خبيرة العطور ديما بحصلي لـ "هي": أنصح المرأة العربية باختيار العطور المتوارثة الشرقية وأستعد لإطلاق عطري الخاص
الصدفة أدخلتها الى عالم عابق بنفحات سحر الأزهار والورود وعطايا الطبيعة الخلابة، ألا وهو عالم العطور. إنها خبيرة العطور اللبنانية ديما بحصلي التي التقيناها في حديث شيق مع "هي"، وكشفت لنا محطات مميزة لها في رحلتها مع عالم العطور الساحر، وخبرتها الطويلة ايضا في مجال التزيين في أهم المناسبات، الى جانب بكونها خبيرة في تصنيع المنتجات العضوية للعناية بالبشرة والشعر. تصف لنا بأن "العطر هو لغة خاصة تربك القلب وتأسر الحواس"، فتغوص في أسرار العطور وتكشف عن استعدادها قريباً لإطلاق عطر خاص يحمل علامتها التجارية انطلاقاً من سنوات خبرتها الطويلة ورحلات أسفارها المتنوعة وموهبتها التي اكتشفتها عن طريق الصدفة. فإليكم تفاصيل هذا الحوار الشيق:
-
كخبيرة عطور محترفة، ماذا يُمثل العطر لك؟
العطر هو لغة خاصة تربك القلب ولديه أسراره. بالنسبة لي، هو ولع، دلع، ذكريات وذاكرة تنقل لنا المشاعر اللحظية التي نعيشها ويختزنها عقلنا الباطني. العطر هو ايضا فرح، دموع، والأهم بأنه إحساس وشعور، وهو سفر من الماضي الى الحاضر Reminiscence. فيما يتعلق بالشعور، أذكر هنا بأنه كلما سافرت لأبنائي في دبي ثم غادرت منزلهم، يقولون لي بأن رائحتي ما تزال عابقة في أرجاء المنزل حيث يستحضر العطر حضوري ولحظاتي معهم.
- هل تحديثنا عن نفسك وبداية موهبتك نحو عالم التزيين في المناسبات وانطلاقتك في مجال العطور ؟
تخرجت من الجامعة الأميركية في بيروت، تخصص الاقتصاد عام 1984، وعندما كنت استعد لولادة ابني البكر عام 1985، اكتشفت رغبتي وموهبتي في تحضير "السوفينير" Souvenir له بأناملي ولمستي الخاصة، ثم امتد الأمر كذلك على مناسبات عائلية مختلفة حيث كنت اشتري المواد الأساسية المطلوبة وأزين بها Linge de maison، وسلل الأطفال، واقوم بالتطريز على المناشف، و"روب الاستحمام"، وجهاز الطفل، و"الستاندات" وغيرها. وبعد خمس سنوات أي في عام 1990، طورت نفسي في العمل وكان اصبح لدي طفلي الثاني، وبدأت بالعمل رسمياً في شركة تهتم بهذه الحرف اليدوية واكتشفت شغفي في تجهيزات الطفل. وهنا بدأت رحلتي بافتتاح مؤسستي الخاصة الصغيرة التي اطلقت عليها تسمية " by Dima Broderiea "، ثم أسست عام 1995 مؤسسة رسمية اسمها "Oumnia by Dima" وابتدأت العمل على تصميم زينة الشوكولا والحلويات وجهاز الطفل، وأصبحت شهرتي تتوسع في دول الخليج العربي على الرغم من عدم وجود منصات السوشيال ميديا، وطال عملي ايضا تجهيزات الأعراس.
وأثناء تحضيراتي لأحد الأعراس في الخليج، طلب أحدهم تذكاراً من قارورة عطر مع بطاقة الزفاف، وحدّد لي نفحات العطر. وهنا، توجهت الى احد معامل العطور وأشرفت شخصيا على تركيب العطر بكل التفاصيل الدقيقة حيث تعرفت الى شغفي بهذا العالم.
- كيف تطورت علاقتك بعالم العطور بعدها، خاصة بحُكم أسفارك المتعددة وتجاربك لعطور متنوعة من ثقافات مختلفة .
خلال تلك الفترة، كنت شغوفة بالسفر، وأتعمد زيارة الأسواق خاصة الشعبية لمعرفة بما يشتهر البلد والعطور المفضلة هناك. وانجذبت لمتاجر العطور هناك، فحرصت على تجربة العطور المشهورة لديهم. فكل منطقة لديها تاريخها العطري، ومن هنا، بدأ يتكوّن في ذهني علاقة بين البلد والرائحة.
في إحدى المرات، كنت مع ابنتي في مدينة غراس الفرنسية Grasse (وهي العاصمة العالمية لصناعة العطور)، وتشتهر بالزهور وخلاصات العطور، فدفعتني حشريتي الى زيارة العديد من المصانع فيها مثل عطور اللافندر المشهورة هناك، وصابون اللافندر، وكنت اجد نفسي منجذبة لهذا العالم.
توجهت مع ابنتي الى أحد معامل العطور هناك، وأذكر بأن اسمه Fragonard فشاهدنا فيه عن كثب كيف يتم استخراج العطور وكيف يتم تصعنيه. وضمن جولة العطور بهذا المعمل، كانوا يجرون فيه اختبار يطلق عليه " le nez" "الأنف". وتفاجئنا بحصولنا على تقييم بأعلى العلامات، اذ قالوا لنا حرفياً "vous aves le nez"، وقصدوا بها وفق تعبيرهم بأنني امتلك موهبة قوية في شم العطر (لديك حاسة لشم العطر، وتمتلكين تركيبة بيولوجية تستطعين من خلالها التفريق بين روائح العطور) وفق ما قالوا لي.
وصودف بأنني كنت اقوم بتحضير مناسبة Event في لبنان في الفترة التي كانت فيها أوضاعه الاقتصادية جيدة قبل حوالي 12 عاما، وكنت أتلقى هدايا ثمينة من أصحاب الـ Event ، وخاصة من الكويت حيث يهدونني العطور. كنت أجد هذه الروائح قوية جدا بالنسبة لي، لكنني قمت في إحدى المرات بخلط بعضاً من هذه العطور مع عطري الفرنسي المفضل، فاستوقفت هذه الرائحة زوجي وأحبها.
وانطلقت حينها بخلط الروائح بأن أضيف مثلا بعض القطرات من عطر تلقيته هدية على عطري المفضل، وهكذا ابتدأت معي حكاية خلط العطور. وأود الإشارة بأنه عندما اتلقى قارورة عطر من الخارج، أشعر كأنني سافرت الى ذلك البلد. كذلك بدأت بالتعمق ودراسة عالم العطور من خلال البحث على الانترنت وقراءة الكتب (انا من عشاق قراءة الكتب وشم رائحتها ايضا). فالقراءة جعلتني أغوص اكثر بهذا المجال.
- بعد خبرتك هذه، هل تفكرين بإبتكار عطر خاص وإطلاق علامتك التجارية؟ وكيف انتقلت الى عالم الجمال ايضا؟
بالفعل، بدأت بالتفكير بابتكار عطر من تركيبتي، خاصة بعدما بدأت أفهم عالم الروائح، وكوّنت سنوات طويلة من الخبرة في العطور والإحساس بالحب والشم بهذا المجال، فهناك عطور مخمرية، عطور صلبة، عطور من الزيت، عطور للشعر، ولا ننسى بأنه هناك باب آخر من أبواب العطور، وهو الزيوت العطرية العلاجية، وكل هذه الأنواع تتطلب الإدراك والفهم العميق لها.
ولصقل هذه الموهبة، قمت بتلقي الدروس الاحترافية حول كيفية تركيب العطور. فكل من يريد صناعة عطر، عليه أولاً يفهم الروائح والنغمات المختلفة والمستخدمة في تركيب العطور لضمان التوزان فيه وتناغمه، ويترافق ذلك مع معرفة وفهم عالم الزيوت العطرية. وفي الإجمال، لدي تركيبة عطر مميزة وهي خليط من براندات عالمية، وأحاول التفتيش على النغمات التي سأضيفها ووضع الملاحظات لابتكار عطر خاص بي.
وقد حصلت على شهادات متعددة بالعطور، وأمتلك حالياً مؤسسة "امنية باي ديمة". فالعطور حاليا تعتبر أكثر "تذكار" أصنعه في المناسبات، خاصة عندما تعلمت صناعة العطور الصلبة "المخمريات"، حيث يتم استخدامهم بالأعراس كثيرا.
شغفي في عالم العطور، دفعني ايضا الى الدخول في عالم الجمال، حيث تعلمت قواعد تركيبات الكريمات لأصنع كريمي الخاص مع تركيبات عطرية مناسبة، وهنا طورت نفسي ودخلت عالم العناية بالبشرة والشمع والصابون وحصلت كذلك على شهادات موثّقة فيها.
- أكثر عطر لفتك مؤخرا؟
تركيبة عطرية لسيدة التقيتها صدفة حيث قامت بخلط عطر Queen of Silk من Greed، مع الروائح العطرية التي أحبها وهي: Patchouli .misk . Amber .Vanille...oud and flowerly وأشير الى أن رائحة Patchouli لا استغني عنها في معظم خلطاتي للعطور فهي النغمة المفضلة لدي.
أحب الروائح التي تهبنا اياها الطبيعة كثيرا وأحب ان اتلمسها وأشمها مثل رائحة فاكهة الفريز والكرز فعندما أقطفهما بيدي، استشعر رائحتهما بكل شغف، وأعمل حاليا على استخلاص رائحة الكرز الطبيعية.
- كيف يمكن للمرأة المرأة العربية ان تكتشف العطر المناسب لها؟
الكثيرات قد تنجذب الى العطور الفرنسية والإنكليزية والإيطالية، لكن، نلمس حاليا اتجاه أغلبية دور العطور نحو الروائح الشرقية حيث بدأوا بإدخالها الى تركيباتهم العطرية، مثل العنبر، المسك، العود. والمرأة العربية في الإجمال، تمتلك تاريخا غنيا بالعطور، مثل المسك والعنبر، الورد الطائفي، الورد المحمدّي، فهذه الروائح تنتمي الى مناطق شهيرة في وطننا العربي ولدينا غنى بها. وبالتالي، لدى المرأة العربية تشيكلة واسعة من تاريخ العطور المتجذر في تراثنا وتقالدينا ومن الرائع الاختيار منها.
وبالتالي، أنصح المرأة العربية أن تحافظ على الجذور والعطور المتوارثة الشرقية، ويمكنها أن تضيف إلى خلطاتهم العطور الأوروبية.
وقبل اختيار العطر انصح باتباع هذه الخطوات: تحديد سبب اختيار العطر (صباحي او مسائي)، انصح باستخدام عطور الخشب والشرقية في الخريف والشتاء، واختيار العطور الزهرية في الربيع والصيف. اختبار العطر على محارم ورقية او المعصم. عدم شم رائحة العطر من القارورة مباشرة. نترك العطر حتى يجف لشمه. وعدم اختبار أكثر من 3 عطور في نفس الوقت.
- برأيك، ما الانطباع الذي يعكسه الشخص بعطره؟
أول ما يمكننا ملاحظته هو عطره والذي سيعلق في ذهننا ويطبع جانبا من مزايا شخصيته. فمثلا، عندما نصادف شخصاً تفوح منه رائحة عطر قوية واذا ما أحسسنا بأنها تليق به، لا بد وأن نأخذ عنه انطباعاً بأنه يحب الاشياء العميقة، اما الشخص الذي يتجه نحو نفحات زيت جوز الهند والفانيلا، سيبدو أنه يحب الطبيعة الاستوائية. كذلك، فإن الشخص الذي يضع عطراً بنفحات مبتكرة او غريبة، يُظهر بهذا الاختيار رغبته بالإختلاف عن الآخرين. ونلمس احيانا أشخاص يحبون روائح الباودر والمسك، وهي عطور تذكرنا بالنظافة، وتعكس طبع الشخص الهادئ.
وتلقائياً، سيترك الشخص أثره بلغة عطره، ويمكن للبعض مثلاً لمس المشاعر الإيجابية للشخص من خلال عطره، خاصة اذا ما كان يحب نفس النغمات، وبالتالي سيشعر بأن يشترك معه في أمور أخرى مثل الذوق المتشابه، وطريقة التفكير ايضاً.
يعكس العطر ايضا تطور المراحل العمرية للإنسان، فكما يتم وضع رائحة ناعمة "كولونيا" للأطفال مناسبة لهم، يحب بعض كبار السن الرجوع الى هذه الرائحة المحبوبة، وهي مرحلة يحب فيها الشخص العودة الى طفولته، الى جانب بأن كبار السن قد ينزعجون من الروائح القوية التي كانت تجذبهم في فترة شبابهم.
وأود الإشارة الى انه هناك آداب بوضع العطور بحيث يجب ان يكون ملائما للمناسبة التي نحضرها وبدون إزعاج الآخرين، على سبيل المثال، هناك أشخاص مرضى او أطفال قد يتأذون من رائحة العطر القوية.