بصري ملهم أشبه بخزانة غرائب. اصطحبنا فريق "إيسوب" إلى مشغل IFF في "غراس"، حيث تلاقت الأفكار وسط حقول المختبر. ومن خلال تقييمات وصياغات متتالية، توصلنا إلى توليفة جريئة وغير تقليدية، أبرزها استخدام البابونج الروماني، وزيوت الباتشولي وخشب الأرز التي منحت العطر طابعا معدنيا متوهجا. هذا التعاون الوثيق أثمر عن عطر صادق، متمرد، ومتفرد بكل معنى الكلمة.

"أورنر أو دو بارفوم" من Aesop

تسرد الحملة الإعلانية للعطر قصة عنوانها التحول والغموض. إلى أي مدى كنت منخرطة في صياغتها؟

عندما أبدأ بابتكار عطر استنادا إلى موجز معين، أنطلق دائما من صفحة بيضاء، أدوّن عليها كلمات تعبر عن حالات مزاجية، عن الحواس، والخامات، والمناظر الطبيعية، وأشياء أخرى؛ وكأنني أرسم لوحة مزاجية للنغمة العطرية الأساسية التي أريد أن أبني عليها. أحرص على اختيار المكونات بعناية، فتصبح بمنزلة الشخصيات الرئيسة في القصة. بعدها، أنتقل إلى إضافة عناصر أخرى تساعد في بناء الحوار والانسجام بين جميع العناصر. أرغب دائما في أن أحرك مشاعر صاحب العطر، وأن تتشكل لديه رؤية واضحة عن الوجهة التي يأخذه العطر نحوها.

قد تحدثت سابقا عن "رؤية اللوحة في ذهنك قبل رسمها على الورق". كيف بدت الرؤية الأولية لعطر "أورنر أو دو بارفوم" في مخيّلتك؟

كان الموجز دقيقا للغاية، كما هو الحال دائما مع علامة "إيسوب"، إذ أغرقني بالصور والموسيقى والقصائد والحالات المزاجية والخامات، وهو ما ساعدني على تكوين رؤية واضحة منذ اللحظة الأولى. ومن خلال هذا التدفق الغني من الإلهام، تبلورت لدي قناعة مبكرة بأن زهرة الماغنوليا يجب أن تكون في صميم العطر. لكن بدلا من التعبير عنها بالطريقة التقليدية، اخترت ورقة الماغنوليا، عوضا عن الزهرة نفسها، لأنها تتماشى مع مقاربة "إيسوب" غير النمطية في صناعة العطور. تخيلت ألوانا فاتحة تميل إلى الأخضر والأبيض، حتى إنّني كدت ألمسها. غالبا ما "أرى" عطوري و"أشعر بملمسها"، لأن الملمس جزء أساسي في إيصال الحكاية. الهواء هو لوحتي، والخامات هي ألواني التي أرسم بها مشاهد العطر. أنا شديدة التأثر بالتآزر الحسي، ولهذا أتفاعل مع العطور كمزيج من الصورة والملمس والإحساس، لا مجرد رائحة.