الدكتورة مريم مطر لـ "هي": أهدف إلى رفع الوعي المجتمعي بالأمراض الوراثية وأم الإمارات فتحت لنا أبواب النجاح

فُتحت جميع الأبواب أمام المرأة الإماراتية لدخول عالم الأعمال والنجاح في مجالات عدة، وتحقيق ريادة كبيرة يتحدث عنها العالم أجمع. ومنها المجال الطبي الذي بات للمرأة الإماراتية بصمتها الدامغة والراسخة فيه، خصوصا مع إطلاق مشاريع وبرامج صحية جديدة تهدف إلى تعزيز صحة المواطنين وسكان دولة الإمارات على جميع الصُعد.

من هذه المشاريع الواعدة، جمعية الإمارات للأمراض الجينية التي أسستها الدكتورة مريم مطر عام 2004، هذه المرأة المكافحة والطموحة التي تتبوأ مناصب قيادية وريادية عدة في الدولة، متسلحة بتفوق أكاديمي ودعم أسري ومجتمعي وحكومي كبير. تحدثنا الدكتور مريم أكثر عن هذه الجمعية، وأهدافها، كما تستعرض بالتفصيل مسيرتها المهنية المكلَّلة بالنجاح.

الدكتورة مريم مطر
 
الدكتورة مريم مطر لـ هي: المرأة الإماراتية محظوظة بالرجل الإماراتي فهو داعم وحاضن لها و دعم أهلي وزوجي الكبير ساعدني في تحقيق نجاحاتي

 

أخبرينا أكثر عن دراستك والسبب الذي دفعك لاختيار هذا التخصص؟

في البداية أود التعبير عن سعادتي لهذا اللقاء مع مجلة "هيالتي أعتبرها إحدى المجلات الرائدة في معالجة كل المواضيع التي تخص جمال وفكر المرأة.

فيما يخص مسيرتي، فإن قرار دراسة وامتهان الطب لم يكن حلما رافقني منذ الطفولة بقدر ما كان قرارا اتخذته بسبب تأثري بجدّتي التي كانت تمتهن الطب الشعبي، والتي فوجئت بمدى حزن مرضاها لوفاتِها، وهو ما أثر بي وشجّعني على تحصيل العلامات الدراسية العالية بغية الالتحاق بكلية الطب والتمكن من مساعدة أكبر قدر من الناس وكسب محبتهم. وقد تكللت مرحلة دراستي في المدرسة بتفوقي العلمي من بين العديد من زميلات الدراسة من جنسيات مختلفة من كل البلدان العربية، وتابعت تفوقي إلى حين إنهاء المرحلة الجامعية.

ومع أن أمنيتي كانت التخصص في الجراحة التجميلية، غير أني سرعان ما اخترت طب الأسرة، نظرا لتأثري بالحالات والمواقف المؤلمة من الاضطرابات التي كان يعانيها مرضى عائلتي الكبيرة. وهذا ما جعلني أختار هذا التخصص لكونه يتيح لي المجال لتوعية المرضى وعوائلهم عن قُرب بالأمراض الشائعة، ولا سيما المتوارثة منها، ومن ثم تحقيق أكبر قدر من الإفادة للناس. وقد لاقى نشاطي التوعوي في مجال اكتشاف الأمراض المبكرة تشجيعا كبيرا من محيطي الأسري والمهني، وزاد شهرتي باعتباري طبيبة إماراتية رائدة ذات نشاط ملحوظ في هذا المجال.

إضافة إلى ذلك، تشرفت بأنني أول امرأة تُعين وكيلة وزارة صحة في الإمارات العربية المتحدة، ما ساعدني على تفعيل الكثير من القوانين الاتحادية الهادفة إلى تمكين كل فئات المجتمع الإماراتي بمواطنيه ومقيميه من المداومة على اتخاذ التدابير الصحية الوقائية فيما يخص الأمراض الوراثية، ومن ثم الحفاظ على مستوى جيد من الصحة والسلامة الطبية. كما أنّ تعييني أول مديرة عامة تنفيذية في حكومة إمارة دبي، أعطاني فرصا أكثر للتوسع والانخراط في العمل الطبي المجتمعي من ناحية إرساء استراتيجية تنفيذية تشتمل على تشكيل شبكة من الرعاية الاجتماعية والحماية التي تستهدف فئتَي كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ومن هم أكثر عرضة للأذى. ما أعتبره بالفعل توفيقا من الله، تعالى، في تكريس العلم الذي وهبني إياه لخدمة مجتمعي بمواطنيه ومقيميه على حد سواء.

حدثينا عن جمعية الإمارات للأمراض الجينية، وما أهدافها؟

هي جمعية أسّستُها بمجهود شخصيّ في عام 2004، بدعم من الشيخ نهيان بن مبارك، تكريما لذكرى الشيخ زايد، رحمه الله، والذي رحل عنا في ذلك العام. تتلخص أهداف تأسيسها في رفع الوعي المجتمعي بالأمراض الجينية الوراثية، وتمكين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بها من الكشف المبكر، لتدارك مخاطرها وتحرّي وسائل الوقاية المسبقة منها. إضافة إلى إجراء المسوح الميدانية في المناطق كافة بغية حصر الحالات المصابة بها، ورسم خطة علاجية ووقائية شاملة لها، وتمكين البنية التحتية من خلال تأهيل كادر تطوعي محلي متمكّن في مجال توعية ومساندة المجتمع، وإيجاد فرص بحثية متطورة للتعمق أكثر في علم الأمراض الجينية والعلاج الجيني والطب التجديدي.

ما مهام وأهداف مركز الشيخ زايد للأبحاث الجينية في الإمارات؟

مركز الشيخ زايد هو مؤسسة تابعة لجمعية الإمارات للأمراض الجينية، إلى جانب عيادة الأمراض الوراثية والجينية والمركز التدريبي التأهيلي، وهي كلها مؤسسات تجتمع تحت لواء المركز الأم، وتتوافق معه في الأهداف المذكورة آنفا. غير أن مركز الشيخ زايد يمتاز بكونه مركزا بحثيا متخصصا يُعنى بتقديم الخدمات والفحوص الطبية الجينية بأسعار رمزية للمصابين بالأورام والأمراض الجينية من أصحاب المداخيل الشهرية المتدنية.

هذا المركز ذو المساحة الصغيرة نسبيا، كان من المراكز الإماراتية السبّاقة في إجراء أكبر مسح ميداني مجتمعي هو الأول من نوعه على مستوى المنطقة في عام 2009، وشمل 11282 مواطنة ومواطنا إماراتيا من الفئة العمرية التي تتراوح بين 18 و28 عاما، للكشف المبكر عن نسبة حملهم لأمراض الدم الوراثية، ومنها الثلاسيميا وفقر الدم المنجليّ، وفقر الدم الانحلالي أو ما يُعرف بأنيميا الفول.

وَقد حظيَت الحملة بمؤازرة عالمية، حيث تكلّلت بحضور خمسة من أهم الخبراء الحائزين على جوائز نوبل للعلوم في مجال الأمراض الوراثية بشكل يوميّ لمدة ساعة إلى المركز. واللافت أنهم أطلقوا على المركز لقب "بقعة مضيئة في عالم البحوث الطبية الجينية العربيةلفرادة نشاطه الطبي واجتهاد طاقمه التطوعي.

هذا، وقد سبق لي نشر ورقة علمية بحثية في مجال الأمراض الجينية في المجلة الأميركية للصحة العامة. كذلك اختيرت منهجية المسح الميداني التي أنجزتُها لتكون واحدة من أفضل خمس ممارسات دولية في ربط المجتمع مع صناع القرار، لتفعيل سياسات طبية لحماية أفراد المجتمع من الأمراض الوراثية، تلاه تبني ورقة منهجية المسح ذاتها من قبل القمة الصحية العالمية وهذه كلها إنجازات أفتخرُ بها.

كيف تنظرين إلى اهتمام دولة الإمارات ببرنامج "الجينوم"؟ وما الخدمات التي سيقدمها لسكان الدولة؟

تعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن مصافّ الدول العالمية التي تحرز تقدما مستمرا ومواكِبا في مضمار التطوير التكنولوجي والمعلوماتي والآلاتي المتواصل لمشروع المسح الميداني الإماراتي "الجينوم، وَهي بالتأكيد خطوات فاعلة تعمل على تذليل العقبات التي تعترض مثل هذه المشاريع.

لا شك أن برنامج "الجينوم" الإماراتي هو أحد أهم مشاريع الأمن الصحي القومي في دولة الإمارات العربية المتحدة، لكونه يندرج ضمن أولويات الدولة في دعم القطاع الصحي بهدف بناء منظومة طبية علاجية وقائية عالمية المستوى، من خلال فهم طبيعة الأمراض الوراثية والمزمنة السائدة، ومن ثم تصميم استراتيجيات الرعاية الصحية التي تلبي احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية، وتركز على كشف الطفرات الجينية المبكرة وتفعيل السياسات والبرامج والخدمات العلاجية والوقائية المبكرة من خلال إجراءات الفحص المبكر وفحوص ما قبل الزواج.

برأيك كيف سيسهم العلاج الجيني في الحد من العديد من الأمراض الوراثية والخطيرة؟

يمكّننا العلاج الجيني أكثر من الاستفادة من المعلومات الواردة في برنامج "الجينوم" الإماراتي لحصر أنواع الأمراض الوراثية الأكثر شيوعا في الإمارات العربية المتحدة، والشروع في تحليلها بطريقة تحدّ من انتشار هذه الأمراض والوقاية منها والقضاء على بعضها، حيث تُستخدم المعلومات في سبيل التشخيص السريع والدقيق للكثير من الأمراض، وإعطاء التوصيات للعلاجات المناسبة، ومن ثم الحد من خطر مجموعة لا يستهان بها من الأمراض الوراثية.

كيف تصفين رحلتك المهنية والقيادية منذ بدايتها حتى الآن؟

تهمني الإشارة إلى أنّني محظوظة بفريق عمل يساندني، وقد سنحت لي الفرصة في معظم الوظائف التي شغلتها، والتي كنت أول شخص يستلمها، بأن أختار فريق العمل بنفسي. وقد كنت حريصة دائما على اختيار الموظفين الأقوى والذين يمتلكون قدرات ومهارات وخبرات تفوق تلك التي أمتلكها في المجالات كافة. وأعتبر أن السبب الرئيس لنجاحي هو اختيار فريق عمل أفضل مني خبرة وعلما. وقد حرصت على أن أعمل من خلاله وليس معه، بمعنى أنه سواء كنت موجودة معهم أم لا، فهم يعرفون التوجه لأن كل واحد منهم مؤهل لأن يكون قائدا، وهو ما يعطيه الثقة بالنفس لاستكمال أي مشروع بمفرده.

وقد تلقيت سؤالا في إحدى المقابلات الصحافية من أحد الصحافيين، مفادها أنني تسلمتُ الكثير من المناصب والمراكز، ولكن عندما تركتها وانتقلتُ إلى مهام أخرى استمرت تلك القطاعات بالتطور والازدهار. وجوابي للصحافي كان أنني أرى هذا الموضوع إيجابيا، وأنه إحدى مؤشرات نجاحي والقدرة على قيادة المركز بكفاءة وفاعلية، لأنه تطور وأصبح أقوى ولم ينهر بعد أن تركته. وهذا يعكس قدرتي على تطوير مفهوم الاستدامة في أي مشروع استلمته، وقدرتي على قيادة فريق عمل تمكن من تطوير مفهوم الاستدامة.

ما الدوافع التي تحفزك على التميز في مجالات التعلم والعمل؟

ثمة محفزات كثيرة ساعدتني خلال مسيرتي المهنية والعلمية، لكن المحفز الأهم كان وجود إنسان عزيز في حياتي هو أبي، الذي أعتبره أفضل رجل في حياتي. على الرغم من أنّه من عائلة متواضعة جدا، ولا يجيد القراءة أو الكتابة، لكنه أصر على إكمال دراستنا على الرغم من كل المشاكل المالية التي واجهتنا. وقد حرص أبي على أن أكمل دراستي في كلية الطب، وأن يسددَ جميع المتوجبات المالية على الرغم من التكاليف الباهظة.

كما أنه يتيم الأب والأم، ويتمنى دائما أن يحقق إنجازا لكي يخلد اسم أبويه وعائلته. ومنذ ذلك الوقت قررتُ أن يكون لاسم محمد مطر بصمة في الإمارات، وظل هذا الهدف راسخا في عقلي الباطني يحفزني على التميز والمبادرة وتحقيق المستحيل، ليبقى اسم عائلة مطر خالدا. وقد استجاب الله لدعائي، وتمكنتُ من أن أبادر وأعمل لتحقيق هذا الهدف الراسخ في عقلي الباطني.

ماذا أضاف اختيارك من بين "أكثر 50 امرأة تأثيرا في العالم العربيلعدة سنوات، في حياتك وطموحك المهني؟

لم يكن اختياري فقط من بين "أكثر 50 امرأة تأثيرا في العالم العربي، وإنما من بين "20 عالمة مسلمة أكثر تأثيرا في المجتمع الإسلامي". وأن تكون امرأة في هذه القائمة المختارة من قبل مجمع طبي بريطاني، إثبات ودليل على أن الإنسان المؤمن والطموح يمكن أن يحقق أحلامه. لقد رسمتُ حلما بأن أكون مميزة في المجتمع الإماراتي، وقد كنت محظوظة بأن أكون أول وكيلة وزارة وأول امرأة تجري المسح المجتمعي للأمراض الجينية، وأن أستلم مراكز قيادية وريادية، وأن أؤسس خمس جمعيات لمتلازمة "دوانوالسرطان والأمراض النادرة. وكل هذه الإنجازات تزيدني قناعة وثقة بأنني يمكن أن أحقق المزيد، وأن أترشح للحصول على جائزة نوبل للعلوم في عام 2032. 

تتولين العديد من المهام والمراكز المحلية والعالمية فضلا عن البحوث والدراسات، كيف توفقين بينها وبين العائلة؟

بكل صراحة، لا أستطيع أن أوفق بين الحياة المهنية والعائلية، حيث تميل الكفة لمصلحة العمل في بعض الأحيان ولمصلحة العائلة في أوقات أخرى. وإذا كان هناك نساء تمكّن من خلق هذا التوازن، فيا ليتهّن يُقدّمن لي النصائح حول كيفية خلق هذا التوازن. لكن مقابل هذا الواقع، أنا محظوظة بشريكي ورفيق دربي وبأهلي الداعمين لي باستمرار. زوجي اسمه كرم عدنان، وهو طبيب نفسي خريج جامعة "هارفارد، وأعتبره أفضل رجل في حياتي بعد أبي، لأنني أتلقى دعما غير مسبوق منه، وهذا دليل على ثقته بي وبنفسه، وكذلك أتلقى الدعم من أهلي وأمي وأخواتي الذين يسهمون في خلق التوازن بين حياتي المهنية والعائلية. ولولا هذا الدعم ولولا وجود الناس الذين أحبهم ويؤمنون بنجاحي لم أكن لأتمكن من تحقيق تلك النجاحات.

كيف تنظرين إلى مشاركة المرأة الإماراتية في مجالات العمل في الدولة؟

المرأة الإماراتية محظوظة كثيرا، وتستحق كل منصب أو مهمة أو مسؤولية تستلمها ليس، لأنها امرأة، بل بفضل قدراتها وجدارتها وعلمها وشهادتها. أرى تنافسا طيبا وصحيا بين المرأة والرجل الإماراتي، والمرأة الإماراتية محظوظة بالرجل الإماراتي، باعتباره من أهم قواعد التوازن في حياتها، فهو داعم وحاضن لها. وانطلاقا من تجربتي الشخصية، الرجل الإماراتي من القائد إلى أصغر شخص يحضن المرأة بدفء الأب والأخ، وكان من أهم أسباب نجاحها وثبات تطورها، وهذا دليل على رجولته. المرأة الإماراتية ليست أذكى من أي امرأة أخرى في الخليج، لكنها محظوظة برجل إماراتي واثق بنفسه مؤمن بقدراته، وبمجتمع أعطاها الفرصة، وبأم الإمارات التي تؤمن بأن القوانين والحوكمة والفرص متوفرة والأبواب مفتوحة لها.

لقد أمسكت أم الإمارات بجميع المفاتيح، وفتحت لنا كل الأبواب، وأخذتها كي لا يغلقها أحد. أم الامارات هي الكنز والشخصية الحاملة للمفتاح الذهبي الذي فتح كل أبواب النجاح، وما على المرأة سوى أن تخطو خطوة بعلمها وكفاءتها وخبرتها لكي تدخل من أوسع الأبواب