تعرفي على قصة العطور عبر العصور لاختيار المُناسب لكِ
لُغز المرأة في عطرها، وسحرها الحقيقي في مركباته وروائحه التي انتشرت عبر العصور لتكشف لنا الكثير من الحقائق المُثيرة للاهتمام. إن المرأة متى عرفت كيف تختار العطر الذي يُناسب شخصيتها وحركاتها وميولها وخلقها زادت الى جمالها العام سحراً جديداً يزيد الى شخصيتها عنصراً جديداً فاتناً.
ولا شك أن العطور عبر العصور كان لها بصمة قوية في تحسين المزاج العام للمرأة، كما أنها تؤثر على نفسية المرأة حسب الذكريات التي ترتبط بالعطر الذي تقوم باستخدامه، خصوصاً لو كان هدية من شخص مُعين.
لذا دعينا نقوم برحلة استكشافية إلى عالم العطور عبر العصور، لنتعرف على قصته وأنواعه وكيفية اختيار ما يُناسبك منه.
تاريخ العطور وأصلها منذ العصور القديمة
لصناعة العطور تاريخ طويل، فمنذ القدم يسعى الإنسان إلى تجميل حياته سواء بالروائح أو بالأشكال. ومن خصائص العطر الجيد أن يبقى أثره في الشعر أو في الرقبة أو وراء الأذنين مدة طويلة وينتشر أريجه انتشاراً ناعماً وصادراً من روح النفس ذاتها، ما جعله رمز الجمال عبر العصور على النحو التالي:
هناك العديد من النظريات عندما يتعلق الأمر بمصدر العطور، ولكن الأكثر شيوعاً هو بلاد ما بين النهرين، و بلاد فارس و مصر و الذين يشار إليهم كأول مبدعي العطور في العالم.
أول صانع للعطور كان كيميائياً يُدعى " تابيوتي "، فقد قام باستخراج العطر الأول باستعمال نبات المر و الزيوت و الزهور في بلاد ما بين النهرين البابلية.
في مصر ومنذ 4000 عام تقريباً ، كان الناس يستخدمون العطور في كل المناسبات، وكذلك كانوا يضعونها بشكل يومي. كان يُعتقد أن العطر هو عرق إله الشمس رع ، ولذلك منحت له صفة مقدسة.
كان لدى المصريين القدماء إله للعطور يُدعى " نفرتوم "، والذي يرتدي عصابة رأس مصنوعة من الزنابق المائية، وهي واحدة من أكثر مكونات العطور شيوعاً في وقتنا الحالي. كذلك كان الفُرس من المُعجبين بالعطور، وكثيراً ما استخدموا العطر كرمز للوضع السياسي.
حتى أنه كان من الشائع أن يتم تصوير الملوك مع قارورات العطور في اللوحات الفارسية! عندما استعمر الإغريق و الرومان بلاد فارس و تعرفوا على العطور هنا بدأوا ينظرون إليها على أنها شكل من أشكال الفن.
تأسيس صناعة العطور عبر العصور
مرت صناعة العطور بمراحل مختلفة عبر الحضارات المُتنوعة، أبرزها:
العطور في الحضارة المصرية القديمة:
انتشرت العطور في جميع أنحاء العالم، وفي سنة 1190، وبمجرد وصولها إلى باريس، عرفت نموا تجارياً وازدهرت لتصبح الصناعة الضخمة التي نعرفها اليوم. لكن كان لمصر الدور الأكبر في تأسيس صناعة العطور.
كانت توجد طريقتان لصناعته: الأولى وهي وضع الأزهار في لوحة كبيرة من ورق البردي له طرفان تمسك به سيداتان ويوضع الورود مع قليل من الماء في داخل اللوح ثم تدور كل سيدة الطرف الذي تمسك به عكس اتجاه السيدة الأخرى فيتم عصر الورود وكان يوضع تحتهما إناء كبيرة ليسع الكمية المعصورة ثم بعد ذلك تحفظ في أواني خزفية وفخارية وكان يصنع للملكات وزوجات الأمراء والكهنة للتزين به عند الاحتفالات وكان للطبقات الغنية لا لباقي الشعب.
أما الطريقة الثانية فهي وضع الورود في إناء فخاري صغير وحرقه لأعطاء رائحة عطرة للجو وكان هذا النوع من العطور جزء من القرابين في معتقداتهم الدينية أو لتوديع المتوفي ولم يكن لأغراض الزينة.
العطور في الحضارة القبرصية القديمة:
تاريخياً، أول عطر وجد في العالم كان في جزيرة قبرص على يد علماء إيطاليين في مايو2004 الذي يرجع تاريخه إلى 4000 سنة مضت. كذلك اكتشفت إحدى البعثات ان قطعة أرض تبلغ حوالي 4000 متر مربع كانت مُخصصة لصناعة العطور، والتي غالباً أخذت طريقة صناعتها من الحضارة المصرية القديمة لتشابه طريقة الصناعة والأغراض المستخدمة والتي تناقلت فيما بعد إلى روما إبان الإمبراطورية الرومانية.
العطور في الحضارة القبطية:
عندما نشأت الحضارة القبطية ورثت الكثير من الحضارات المختلفة، لذا نجد أن صناعة العطور تنوعت في العصر القبطي، وكانت أهم طريقة لصنع العطر هي مزج سائل شجرة المر مع قرفة عادية ثم وضع عصير القصب والقرفة الصينية، وكانت هذه الطريقة ممنوع استخدامها إلا للقساوسة أو للمرأة في بعض الحالات.
العطور في الحضارة الاسلامية:
مع أن الحضارة الإسلامية ورثت الكثير عن الحضارة الأغريقية إلا أن العرب هم أول من استخدم تاج الزهرة لاستخراج ماء الزهور منذ 1300 عام، ولم يستعمل العرب تاج الأزهار كعطرٍ فقط بل استعملوها كدواء أيضاً.
ولعل أقدم أنواع العطور في العالم يُدعي " عطر الورد"، وقد كان رائجاً جداً لدي القبائل العربية. تُعتبر الأزهار مثل "الياسمين، والبنفسج، وزهر الليمون، والورد، وغيرها " من المصادر المهمة لاستخراج العطورعند العرب.
لكن جوهر العطر يستخرج من مصادر أخرى غير الأزهار، كالخشب ولاسيما خشب الأرز وخشب الصندل، ومن الأوراق مثل النعناع والغرنوق والخزامى، ومن جذور معينة مثل الزنجبيل والسوسن.
إن الطريقة العربية لصناعة العطور تكمُن في استقطار تيجان الأزهار مع الماء، وتكون عبر وضع رقائق من الزجاج في إطارات خشبية حيث تغلف بدهن نقي وتغطي بتيجان الأزهار وتكدس الواحدة فوق الأخرى.
ويجري تبديل التيجان بين حين والآخر إلى أن يمتص الدهن النقي الكمية المطلوبة من العطر، ولعل أفضل العلماء في صناعة العطور هوا بن سينا الذي اكتشف طريقة استخراج العطر من الورود والتي سميت فيما بعد بالتقطير، كذلك أبرز العلماء العرب في صناعة العطور هو الكندي الذي ذكر في كتابه "كيمياء العطور" قائمة طويلة لعطور مختلفة وكان في أغلب طرقه يستخدم المسك والعنبر كجزء أساسي في أغلب العطور.
العطورفي الحضارة الأوروبية الحديثة:
أخذت أوروبا أغلب طُرق تصنيع العطور من العرب، وكان أكثر الناس اهتماما بعلم العطور هم الهونجاريين الذين أضافوا الكحول إلى صناعة العطور. يُعتبر أول عطر يستخدم فيه مادة الكحول كمادة أساسية كان في عام 1370.
كان تكليفاً من إليزابيث ملكة المجر والذي أطلق عليه فيما بعد "ماء هنغاريا" نسبة للهنجاريين، ومن الملكات اللاتي اهتموا بصناعة العطورهي كاترين دي ميديشي ملكة فرنسا التي كلفت صانع العطور الخاص بها "رينى لن فلورينتن" بإدخال أنواع جديدة من العطور ولكن لم يعرف أي شيء عن طرقه وذلك لسرية مختبره.
تمكنت فرنسا خلال عصور النهضة من السيادة في مجال صناعة العطور فقد كان يصنع في جنوب فرنسا أهم العطور ومستحضرات التجميل العالمية، وعرفت طائفة في فرنسا خلال القرن السابع عشر باسم "صُناع العطور".
اهتم ملوك فرنسا جميعاً بالعطور، فخلال القرن الثامن عشر كان الملك لويس الخامس عشر مهتماً جداً بالعطور، فقد كانت عربته الملكية تدهن كل صباح بالعطور وكان أثاثه يدهن يومياً بالعطور وكانت ملابسه تظل داخل إناء العطور لعدة أيام.
ولم يهتم الملك لويس الخامس عشر بالعطور في حياته الخاصة فقط بل أمر بتحويل بعض المزارع إلى مزرعة للنباتات العطرية. النهضة التي أنشأها لويس الخامس عشر جعلت من باريس مركزاً مهماً في صناعة العطور وزراعة النباتات العطرية.
ومن الملوك المهتمين بالعطور أيضاً نابوليون بونبارت الذي عرف عنه بالاهتمام بالترف، فقد اهتم أيضاً بدهن العربة الملكية بالعطور، ويقال أنه في وقت من الأوقات كان يستخدم 60 زجاجة من عطر الياسمين في الشهر وكان أحب العطور إليه هو عطر الجوزفين لاحتوائه على المسك العربي الأصيل.
في إنجلترا لم تكن صناعة العطور شيء مهماً إلا بعد مجئ هنرى الثامن الذي أدخل هذه الصناعة إلى إنجلترا، وكذلك الملكة إليزابيث الأولى اهتمت كثيراً بصناعة العطور حيث يُقال أنها لم تكن تستطيع تحمل أي رائحة كريهة الأمر الذي سبب لها مرض في لسانها، وكانت السيدات تأتي إلى بيت الملكة إليزابيث للتنافس في أفضل العطور رائحة.
حدث التغيير الكبير عندما جاءت الكيمياء الحديثة، فقد شهدت صناعة العطور تقدماً عظيماً بعد الثورة الصناعية الكبرى كما بدأ استخدام العطور بشكل شائع في كل طبقات الشعب بل وعندما كان سعر العطور يزيد تحدث مظاهرات في لندن.
قبل وصول الكيمياء الحديثة إلى الأمريكتين كانت هناك وصفة شعبية تعتمد على مياه من نهر فلوريدا " لاعتقادهم في جمال رائحته" ثم يُخلط مع قرنفل وقرفة صينية وأوراق الليمون.
تطورت طريقة صناعة العطور لتصبح استخدام مذيباً نقياً يتم استخراجه من النفط. ثم يدور هذا المذيب علي تيجان الأزهار النضرة إلي أن يصبح مركزاً بالعطر، ويتم فصل المذيب بواسطة عملية التقطير. ويُنقى العطر بالكحول ويكمن حالياً تركيب العطور من مواد كيميائية بحيث تبدو وكأنها روائح طبيعية وأصبحت صناعة العطور لها شركات كبرى متخصصة في هذا المجال.
أول عطر تم تقديمه للعالم
لقد تطور معنى وهيئة العطور بشكل مختلف في مختلف البلدان، لذلك كانت هناك العديد من أنواع الروائح التي كانت تعتبر عطورًا قبل ظهور العطر بشكله الحديث لأول مرة. يُعتبر المجريون أول من أدخل العطور كمنتج حديث يُمكن وضعه. يصنع من مزج زيوت معطرة في محلول كحولي. لقد صنع أول عطر للاستخدام الشخصي حصريا لملكة المجر إليزابيث و وأصبح معروفًاً في جميع أنحاء أوروبا باسم "هنغاريا ووتر". كانت العطور تُهيمن عليها المكونات الطبيعية مثل إكليل الجبل و الزعتر.
اول من استخدم زجاجات العـطور
كان أول استخدام لزجاجات العطور في مصر ويعود إلى حوالي 1000 قبل الميلاد حيث تزامن ذلك مع اكتشاف المصريين الزجاج، وكانت زجاجات العطور من أولى الاستخدامات الشائعة للزجاج، بالإضافة إلى ذلك كان الرومانيون أول من استخدم الزجاجات المنفوخة لتعبئة العطور.
مكونات العطور الأغلى سعراً في العالم
قد لا يكون الأمر كما تظنون!، أجود أنواع العطور وأكثرها تكلفة مصنوعة من الزيوت المُطلقة، وهي مزيج من الخلطات المركزة، العطرية والدهنية المستخلصة من النباتات أو من بعض الأزهار.
تُعتبر المكونات الطبيعية أغلى سعراً لأنها عادةً ما تكون نادرة للغاية، ويصعُب الحصول عليها أو طريقة الحصول عليها جداً مُقننة. أغلى المكونات سعراً في العالم هي: "الياسمين، الزهور البُلغارية، العود، المسك والسوسن.
أغلى مكون في العالم هو "العنبر"، وهي مادة يتم إنتاجها في الجهاز الهضمي لحيتان العنبر. يُمكن أيضاً أن يعزى السعرالمرتفع لمكون ما إلى حقيقة أن مصدره الطبيعي جداً نادر، مثل "زيت العود الطبيعي"، أوإذا كان المكون خارج الموسم مثل "اليلانج يلانج" في مدغشقر.
العطور الفرنسية لها سحر يُميزها
ازدهرت صناعة العطور الفرنسية في القرن التاسع عشر. إذ تم تدشين المؤسسة الحُرة وإنشاء العديد من دير العطور الفرنسية خلال القرن التاسع عشر. أصبح العطر شائعاً في الانتشار في المجتمع، لكنه احتفظ دائماً بصورة فاخرة. كانت فرنسا في عام 1830 مركزاًعالميًاً لتصنيع العطور وكان مجرد وضع علامة "صنع في فرنسا" كافياً لجعل العطر شائعاً أينما يُعرض. كذلك جعل استخدام المكونات الطبيعية النبيلة خصوصية صناعة العطور الفرنسية .
من ناحية أخرى، وفي الجزء الثاني من هذا القرن اكتشفت المكونات الكيميائية التي تم استخدامها في العطور مثل" الإيثيل فانيلين أوالمسك النتري". استمرت موضة العطور الفرنسية خلال القرن العشرين، أول العطور الشرقية أنشئت في عام 1905 تحت اسم" أوريغون" لتُعلن عن عائلة عطرية جديدة غير مستكشفة حتى الآن.
في المقابل، بدأ عالم العطور يجذب العلامات التجارية الفاخرة التي قررت الانضمام إلى المُغامرة وبيوت الأزياء الراقية أطلقت العطور الخاصة بها. إذ تم إنشاء مجموعة عطور "روزين" في عام 1911، وأنشأت " شانيل " رقم 5 في عام 1921. ثم أطلقت "غيرلان شاليمار" لتأكيد الاتجاه الشرقي في صناعة العطور الفرنسية .
أدى مناخ الحرب بعد ذلك إلى تعطيل تطوير العطور لبضع سنوات قبل أن تستعيد بريقها في نهاية الأربعينيات مع "أو سوفاج" من ديور والعديد من الإبداعات الأخرى. منذ خمسينيات القرن الماضي، أصبح اقتناء العطور أقل صعوبة و أصبحت تستعمل من جميع الشرائح الاجتماعية. كذلك شهد هذا العصر الظهور التدريجي للعطور المُتخصصة. الاختلافات في التفضيلات الشمية أدت إلى ظهور أنواع مختلفة وإبداعية من الروائح مثل عطر " بوازون " من ديور الذي وُلد في الثمانينيات، والمستوحى من العطور الشرقية.
أصبحت العطور المُنعشة أكثر عصرية بسبب البحث عن روائح أخف. في بداية التسعينيات ، أطلق موغلر عطر " أونجيل "، الذي كان بمثابة بداية لنوع جديد من العطورالشرقية الحلوة، ودمجت حلاوة الروائح الفرنسية مع قوة الروائح الشرقية لمزيج مثالي.
اليوم، تستمر العلامات التجارية الفاخرة أوالمُتخصصة في إنجاح صناعة العطور الفرنسية من العطور الخفيفة إلى الأكثر قوة، وتحترم جميع الأذواق، لتقدم عطر "دافئ، ومُنعش أوحلو". فكل ما عليك فعله هو اختيار العطر المثالي الذي يناسب تفضيلاتك.
اختاري العطر الذي يناسبك
المسألة هي ليست مسألة شراء العطر ولكنها مسألة انتقائه واختياره. فإذا كُنتِ شقراء يلزم أن تفضلي العطور التي في أساسها ذكاء البنفسج والمارجولين والنرجس. والسمراء تختار من روائح القرنفل أو الورد أو الزنبق. ولا تختاري العطورالتي لا تستوقف الانتباه ولا تستدعي الوعي. عموماً المرأة التي تحمل دائماً العطر ذاته يصبح منها وفيها. ولكن لا ينبغي من هذا القول أن نُقرر الإضراب عن العطورالتي هي في دارج الموضة. فكثيراً ما نجد بينها عطوراً مؤثرة، وبديعة الأريج، ولها أحياناً أسماء غريبة ونادرة فهي نتيجة أبحاث كيميائية طويلة من كيميائيين مهرة.